إذا حققت أي شركة عربية عوائد مجزية على رأس المال لديها، فهل سيتساءل أي من المساهمين في هذه الشركة عن كيفية تشكيل مجلس إدارتها، أو كم مرة يعقد المجلس اجتماعاته السنوية؟ وما إذا كان مجلس الإدارة هذا يشمل في عضويته مدراء مستقلين؟ وهل هناك فصل بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي؟ وهل توجد لجنة تدقيق داخلية فعالة منبثقة عن مجلس الإدارة؟ إن الإجابة هي بالضرورة نعم على كل هذه الأسئلة. فإلى جانب المساهمين الحاليين، هناك العديد من أصحاب المصالح الذين سيتأثرون بعمل الشركة ولذلك نراهم متحمسين لمعرفة المزيد عن تكوين مجلس الإدارة وما إذا كان هذا المجلس والجهاز التنفيذي للشركة يأخذ في عين الاعتبار مصالح الموظفين والعملاء والمستثمرين المحتملين مستقبلاً والمجتمع المدني بشكل عام. ولقد أدرك العديد من مجالس إدارات الشركات أهمية مثل هذه الخطوة ومدى تأثيرها في تعظيم قيمة المؤسسة وتحقيق عائد أكبر على حقوق المساهمين. أصبح واضحاً للسلطات الإشرافية ضرورة وجود قواعد واجراءات تعزز نظم إدارة الشركات وتجعل أسواق رأس المال العربية أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب. فالمطلوب من مجالس إدارة الشركات والأجهزة التنفيذية والهيئات الرقابية ليس فقط تسيير الشؤون المالية للشركات ولكن إدارة هذه الشركات بطريقة تضمن بقاءها. وبعد الاعلان أخيراً عن الفضائح المحاسبية لبعض الشركات وافلاس بعضها الآخر، سواء في الولاياتالمتحدة أو في أوروبا أو في منطقة الشرق الأوسط، بدأ المستثمرون يشككون بمصداقية العديد من الإدارات العليا للشركات وبمدى فعالية مكاتب تدقيق الحسابات ومؤسسات تقويم المخاطر والآراء القانونية للعديد من المحامين والذين يفترض منهم جميعاً حماية حقوق المساهمين. ولقد طالب هؤلاء المستثمرون من الجهات الرقابية والتنظيمية بالسعي من اجل سن قوانين وتعليمات صارمة تهدف إلى معاقبة المخالفين وتوفير الشفافية والعدالة والنزاهة في عمل الشركات. ومنذ بداية الثمانينيات وعندما تولى رونالد ريغان الرئاسة في الولاياتالمتحدة ومارغريت تاتشر منصب رئاسة الوزراء في بريطانيا، أصبح ينظر للحكومات على انها العقبة أمام انفتاح الأسواق وحريتها وليس الحل للمشاكل التي تواجهها، إذ أن بيروقراطية القطاع العام تعيق روح المغامرة التي يتميز بها النظام الرأسمالي. غير أنه خلال أقل من عام وبعد انهيار شركات كبرى مثل "انرون" و"ارثر اندرسون" وغيرهما، أخذ المستثمرون يطالبون بتدخل أكثر من الحكومة لمراقبة الشركات وفرض نظم إدارة وإشراف أكثر تشدداً. ولقد أثبتت الشهور القليلة الماضية أن هناك خلل في النموذج الأميركي لإدارة الشركات، اذ أن رئيس مجلس إدارة الشركة والذي يكون في الغالب هو أيضاً الرئيس التنفيذي له كامل حرية التصرف لوجود مجلس إدارة ضعيف ومحامين محنكين يوفرون له الغطاء القانوني وأسواق رأسمالية مساعدة. ومن المسلّم به أن أسواق رأس المال لا تستطيع أن تعمل بشكل فعّال إلاّ إذا توافر لها نظام محاسبة رفيع المستوى يعتمد على الإفصاح والشفافية. وتقوم البنوك المركزية ومؤسسات النقد وهيئات الأوراق المالية العربية بتنظيم أعمال أسواق رأس المال لديها بطريقة فعالة ومهنية. غير أن تداعيات قضية التسهيلات الممنوحة لمجد الشمايلة في الأردن وضعف أداء القطاع المصرفي المصري وارتفاع عدد الشركات التي تعاني من مشاكل سوء الإدارة في دول الخليج تستوجب من السلطات الرقابية التفكير جدياً بإدخال تنظيمات جديدة تتعلق بلجان التدقيق التابعة لمجالس إدارات الشركات المدرجة ومتطلبات إفصاح أشد صرامة. وقد تجد هيئات الرقابة العربية أنه من الأهمية بمكان تشديد الرقابة على الشركات المدرجة في أسواق الأسهم المحلية والطلب من هذه الشركات أن تشمل مجالس إداراتها أعضاء مستقلين يعينون في لجان التدقيق التابعة لهذه الشركات، ويكون لدى هؤلاء الأعضاء دراية في الأمور المالية على أن يتمتع نصفهم على الأقل بخبرة في المحاسبة والإدارة المالية. ولكي يعتبروا أعضاء مستقلين، فمن الضروري أن لا يكونوا من كبار حملة أسهم الشركة، أو أن يكون لهم علاقات عمل واسعة معها. ولا يزال كبار المساهمين في العديد من الشركات الخليجية وعدد من الشركات الأردنية واللبنانية من العائلات الكبرى لتلك الدول، حيث يسيطر أفراد هذه العائلات على الإدارات التنفيذية للشركات ويكون لهم تمثيل قوي في مجالس إدارتها، ما يخلق تضارباً بين مصالح الشركات ومصالح العائلات التي تسيطر عليها. إلا ان إدخال