قيل في الماضي "يخلق من الشبه أربعين" اما اليوم فانقلبت الامثال رأساً على "استنساخ" وصار الأصح ان يقال: يخلق من الشبه ما لا يعد احياناً، خصوصاً اذا كنا نتحدث عن الشبه الجمالي الذي يجعل من بعض النساء نسخاً كثيرة لامرأة واحدة: حاجبان رفيعان منتصبان كالقوس لحظة الرمي، شفتان متورمتان طوعاً بفعل حقنة سيليكون او جراحة ما، عينان تتبدل كل فترة ملامحهما وشكلهما و...نظراتهما، شعر أشقر صارخ أملس او اسود عابق مسترسل. ولا تكتمل اللوحة الا بأزياء من تلك التي تلبسها الدور العالمية لمعظم النساء وكأنها الزي المدرسي الموحد! أما كلمة السر لهذه الظاهرة فبسيطة وبليغة في آن: "الموضة"، وهي العنوان الذي تنضوي تحته مجموعة كبيرة من السلوكيات، خصوصاً في المجتمعات الاستهلاكية التي غالباً ما تستورد الكثير وتصنع القليل. كيف يبدأ التعلق بما تقدمه هذه الكلمة السحرية الى عشاقها؟ ضحى شبيب 19 عاماً تدرس الهندسة الداخلية ولها مع الموضة حكاية: "الموضة شيء جميل يساعدنا على التجدد وتلوين ايامنا بلمسات حلوة فلماذا اقاومها؟ انا لا اجد اي عيب في ابراز اناقتي واختيار ما يضيف الى انوثتي. لذلك لا اتردد في تجربة اي من خطوطها الجديدة فإذا لم يلائمني استغني عنه". المشكلة عندما لا تقتنع بعض النساء بأن هذه الموضة او تلك لا تليق بهن ويقررن الانصياع لقوانينها مهما كان الثمن. وكأن القاعدة المثالية تنحصر في ان نكون "على الموضة" أفضل من ان تكون الموضة علينا! وعليه فكثيرات في سن المراهقة، او سن النضوج يطبقن هذه القاعدة وفي شكل عشوائي احياناً، الى حد اننا كثيراً ما نتساءل رجالاً ونساء عند مقابلتنا فتاة "كنا" نعرفها: أهذه حقاً هي؟! ربما كان جراحو التجميل الاكثر مقدرة على اختصار تلك الظاهرة، فهم يتحدثون كثيراً عن اقبال غير اعتيادي منذ اعوام على تغيير ملامح الوجه وخطوط الجسد عبر جراحات معينة، من دون ان تكون دوافع ذلك عيوباً حقيقية او تشوهات خلقية. وتختصر شكوى "مريضاتهن" في انهن يطمحن ان يحصلن على انف هذه النجمة، ووجنتي تلك المطربة، او قوام العارضة الفلانية. وعبثاً يحاول الجراحون احياناً ان يشرحوا بأن التجميل لا يعني طمس هوية الانسان او استبدال اخرى بها. ريم عيسى 29 سنة تعمل سكرتيرة وتستغرب كثيراً ما تراه في سلوك بعض النساء الراشدات وربّات البيوت: "لا يفاجئني الشغف الأعمى بالموضة لدى بعض المراهقات اللواتي يغريهن تحدي المجتمع في ما يلبسن او ما يفعلن، لكنني لا افهم اطلاقاً انجراف كثيرات ممن هن في سن النضج الى سلوكيات لا تناسبهن. افضل كثيراً ان يبقى الانسان كما خلقه الله الا اذا كان يعاني عيباً جسدياً يزعزع ثقته بنفسه". وريم التي تبدو عصرية جداً في اناقتها ولباسها، لا تختار الا ما يلائم شخصيتها وتقاليدها اما الاغراءات الاخرى فلا تعني لها شيئاً. اذاً في الموضة غالباً اغراءات، تغذيها بقوة وسائل الاعلام التي تخاطب المرأة في القشور وليس في قضاياها الحقيقية. وعلى رغم النجاح النسبي الذي حققته المرأة في مجال الاتصال والاعلام في لبنان، فإن صورتها في وسائل الاعلام لا تتناسب ودورها، ولعل ابلغ تعبير عن ذلك، الكم الهائل من الاعلانات التي تركز على النظرة الانثوية - الاغرائية، على انها المؤهل أو الرصيد