لكأن رفع القضايا على مايكروسوفت بات بحكم "العادة"، بصرف النظر عمّا إذا كان اصحاب الدعاوى محقّين أم لا. واللافت في المسألة أداء عملاقة البرامج، في تلقي الضربات أو تجنّبها أو الردّ عليها أو توجيهها. آخر المستجدات وليس آخرها طبعاً، كان الدعوى التي رفعتها نتسكايب في 22 الماضي في مسألة احتكارية. وادّعت هذه الشركة، وهي وحدة تنتمي إلى العملاق الآخر "آي أو أل - تايم وورنر"، الذي بدوره ليس براءً من الاحتكار، أنها تضررت من "اعمال واجراءات غير قانونية" نفّذتها مايكروسوفت لترويج متصفحها "إنترنت أكسبلورر" على حساب متصفّح "نتسكايب نافيغايتور". وهي تسعى إلى إزالة التأثيرات المتواصلة لسلوك مايكروسوفت غير المشروع وإلى استعادة التنافس الذي انقطع في سوق نُظم التشغيل وبرامج التصفّح. ردّت الاخيرة على هذه الدعوى بأنها شركة تستثمر في الابداع والانتاج، في حين توظّف آي أو أل - تايم وورنر قدراتها واموالها في المحامين والمروّجين لوضع عصيٍ في العجلات. الحكاية من أولها في بدء مايكروسوفت كان "دوسْ"، نظام تشغيل أثبت فاعليته في تشغيل برامج الكومبيوترات الشخصية والتطبيقات. وكان لا يتضمّن سوى أدوات ضرورية لضبط عمله. وظلّ يتطوّر إلى أن بلغ نسخته السادسة ونيّف DOS 6.6. ثم انحلّ في "ويندوز" ليشكّلا معاً نظام التشغيل الرسومي في مواجهة نظام ماكنتوش. وصار ذا واجهة استعمال تحمل أيقونات وقوائم تندرج فيها أوامر التشغيل، ينطلق عمل أي برنامج أو تطبيق بمجرّد الضغط عليها بواسطة الفأرة. ويستطيع تشغيل عدد من التطبيقات في آن. وحمل "ويندوز" في طيّاته ألعاباً سوليتير وتطبيقات عمل مستقلة عنه برنامجي "باينت براش" و"وورد باد". والاخير كان يكفي إلى حد ما من يريد كتابة نصوص. وكانت مايكروسوفت تنتج برامج عمل مستقلة أكثر تطوّراً، مثل "وورد" و"أكسل" وغيرهما. وعملاً بتجارة الجملة، فضّلت طرحها في الاسواق موضّبة في رزمة اسمها "أوفيس" مع تطبيقات أخرى، منها "أكسس". وتزامن طرح تلك الادوات المكتبية مع قدوم نظام التشغيل "ويندوز 95". وفي موازاة ذلك، ظهرت في الاسواق برامج البريد الإلكتروني وتصفّح الإنترنت التي تخلّفت عملاقة البرامج عن مجاراتها في البداية. وتعويضاً عن هذا التقصير، أقامت الشركة معسكر عمل دائماً في مقرها. ويُذكر أن موظّفيها حملوا معهم "أكياس النوم" إلى مكاتبهم، إلى أن استطاعت اللحاق بركب الإنترنت. ومن وجهة نظر تسويقية، استحسنت أن "تدسّه" في "ويندوز 95"، ليباع مجاناً مع الرزمة كلّها. ثم أضافت عليه لاحقاً، تطبيق "ميديا بلاير" لعرض المواد المرئية والمسموعة. إضافتان اطلقتا شرارة الحرب القضائية على محور الاحتكار، والتي لا تزال تدور رحاها حتى الآن وبلغت أوروبا. من منظور الاحتكار، أولاً لا يمكن شراء "أوفيس" ناقصاً أو بالتجزئة، وإلاّ ارتفع سعر التطبيق الواحد كثيراً. وإذا كان المستخدم لا يحتاج إلى "أكسس" مثلاً في عمله، لن يستخدمه طوال عمره، علماً