أبلغت الادارة الاميركية عواصم عربية عدة أنها تستطيع ان تسهّل خروج الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من رام الله لكنها لا تستطيع ان تضمن "عودته" الى مناطق الحكم الذاتي اذا غادرها لأي سبب، ومن ذلك مثلاً ان يسافر الى بيروت للمشاركة في القمة العربية. وأبدت واشنطن تفضيلها تأجيل هذه القمة، أو عقدها بغير مستوى القادة. وأعربت للمناسبة عن ضيقها من توقيتها أواخر آذار مارس المقبل، ومن عقدها في بيروت تحديداً، إذ تخشى ان يوحي ذلك ل"الجماعات المتشددة" ك"حزب الله" بأنها حققت مكاسب. إلى ذلك، طلبت واشنطن ان ينقل العرب الى الرئيس العراقي صدام حسين رسالة تحذيرية مفادها ان عليه الموافقة على عودة المفتشين الدوليين، وإلا فإنها ستتخذ "اجراءات شديدة" ضده. وأكدت ان مهمة الامين العام للجامعة العربية بالنسبة الى الملف العراقي "لن تنجح" لأن هناك أطرافاً عربية عدة "لا تقبل أساساً بوجود صدام حسين"، مشيرة الى ان الكويت "طلبت منا توفير حماية كافية لها، كونها تخشى ان يعاود صدّام تهديداته في حال رفع العقوبات" عن العراق. وتجمّعت لدى "الحياة" معلومات من مصادر وعواصم عربية عدة عن الاتصالات التي اجراها الرئيس جورج بوش وكبار المسؤولين الاميركيين مع مسؤولين عرب، سواء لشرح المواقف الاميركية الراهنة من تطورات الوضع الفلسطيني - الاسرائيلي أو للتشاور في ما يمكن ان تفعله للخروج من المأزق الحالي. وعلى رغم المشاورات الجارية حالياً في إطار الصيغة الرباعية الولاياتالمتحدة، روسيا، الاممالمتحدة، الاتحاد الاوروبي لا تبدي واشنطن أي استعداد للتخفيف من موقفها المتشدد حيال الجانب الفلسطيني. وعلى رغم ان المسؤولين الاميركيين يلمحون الى استياء ضمني من السياسة التي يتبعها رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون إلا انهم مصرّون على موقفهم من الرئيس الفلسطيني. ونقلت مصادر ديبلوماسية عن بوش قوله لأحد الزعماء العرب ان شارون كاد يجهز على عرفات بالكامل "لولا ضغوط شخصية مني"، مكرراً ان الرئيس الفلسطيني "أضاع فرصة تاريخية في عهد باراك"، وملحّاً على ان يتبنى العرب معالجة "متوازنة" بين الفلسطينيين واسرائيل. وقالت هذه المصادر ان الاميركيين يطرحون حالياً عناوين "حل" يمكن ان يشارك فيه عرفات أولاً ب"وقف العنف بالكامل" وفقاً ل"مطالب الجنرال انتوني زيني"، وبالتعاون لتنفيذ "خطة تينيت"، وبعد ذلك يمكن ان تستأنف المفاوضات للتوصل الى اتفاق يتضمن "اقامة دولة فلسطينية" ويحمل توقيع عرفات، وبذلك يكون قد انجز مهمته، ثم تجرى انتخابات قد تبقي عرفات في مكانه أو يفضل هو نفسه ان ينسحب. لكن المصادر نبهت الى ان واشنطن لم تصل الى حد "ضمان" مثل هذا السيناريو، أو الى تبنيه في مبادرة معلنة. وهذا ما يربك العرب المعنيين مباشرة بالمساهمة في المعالجة "المتوازنة" للأزمة. وقالت المصادر ان المسؤولين العرب أبدوا دهشتهم ازاء اللهجة العصبية التي بات الاميركيون يتحدثون بها عن الرئيس الفلسطيني، ونقلت عن أحدهم قوله أن "صمود عرفات أوصلهم الى طريق مسدود لكنهم لا يريدون مساعدته حتى على تنفيذ الشروط الامنية التي فرضوها عليه". وأوردت المصادر نماذج من "التقويمات" التي يبديها الاميركيون، ومنهم الرئيس بوش نفسه، لدى حديثهم عن عرفات. فمن ذلك أنه "متورط شخصياً في حادث سفينة الاسلحة"، وأنه "في وضع صعب لا يستطيع معه فرض سيطرته الكاملة على تنظيمه فتح"، و"يريد ان يكون رئيس دولة ويطرح نفسه كقائد لثورة"، و"إما ان يكون رئيساً له صلاحيات وإما ان يكون زعيماً لمنظمة تسعى الى ابادة اسرائيل ..."، و"نحن فقدنا الثقة به وبسياساته". وقالت المصادر ان الاميركيين فاتحوا محاوريهم العرب بمسألة مغادرة عرفاترام الله والاحتمالات المتوافرة لأماكن وجوده في المرحلة المقبلة. ونسبت الى مرجع عربي كبير أنه أوجز لأحد زواره الأمر كالآتي: بحث الاميركيون في امكان انتقال عرفات الى مصر او الاردن او السعودية او اليمن او تونس، وابلغوا الجميع ان مغادرته هذه المرة تعني تقاعده. واذا كان الاردن رفض مجرد البحث في فكرة استقبال عرفات فإن تونس أفهمت المعنيين انها لن تستقبله بالصيغة السابقة. والدول الاخرى لم تعط أي أفكار نهائية وهي تعتبر ان المسألة لا تخص الاميركيين وحدهم، فحين يطلب عرفات الانتقال اليها يمكنها عندئذ ان تحدد صيغة استضافته وفقاً للمعطيات وليس وفقاً للرغبات الاسرائيلية. وأكدت المصادر ان الاميركيين كرروا للمسؤولين العرب ان "البدلاء" لعرفات جاهزون لكنهم يفضلون ان يكون الحل "عن طريقه هو شخصياً، والبداية تكون بضبط كامل للاوضاع ومنع العمليات الانتحارية" وإلا فإنهم سيرفعون ضغوطهم عن شارون.