في الصفحة الأولى من جريدة الاصلاحيين الايرانيين "نوروز" صورتان لامرأتين اميركيتين: مادلين اولبرايت وكوندوليزا رايس، الوزيرة الديموقراطية السابقة والمسؤولة الجمهورية الحالية، اليهودية والسوداء: الأولى التي ترفض ان توضع ايران في خانة الدول الداعمة للارهاب كالعراق، والأخرى التي تكرر كالببغاء كل الادعاءات الاسرائيلية على طهران، ولا ترى فرقاً بين كوريا الشمالية والعراق وايران. الإصلاحيون الايرانيون في حيرة اليوم، واذا كان من الصعب على السياسيين الموالين للرئيس محمد خاتمي الخروج عن الوحدة الوطنية التي ولدها خطاب الرئيس بوش الاستفزازي ومفرداته عن "محور الشر"، وهي مفردات كانت قد بعثتها الى الوجود قبل عقدين ايران الخمينية، فإن التأمل في ما تبقى من الاعلام الايراني الاصلاحي داخل البلاد، أو رؤية نشرات المعارضة الديموقراطية في دول المنفى، تعطي فكرة عن المأزق الايراني الحالي، خصوصاً ان حرب افغانستان كانت قد قرّبت بين الطرفين. فإيران كانت بين أوائل الدول الاسلامية التي شجبت عملية 11 ايلول سبتمبر الارهابية وقدمت العون الى النظام الجديد في كابول. كذلك، وعلى خلاف معظم الدول الاسلامية، فإن الشعارات المعادية للولايات المتحدة اختفت من خطب المساجد بعد اعتداءات "القاعدة" على نيويوركوواشنطن. وفي كانون الثاني يناير المنصرم، ومع بداية تأزم العلاقة بين واشنطنوطهران، ظهرت في الصحف الاصلاحية الايرانية علامات تذمر يبديها المجتمع تجاه كل سياسة خارجية لا تأخذ في الاعتبار المصالح الايرانية، مفضلة عليها التضامن الاسلامي والمبادئ الايديولوجية. صادق زيبا كلام، استاذ في العلاقات الدولية في جامعة طهران، صرح بأن الايرانيين لن يوافقوا ولن يتبعوا ولن يقبلوا "فلسطنة" سياسة النظام الخارجية المسيئة جداً للمصالح القومية، مشيراً الى الهوة الضخمة التي تفرق بين الرأي العام الايراني وقياداته: "ادخال ايران في الصراع العربي - الاسرائيلي أو في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي مع اعتماد مواقف اكثر كاثوليكية من البابا، يجعلنا ندفع ثمناً باهظاً لأنه سيؤدي الى تردي علاقتنا الصعبة مع الولاياتالمتحدة". أمام سؤال طرحته اذاعة فرنسا الدولية RFI على عدد من المثقفين الايرانيين حول الدولة التي يجب ان تتطلع ايران في اتجاهها، كانت الإجابة: الولاياتالمتحدة "مركز العالم" حسب تعبير أحدهم، تليها أوروبا، ثم روسيا فالصين. أما وضع الشرق الأوسط وفلسطين في رأس قائمة الدول، فإن ذلك يعطي نتائج مميتة للأمة، بحسب معظمهم. هذا لا يعني ان اصلاحيي ايران يحبذون اسرائيل. فبعضهم وجد في هذا الموضوع، الذي غدا عنصراً مهماً في الحياة الداخلية الايرانية، حجة للهجوم على المحافظين الذين، بدعمهم الغبي للقضية الفلسطينية، أخذوا يسيؤون اليها. فالصحافي علي رضا نوري زاده كتب ان آية الله خامنئي والمتطرفين الايرانيين اساؤوا الى السلطة الفلسطينية اكثر من شارون، وان "شراء" تجمعات ماركسية ويسارية فلسطينية ومزجها مع تنظيمات اسلامية سببا اضراراً جمة لعرفات. كما كان لتصريحات هاشمي رفسنجاني حول القنبلة النووية المسلمة لتدمير اسرائيل الوقع السيء ذاته... ومع احتدام الحرب الكلامية بين الولاياتالمتحدةوايران، غدت وسائل الاعلام الاصلاحية اكثر تحفظاً. فانتقاد السياسيين الايرانيين لم يعد ممكناً سوى في النشرات الخارجية، وغالباً اليمينية الموالية للشاه التي ترى ان استراتيجية خامنئي - رفسنجاني تكمن في خلق جو من الذعر يعيد اليهما الجماهير التي تتوقع ضربة اميركية - اسرائيلية. كذلك التأكيد على لامبالاة المجتمع حيال هذه الحرب الكلامية. اما الاعلام الاصلاحي، فلم يعد يتكلم عن التصريحات الاميركية الا كأخبار تتناقلها وكالات الصحف، دون أي تعليق مباشر. بيد ان خطاب جورج دبليو بوش حمل الاصلاحيين على القيام بقفزة نوعية في توجههم الى الولاياتالمتحدة، كالتأكيد على ان أي هجوم اميركي سينزل ضربة قاضية بالاصلاحيين الذين يحاربون القمع والديكتاتورية، والتذكير بأن المنشآت الايرانية النووية في مدينة بوشهر هي تحت رقابة الوكالة الدولية للذرة، والتصريح بشيء من المكر، كما فعل عبدالله رمضان زاده، الناطق الرسمي باسم الحكومة الايرانية، بان تصريحات بوش "أصولية". وبالفعل فإن لغة بوش وحلفائه الاسرائيليين لا تختلف كثيراً عن لغة المحافظين الايرانيين في هذه الحرب الكلامية، واذا استبدلنا اسماء الدول، بدا من الصعب معرفة من هو كاتب هذا التصريح أو ذاك. كذلك فإن الصحف الاميركية والاسرائيلية في مواكبتها الذيلية لتصريحات بوش ورايس وشارون وبيريز وموفاز، لا تختلف نوعياً عما نقرأه في صحف ووسائل اعلام المحافظين الايرانيين. من "محور الشر" الى "الشيطان الأكبر". من "العقل الخرافي" الى "هلوسة الاميركيين". من تصريحات بيريز عن ان ايران بمعاونة كوريا الشمالية تنتج حالياً عشرة آلاف صاروخ يمكنها الوصول الى عقر اميركا، والتكلم عن ثمانية آلاف كاتيوشا اعطيت لحزب الله اللبناني لضرب حيفا، الى رد وزير الدفاع الايراني علي شمخاني بأن أية ضربة اسرائيلية لإيران ستكون لها عواقب لا تطالها مخيلة أي مسؤول اسرائيل. حتى في مجال الاتهامات حول التصعيد المحافظ في ايران لمآرب داخلية بحتة، ردت النائبة الايرانية جميلة كاديفار بأن تهديدات بوش ليست سوى لإخفاء تدهور الوضع الاقتصادي في اميركا... لغة المحافظين هي فعلاً في صلب العولمة.