أنه دفع ثمنه. لكن المشكلة الحقيقية تتجسّد في أن أياً من تلك التطبيقات لا يتوافق مع نُظم تشغيل أخرى، ما عدا "أوفيس" المعدّ لنظام "ماك". ثم تشدّدت مايكروسوفت في سياسة ترخيص الاستعمال إلى حدّ فرض نسخة واحدة من "ويندوز اكس بي" الجديد على جهاز واحد. أي ان النسخة التي يشتريها مستخدم ما ليست "ملكه" تماماً. فإذا كان لديه كومبيوتر مكتبي في المنزل وآخر محمول، لا يستطيع تثبيت النظام المذكور في الجهازين اللذين يملكهما. عليه شراء نسخة اخرى أو رخصة استعمال متعدد. وهذه مشكلة اخرى. معارك احتكار البرامج أيضاً من منظور الاحتكار، أثار وجود "إنترنت أكسبلورر" ومن بعده "ميديا بلاير"، حفيظة شركات البرامج الاخرى والقضاء الاميركي، واعتبرت خطوة مايكروسوفت احتكارية، تحدّ من المنافسة والابتكار، نظراً إلى أنها "اقنعت" بأساليب مختلفة والبعض قال ملتوية شركات الكومبيوتر ببيع الاجهزة محمّلة بنظام التشغيل الذي يتضمّن متصفّح الإنترنت. وفي وقت قصير تزايدت حصّة متصفّحها في السوق في شكل مطّرد، ثم بلغت أوجها. ومع استعار المحاكمات، كادت الشركة تصل إلى حد التفتيت لولا انها توصلت في أواخر العام الماضي، إلى اتفاق مع وزارة العدل الاميركية، اعتبره المراقبون انتصاراً لها. ونجت ايضاً من القضايا التي كان سيثيرها نظامها الجديد "ويندوز اكس بي". لكنّ "انتصارها" جاء مشروطاً ومنقوصاً. فأي خرق مهما كان "يُعدّ خطِراً كفاية تحت قانون مكافحة الاحتكار"، على ما قال احد المحامين المعنيين بهذه المسألة. ولا يعدّ مكتملاً إلاّ بعد التأكّد من أنه لم يأتِ تحت ضغط سياسي، ودراسة ردود فعل 18 ولاية اميركية، هي شريكة في الادّعاء. ثم قدّمت "مقترحات علاجية" للقضية، هلّلت لها المؤسسة الاميركية لمكافحة الاحتكار AAI، ابرزها: الترخيص لثلاث شركات مستقلة انتاج نسخ من "أوفيس" تتوافق مع نظم تشغيل اخرى، تقديم نسخ "ويندوز" خالية من التطبيقات، وكشف الشيفرة الاصلية لبرنامج "إنترنت اكسبلورر" امام اهل الصناعة. ودعت إلى وضع اجراءات صارمة لمراقبة التنفيذ، وإلاّ نفّذت المقترحات قسرياً وواجهت مايكروسوفت عقوبات. وكان آخر ما قدّمته الشركة لمعالجة قضاياها بالجملة أيضاً، تقديم اجهزة معاد تأهيلها مع برامج وتطبيقات إلى نحو 12500 مدرسة في الولايات المتّحدة، مساهمة منها في تعزيز استخدام الكومبيوتر والإنترنت في القطاع التربوي. لكنّ معظم أهل الصناعة ومعهم القضاء اعتبروا خطوتها هذه "مهزلة"، لأنها تصب في مصلحتها الخاصة، كونها تمهّد لأجيال مقبلة من "مستخدمي منتوجاتها". إلاّ أن المعركة القضائية الاشد ضراوة تدور في أوروبا، حيث مكافحة الاحتكار اكثر تشدّداً، قانوناً وتنفيذاً. وفي حين يركّز القضاء الاميركي على نُظم التشغيل، يبدي الاتحاد الاوروبي قلقه حيال سوق الخوادم servers، مركزاً على ما إذا كانت مايكروسوفت صمّمت "ويندوز" ليعمل مع خوادمها أفضل مما يعمل مع خوادم منافسيها. [email protected]