الوحيد في الحياة. وربما كان مطلوباً دعوة الصحافة النسائية خصوصاً الى تصحيح هذه النظرة عبر التركيز على ما يثقف النساء ويزيد من وعيهن، ما يحقق التوازن بين حديثها عن الجمال والصحة وبين حديثها عن حقوق المرأة ودورها ومكانتها. ووسائل الاتصال التي اصبحت "عابرة للقارات" هي التي تحرض على "موديل" موحد من النساء في كل العالم، خصوصاً في دول العالم الثالث التي تعودت ان "تتلقى" اي سلعة. ويكفي احياناً ان "تسطع" نجمة غنائية او تطل مذيعة على احدى الفضائيات، حتى "تستنسخ" بالمئات في صالونات التزيين ولدى خبراء الماكياج، وأحياناً عند جراحي التجميل. سهى 22 عاماً روت حكاية زميلة لها في العمل اضطرت الى التقشف الشديد سنة كاملة كي تدخر راتبها لاجراء جراحة تجميلية لشفتيها وحاجبيها علماً انها لم تكن تشكو من اي عيب فيها. وتقول سهى ان زميلتها اصيبت باكتئاب حقيقي بسبب هذا الموضوع، وبالغضب بعد الجراحة لأنها لم تحصل على "النتيجة التي تخيلتها". ريموندا عازار 31 عاماً تقول انها تستغل الموضة "ولا أقبل ان تستغلني. قد اعجب بقصة شعر او اسلوب في الماكياج وهذا اكثر ما قد انسخه عن غيري، اذا كان يليق بي طبعاً، ولكن لا استنسخ اي صرعة كما لو كنت عمياء". على الضفة المقابلة لعاشقات الموضة بأي ثمن، فريق نسائي يؤمن بالطبيعية والبساطة في الاناقة، "لأن الاهم ان نفسح في المجال امام جمال الروح والنفس كي يظهر في المحيا، فلا نطمسه بالكثير من القشور" كما تقول سمر 25 عاماً. وتذهب بعض مناصرات هذا الفريق الى التأكيد ان الرجل اللبناني خصوصاً وربما الشرقي عموماً، لا يعجبه ان تكون رفيقة روحه نسخة عن كل النساء. "قد ينجذب الى عابرات سبيل مغريات براقات كما نجمات التلفزيون ولكن... الى وقت محدود". جاد عويدات 21 عاماً طالب في السنة الرابعة في كلية الاعلام يقول: "ان الاستنساخ الجمالي الذي نلاحظه من حولنا، جزء صغير من العولمة الكبيرة، فالشبكات العالمية لدور الازياء تنشر الطلة والاناقة بالمفهوم الغربي في مجتمعاتنا العربية". وفي لبنان اسماء معروفة تتناقلها الصبايا والشباب لاختيار ملابسهم، وتنتشر بعد ذلك في ما بينهم كالعدوى. ويعتبر خارجاً على الموضة والاصول من لا ينصاع اليها "انا اكره المبالغة في هذا الموضوع. فليست كل موضة مقبولة وجميلة، وأفضل ان تعرف الفتاة كيف تختار ما يناسبها وأميل اكثر الى تلك التي تتجمل لشخص واحد وليس لكل الناس". اذا كان الجمال يفقد دهشته حين يفقد خصوصيته ويصبح شائعاً، فلم الاصرار على هذا "الاستنساخ الجمالي" من حولنا؟ وعما يبحث في الحقيقة الناسخون والناسخات؟ "أظن ان الخواء الداخلي هو الذي يجعلنا نعوض عنه في امور اخرى وان سطحية" بحسب وسام 42 عاماً الذي يستبعد ان تنجرف المرأة الناضجة والذكية مهما كان عمرها في هذا التيار. والمعادلة هنا بسيطة وسهلة: عندما نرى كذا نسخة من شيء جميل سيفقد هذا الشيء بريقه الكبير. لكن يبدو احياناً من الاسهل اللحاق بهذا المثال او ذاك، عوض ان يكون الانسان في نفسه مثالاً. ومن يصعب عليها ان تكون نفسها ستختار امرأة اخرى "تكونها" ولا تكونها! طبعاً لا عيب في ان يسعى الانسان الى تجميل حياته ونظرته الى نفسه، لكن من الداخل اولاً، والا ظهر غير راضٍ عن نفسه وخياراته.