اقامة نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز في موسكو أحيطت بغموض شديد، وغدت أشبه بالروايات البوليسية. إذ أعلن رسمياً أنه "اختصر" زيارته وغادر العاصمة الروسية أمس، لكن "الحياة" علمت من مصادر موثوق بها انه غادر غاضباً بعدما أنهى "اعتصاماً" في مقر اقامته احتجاجاً على عرقلة لقائه الرئيس فلاديمير بوتين! وكان طارق عزيز أجرى محادثات مع وزير الخارجية ايغور ايفانوف ومسؤولين آخرين، وغادر موسكو مساء السبت الماضي على متن طائرة روسية متوجهاً الى بكين. وعلم انه طلب مهلة بضعة أيام لإعداد اجوبة عن اسئلة طرحها الجانب الروسي تتعلق باحتمال الموافقة على عودة المفتشين الدوليين الى بغداد. وكان مقرراً ان يعود الى موسكو فجر الخميس لاستكمال المحادثات، ويغادر بعدها بالطائرة الخاصة التي كانت نقلته من دمشق وانتظرت عودته من بكين. لكن المسؤول العراقي وصل من العاصمة الصينية بعد ظهر الأربعاء، واعلنت وكالة "ايتار تاس" الرسمية انه سيجري محادثات مع الوزير ايفانوف قبل أن يغادر الجمعة. وعادت الوكالة لتبث خبراً آخر يفيد أن اقامة طارق عزيز "اختصرت"، وانه غادر موسكو. ونسبت الى "مراقبين" ان سبب التغيير هو نية القيادة العراقية اجراء مشاورات عاجلة في ضوء خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي اتهم العراق بدعم الارهاب والسعي الى امتلاك أسلحة نووية وتطوير الانثراكس. لكن مصدراً ديبلوماسياً أكد ل"الحياة" ان طارق عزيز "اعتصم" في مقر اقامته احتجاجاً على عدم تلبية رغبة عراقية في ترتيب لقاء له مع بوتين لإبلاغه الرد العراقي. وعرض الجانب الروسي على المسؤول العراقي لقاء جديداً مع ايفانوف أو مدير ديوان الرئاسة الكسندر فالوشين لابلاغه مضمون أي رسالة موجهة إلى بوتين، لكن طارق عزيز رفض وغادر غاضباً. وكان مسؤول روسي أكد ل"الحياة" قبل الزيارة الأولى لطارق عزيز ان "دخول الكرملين مرهون بايجابية الرد العراقي" على الاقتراحات الروسية، ملمحاً الى أن موسكو ترغب في الحصول على جواب واضح في شأن الموافقة على استقبال بعثة دولية للتفتيش أو الرقابة الدائمة على برامج التسلح العراقية، المشمولة بالقرار 687. وقال ل"الحياة" خبير روسي ان "المماطلة ليست في مصلحة بغداد"، خصوصاً بعد خطاب بوش والذي اعتبره محللون اشارة الى احتمال تنظيم عملية عسكرية ضد العراق. ورداً على سؤال عن موقف موسكو في مثل هذه الحال قال سيرغي ماركوف مدير معهد الدراسات السياسية ان الولاياتالمتحدة "لن تسأل مجلس الأمن رأيه" في حال قررت ضرب العراق، بالتالي لن تكون روسيا قادرة على استخدام حق النقض الفيتو. وأكدت موسكومرات رفضها توجيه ضربة الى العراق، وقال الوزير ايفانوف في حينه ان هذا العمل العسكري "سيضعف" التحالف الدولي ضد الارهاب. لكن محللين لفتوا الى فقرة وردت في كلمة القاها الرئيس بوتين الخميس، لدى تسلمه أوراق اعتماد سفراء أجانب، قال فيها: "لم يعد هناك شك كثير في أن الارهابيين الدوليين سينالون القصاص العادل، أينما كانوا، في الشيشان أو الشرق الأوسط أو البلقان". وتوحي الملابسات الغامضة التي احاطت بزيارة طارق عزيز بأن موسكو لم تتخذ بعد قراراً حاسماً في شأن الموقف من العراق. وقال ل"الحياة" ديبلوماسي رفيع المستوى ان استقبال نائب رئيس الوزراء العراقي في الكرملين يمكن أن يُفسر اميركياً بأنه "تحد" للرئيس بوش. ورأى ان موسكو باتت "محصورة بين المطرقة الأميركية والسندان العراقي".