أثار عرض سيرة القائد صلاح الدين الأيوبي، بطل معركة حطين، ومحرر القدس من الفرنجة الصليبيين، على الفضائيات العربية، بعض الأقلام في الصحافة الإسرائيلية، فأعادت الى الأذهان القصة التي سبق ان أثارتها عام 1987 لمناسبة مرور ثمانية قرون على معركة حطين التي وقعت عام 1178 وتم بعدها تحرير القدس. كانت سورية اعلنت ذلك العالم اعتزامها الاحتفال بتلك المناسبة التاريخية المهمة، بالتعاون بين المديرية العامة للآثار والمتاحف، ومعهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب، عندما فوجئت بإسرائيل تعلن انها قررت عقد مؤتمر عالمي في "الجامعة العبرية" في العام نفسه حول معركة حطين ومكانتها في تاريخ الصراع بين الشرق والغرب وحول ما سمته الإسهام اليهودي في انتزاع النصر الى جانب المسلمين... ودعت مجموعة من المؤرخين والعلماء من مختلف انحاء العالم للمشاركة في هذا المؤتمر، كما وجهت دعوات الى عدد من اساتذة التاريخ في الوطن العربي وبصورة خاصة من مصر والمغرب. وكان واضحاً ان تلك الدعوة هدفت في جملة ما هدفت إليه، الى تشويه التاريخ العربي، وسرقته، وتوجيهه الوجهة التي تمجد دور القوى اليهودية، وبالتالي الصهيونية في المنطقة، والإيحاء بوجودها المتواصل في المنطقة بين الماضي والحاضر. وسبق لإسرائيل ان حاولت سرقة التراث العربي الفلسطيني ومنه الأزياء الفلسطينية، وثوب القدس في شكل خاص، وأقامت في باريس معرضاً سمته معرض الأزياء العبرية عبر التاريخ اضافة الى سرقة الآثار باسم التنقيب عنها. وقفة عربية واحدة الى جانب دعوة سورية للاحتفال بهذه المناسبة، اعلنت اكثر من جهة عربية استعدادها للمساهمة عقد المؤتمر العربي بعد ذلك بنجاح كبير ومنها اتحاد المؤرخين العرب والجامعة الأردنية، ووزارة الثقافة السورية، ومعهد التراث لمجابهة المحاولة الإسرائيلية تنفيذ مؤامرة جديدة تضاف الى سلسلة المؤامرات التي حاكتها الصهيونية منذ ان خططت في مؤتمر "بال" في نهاية القرن الماضي لإقامة كيان يهودي في ارض فلسطين يحقق الأطماع التوسعية للصهيونية العالمية ويصبح عائقاً مادياً بين مشرق الوطن العربي ومغربه. وحتى تكتمل اللعبة في المؤامرة الجديدة حاولت إسرائيل ان تدعو عامذاك بعض المؤرخين العرب للمشاركة في ذلك المؤتمر وإغناء جلساته بأبحاثهم كما جاء في الدعوات الموجهة إليهم مع الإشارة الى جعالة مالية عالية، فجوبهت بالرفض القاطع من الجميع، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور، استاذ التاريخ المعروف في مصر، الذي رفض الدعوة واتصل بمدير البريد في الاسكندرية، وطلب إليه الا يحوّل إليه اي بريد يأتي من الأرض المحتلة. انهم يحاولون من جديد واليوم... ومع قيام الفضائيات العربية ببث مسلسلات جديدة عن القائد الكبير صلاح الدين الأيوبي، ومنها مسلسلا "البحث عن صلاح الدين" للمخرج نجدت اسماعيل انزور و"صلاح الدين الأيوبي" للمخرج حاتم علي، تتنطع بعض الأقلام، في بعض الصحف الإسرائيلية للموضوع من المنطق السابق نفسه، وتدعو من جديد ما دامت المرحلة تعيد ترتيب العالم والتاريخ لعقد