الضوء الأصفر الذي اعطاه الرئيس الايراني السابق هاشمي رفسنجاني للتطبيع مع الولاياتالمتحدة الاميركية، ما زال أكثر قرباً الى الضوء الأحمر منه الى الأخضر. الا ان ما صدر عن رفسنجاني يكتسب أهمية خاصة. كون الرئيس السابق يمثل صلة الوصل ما بين منطقي الثورة والدولة في ايران، اضافة الى تربعه على كرسي رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو أعلى هيئة تحكيمية واستشارية في صنع السياسة الاستراتيجية الايرانية. رفسنجاني رأى في مواقف وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت في شأن ايران يوم 17 آذار/ مارس الماضي معطيات في "غاية الخطورة"، لكنه رأى فيها أيضاً "ايجابيات مهمة جداً". الخطورة توزعت على خطين، أولهما اتهام ايران بافتقاد الديموقراطية والحرية، وهو اتهام قال رفسنجاني عنه: "هذا ظلم تاريخي وخطأ اميركي فادح". أما الثاني فهو دعم طرف داخلي أي الاصلاحيين ضد طرف آخر أي المحافظين و"هذا ما يعود بالضرر على الذي يريدون دعمه" كما قال رفسنجاني. وهذه الخطورة كانت أكبر من النقاط الايجابية التي اعترفت فيها اولبرايت بتدخل واشنطن في الانقلاب ضد حكومة محمد مصدق عام 1953، ودعم نظام الشاه، ومساندة العراق في حربه ضد ايران 1980 - 1988. ومن هنا كان تأكيد رفسنجاني ان الولاياتالمتحدة ينبغي ان تعتذر "حتماً" من ايران. هذا الموقف عبر عن ما ينبض في دوائر صناعة القرار، وان افترق في بعض النقاط عن الموقف الحاسم الذي كان أعلنه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي عندما رأى "ان اعترافات اولبرايت لا تفيد الشعب الايراني شيئاً، وسيشهد المستقبل اعترافات اخرى. وقطع آية الله خامنئي الطريق على المحادثات مع واشنطن، واعتبر الدعوة اليها خداعاً اميركياً"، و"ان الامر لا يتعلق بالثقة أو عدمها". ويعتبر مراقبون كثيرون ان هذا المنطق هو منطق الثورة، وهو منطق متمايز عن منطق الدولة التي يرأسها اليوم الرئيس محمد خاتمي صاحب الدعوة الى إزالة "جدار عدم الثقة" بين طهرانوواشنطن عبر "خطوات عملية اميركية يقترن فيها القول بالفعل". وشكلت مواقف رفسنجاني نقطة التقاء هذين المنطقين بما يكمل رسم صورة المشهد الايراني، وهي صورة لا يمكن لها الا ان تكون منسجمة في القضايا المصيرية كملف العلاقة مع واشنطن. لا يبدو ان الخارجية الايرانية ستخرج عن "انسجام هذا المشهد" عندما تكسر حاجز الصمت لتعلن موقفها النهائي من المواقف الاميركية، بعدما اكتفت بترحيب أولي اتسم بالحذر، وهو حذر كان سمة بارزة في مواقف التيار الاصلاحي تجاه ما أعلنته اولبرايت، اذ وصف الموقف الاميركي بأنه "خطوة ايجابية ولكن غير كافية" مع التشديد على رفض الاصلاحيين "تدخل أي جهة خارجية في شؤون ايران الداخلية". ولعل أبرز ما يحرج الاصلاحيين "داخلياً" هو اعلان الادارة الاميركية وقوفها خلفهم في معركتهم ضد المحافظين، بما يوحي "للمتشددين تحديداً" بأن المعركة الحقيقية هي مع الولاياتالمتحدة وان الاصلاحيين، خصوصاً بعض الصحافة الناطقة باسمهم، ليسوا سوى أداة في هذه المعركة، وابرز دلالة الاتهام الذي وجه قبل حوالى شهرين الى بعض الصحف الاصلاحية بتسلم مبالغ مالية من الرئيس السابق للاستخبارات الاميركية، وقيل حينها ان الأخير "زار ايران متنكراً بصفة سائح، الا ان هذا الاتهام تم سحبه من التداول، ثم قيل انه كان "مجرد افتراض". من هنا يمكن فهم تأكيد رفسنجاني ان دعم الاميركيين لطرف معين سيعود بالضرر على الطرف الذي يريدون دعمه. مواقف رفسنجاني حملت ايضاً رسائل الى الدول الاسلامية والعربية، وخصوصاً التي تتعرض لضغوط اميركية، وملخصها ان ايران قد تتقارب مع اميركا ولكن وفق الشروط والمعطيات التي تفرضها طهران وليس واشنطن. ولم يكن من قبيل الصدفة ان يحمل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على واشنطن قبل يوم واحد من قمة جنيف بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد، الاحد الماضي، وان يواصل رفسنجاني تلك الحملة بعد انتهاء القمة وان بشكل مختلف، وليضيف اليها مهاجمة عملية السلام في الشرق الأوسط، ويقدر "المقاومة السورية" للضغوط الاميركية والاسرائيلية.