أعضاء مستقلين في مجالس إدارة الشركات لا يكفي لتعزيز نظم الإدارة فيها، إذ ينبغي ايضاً الفصل بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة. وهناك العديد من الشركات في المنطقة العربية يكون الرئيس التنفيذي هو أيضاً رئيس مجلس الإدارة، ما يعطيه السيطرة الكاملة على الشركة. وفي العديد من هذه الحالات نجد أن مجلس الإدارة يواجه صعوبة في مراقبة وتقويم أداء الرئيس التنفيذي وتحميله المسؤولية عن نتائج أعمال الشركة. واعتمدت معظم الشركات في كل من المملكة المتحدة وأوروبا وكندا واليابان الفصل بين منصب الرئيس التنفيذي ومنصب رئيس مجلس الإدارة. ولقد أظهر استطلاع أجرته أخيراً شركة "مكنزي" أن 70 في المئة من أعضاء مجالس إدارة 500 شركة من كبرى الشركات الأميركية تؤيد أيضاً الفصل بين المنصبين. المشكلة في لجان التدقيق لمعظم البنوك والشركات العربية تكمن في أن أفراد هذه اللجان لم يعينوا في مجالس إدارة هذه الشركات كأعضاء مستقلين بل إن معظمهم من كبار المساهمين أو يمثلون مصالح كبار حملة الأسهم. إن فقدان لجان التدقيق للاستقلالية في مجال عملها يجعل قيامها بالمساءلة الحثيثة للإدارة أقل احتمالاً. وفي العادة تجتمع لجان التدقيق مرتين أو ثلاثاً في السنة، والقليل منها يهتم بمراجعة مفصلة ودقيقة للتقارير التي ترفعها لها لجنة التدقيق الداخلي للشركة ناهيك عن فهم وتحليل هذه التقارير المالية بالشكل الكافي للتأكد من عدم وجود أي خسائر أو تلاعب غير ظاهر. كما أن عدداً قليلاً فقط من اللجان يتمتع بحق الاطلاع غير المشروط على سجلات شركتها. وبالتالي فإنه من المهم أن يتمتع أعضاء لجنة التدقيق بالاستقلالية وأن يكونوا على دراية بالأمور المالية، كما أن على لجنة التدقيق أن تجتمع مرة واحدة شهرياً على الأقل وأن تتمتع بحق الاطلاع من دون قيود على سجلات الشركة. وقد تجد هيئة الأوراق المالية أنه من الأهمية بمكان جعل أحد متطلبات الإفصاح للشركة المدرجة وجود لجنة تدقيق مستقلة، فلو ترك الأمر للشركات فإن معظمها لن يتبنى فكرة انضمام أعضاء إدارة مستقلين من ذوي الخبرة المالية إلى مجالس إداراتها. إذا فشلت شركة ما بتحقيق الأرباح عاماً بعد عام، كما يحصل مع العديد من الشركات العربية، فإن ذلك بالغالب يعود إلى سوء الإدارة والفساد وغياب القيادة الواعية ذات الرؤية الاستراتيجية الواضحة أكثر منه إلى التوتر السياسي الذي يشوب المنطقة وضعف النمو الاقتصادي المحلي. لذا يجب على إدارة هذه الشركات أن لا تلقي اللوم على عوامل خارجية للتغطية على أخطائها بل ينبغي عليها أن تسمي الأشياء بأسمائها وتفسر للمساهمين الأسباب الحقيقية لرداءة الأداء خصوصاً عندما تكون هناك شركات أخرى منافسة استطاعت أن تحقق نتائج جيدة على رغم أنها تعمل في الظروف نفسها. فإذا كان الأمر يعود إلى سوء الإدارة فلا بد من تغييرها، أما إذا كانت الإدارة كفؤة وبقي التقصير، فقد يكون من الأفضل للشركة الإقرار بأنها لم تعد مشروعاً مجدياً والعمل على تصفيتها اختيارياً، ولا بد للسلطات الرقابية من وضع قوانين صارمة بهذا الشأن بحيث يصبح تغيير الهيئة الإدارية ذات الأداء السيئ إلزامياً. وقد يكون من الصعب العثور على المرشحين ذوي الكفاءة المطلوبة للعمل كمدراء مستقلين في مجالس إدارة الشركات العربية، ويمكن الاستعانة بالرؤساء التنفيذيين السابقين والأكاديميين وكبار موظفي الحكومة المتقاعدين وأصحاب الكفاءة من الخبراء الوافدين للعمل كأعضاء مجلس إدارة مستقلين على أن يكافأوا مالياً مقابل ذلك الجهد، كما أن الشركات بحاجة إلى وجود لجان تدقيق فعالة وإلى الفصل بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي. ويجب أن لا يكون هناك تداخل بين النشاطات الائتمانية للبنوك التجارية والأعمال المناطة ببنوك الاستثمار المتعارف عليها عالمياً والتي تشمل دراسات تقويم الشركات والاكتتاب في الإصدارات الجديدة من أسهم وسندات وتسويق هذه الإصدارات ودمج وحيازة الشركات وأعمال إدارة المحافظ وغيرها. وإذا لم تقم السلطات الرقابية في دول المنطقة بادخال القواعد والإجراءات اللازمة لتعزيز نظم إدارة الشركات واجبارها على التزام هذه القوانين، فستشجع المتعاملين في هذه الأسواق على الاستثمار في مكان آخر. فمن طبيعة رأس المال أن يتوجه إلى الأسواق التي توجد فيها قوانين استثمار أكثر وضوحاً وشركات تتبع نظام مساءلة وتدقيق وإفصاح أكثر شفافية وهيئات رقابية تعمل على تطبيق القوانين وتحمي مصالح المساهمين. * الرئيس التنفيذي جوردانفست.