مؤتمر في الرابع من تموز يوليو المقبل، وهو اليوم الذي قامت فيه معركة حطين، ويدعون إليها من جديد مجموعة من المؤرخين ومن الذين قد يقودهم تخاذل التطبيع من العرب الى مهانة الوقوف على منابر المؤتمر الذي اكد جميع المؤرخين في العالم، ومنذ الدعوة السابقة له... انه يحمل معه بذور موته وفشله. حطين في التاريخ تقول الدكتورة امينة بيطار: "إن حروب الفرنجة التي عرفت باسم الحروب الصليبية، لم تقم كما يقول بعضهم لحل مشكلات الحجاج الأوروبيين الى بيت المقدس، اي انها لم تكن حرباً دينية بحتة، وإنما حركة اجتماعية اقتصادية لحل مشكلات الغرب في المنطقة، ولا يمكن اعتبارها حرباً دينية لتحرير بيت المقدس من ايدي السلاجقة، كما قيل في ذلك الوقت، بدليل ان الصليبيين قاموا بكثير من المذابح في المناطق الأوروبية التي مروا بها، فقتلوا في هنغاريا وحدها ما يزيد عن أربعة آلاف مسيحي، كما اصطدموا مع البيزنطيين في مناطق متعددة. اما الاحتلال الذي حققوه، فكان بسبب الأوضاع الداخلية المتداعية في بلاد الشام، وبسبب الصراع القائم بين الفئات الحاكمة في امصار هذا المشرق العربي". ويقول الدكتور زهير زكار: "تؤكد الوثائق التاريخية، حتى اليهودية نفسها، ومنها رحلة بنيامين الطليطلي انه لم يكن في القدس آنذاك اكثر من مئة يهودي". وتعود الدكتورة امينة بيطار لتقول عن ادعاء اليهود المشاركة في موقعة حطين: "المعروف ان صلاح الدين الأيوبي سامح - بعد انتصاره - حتى أعداءه... وعلى رغم ان اليهود كانوا في ذلك الوقت قلة لا تكاد تذكر، فقد سمح لمن أراد منهم بدخول بيت المقدس". ويقول الدكتور احمد عفل: "عدد اليهود في القدس كان محدوداً جداً منذ العهدة العمرية اي عهدة عمر بن الخطاب، بألاّ يسكن اليهود في القدس... اما لماذا يحاول الإسرائيليون حالياً هذه المحاولة، فلأن في الكيان الصهيوني تياراً يعتبر اصحابه انفسهم من انساب الكنعانيين القدامى، سكان فلسطين الأصليين، ولهذا يعطون انفسهم الحق في العودة، في حين انهم شتات، لا ينتمون الى السامية وقد تهودوا، لأسباب اقتصادية وسياسية". وقد يصر الإسرائيليون في مؤتمرهم - اذا عقد - على الموضوع الديني، وهذا ما يجب كشفه وفضحه، لأنهم يسعون في هذا الوقت بالذات الى إثارة المزيد من المشكلات في المنطقة بين المسلم والمسيحي، وبين الشرقي والغربي، لإذكاء الفتنة، وسد الطريق على اي حوار قد يقوم بين الأوروبي والعربي. إذاً، فالحديث عن موقعة حطين، هو حديث عن احدى معارك العرب التاريخية الكبرى في مجابهة اولى المحاولات الاستعمارية في القرون الوسطى... كانت محاولة الغرب الأوروبي حل مشكلاته الداخلية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية من طريق البحث عن مناطق خصبة، فكان غزو المشرق العربي في اواخر القرن الحادي عشر الميلادي، هذا المشرق الذي كان يعاني التمزق والتفكك، ولم يحقق انتصاره الكبير إلا عندما ارتفع فوق الخلافات والخصومات وجابه العدو جسداً واحداً وقوة واحدة، فتحقق نصره التاريخي الذي تحاول إسرائيل ان تسرق بريقه الذي لم يخبُ منذ ثمانية قرون.