انظروا إلى أعلى، إلى الأعلى يا أولاد. ترونها تمشي في السحب البيضاءِ بلا كللْ، باسطةً أشعتها المضيئةَ على الأرض. انظروا كيفَ تداعبُ أولادَها النجومَ بمحبة، وتحاكي أخواتِها الكواكبَ والمجراتِ بلا مللْ. إنَّها الشمسُ الرائعةُ، الساطعة في السماء الزرقاءْ. بُعيدَ انتهاءِ الظهر، واجهتْ الشمسُ غيوماً سوداءَ اللون ِقاسياتٍ، فحجبتها عن الأرض وحالتْ دونَ وصول ِأشعتها المنيرة إليها. عانتِ الشمسُ كثيراً. في الأثناء، مرَّتْ ريحٌ هوجاءْ، عنيفةً ضربتْ وجهَ الشمسِ البشوشْ. ومن شدّة سرعةِ هذه الريح، اهتزتِ الغيومُ السوداءُ بقوةٍ واصطدمتْ ببعضها بعضاً، ما أحدثَ برقاً ورعداً، فهطلَ مطرٌ غزيرٌ، لطّخَ وجهَ الشمسِ وحلاً ورذاذاً. عند المغيبِ، كانتِ الشمسُ منهكةً من التعبْ. فقد واجهتْ، خلالَ نهارها صعاباً شتى، إضافة إلى دورانِها حولَ الأرضْ. لكنها بدتْ، وعلى رغم ِالتعبِ والإرهاقِ، قرصاً مدوراً جميلاً، برتقاليَّ اللونْ. تثاءبتِ الشمسُ ثم دنتْ من مياه البحر تغسلُ نفسَها استعداداً للنوم. بعدَها، ودّعتْ يومَها وغطستْ في البحر، وغفتْ. هكذا، اختفتِ الشمسُ عن الأنظار كلياً. في قاعِ البحر، كانتْ في انتظارِ الشمسِ أجسامٌ غريبة، أتتْ على غفلةٍ من الطرفِ الآخر من الكونْ. إنها الأسماكُ المفترسةُ التي يُطلقُ عليها اسمَ أبو منشار. كانتْ تتربصُ بالشمسِ منتظرة وصولها بفارغ الصبر. وما إنْ سقطتِ الشمسُ بالقرب من الأسماكِ الشريرة، حتّى هجمتِ الأسماكُ على الشمسِ وشرعت بمناشيرها الحادة تقطيعاً. قطّعتها أجزاءً وقطعاً صغيرةً من النور والضوء. ثمّ باشرتْ بابتلاع القطع والاجزاء بنهم وجشع كبيرين. بعد فترةٍ قصيرةٍ، بدتْ بطونُ الأسماكِ كالأضواءِ الكاشفة" تضيءُ ظلمةَ البحار. والسببُ يعودُ إلى قطع الشمس، التي ابتلعتها الأسماكُ واستقرتْ في بطونها. أسماكٌ، يشعُ نورٌ قويّ من جوفها، يُنيرُ سوادَ المحيطاتْ. في هذه الأثناء، كانَ القمرُ حزيناً على فراقِ الشمسْ. يسيرُ في الفضاءِ تائهاً، مستذكراً لياليهِ الحالمةِ مع الشمسْ. كانَ من عادتِهِ أنْ يغازلَ الشمسَ كلَّ ليلة، وأنْ ينظمَ لها أبياتاً من نورهِ الفضيِّ، وأنْ يقدّمَ لها باقةً من ورودهِ الضوئية. كانَ القمرُ حزيناً" فقدْ كانَ المرآةَ الوحيدةَ التي تتبرجُ بها الشمس. أما الأرضُ وسماؤُهَا، فقدْ كانتا أكثرَ حزناً. فباختفاءِ الشمسِ فقدتِ الأرضُ نهارَها وليلَها، بلْ وحياتها. أما السماءُ فشحُبَ لونُها وصارَ كئيباً، قاتماً. في قاع ِالبحر، كانتِ الأسماكُ مسرورةً راضية بنورها المشع. بطونُها ممتلئةً بأجزاء الشمس المقطعة بمناشيرها. ثمّ ما لبثَ أنْ تحولَ سرورُها إلى عذابٍ عسيرْ. إذ راحتْ تصرخُ من شدةِ الوجع والألم، بسببِ ارتفاع حرارةِ القطع المجتزأة الموجودة في جوفها. انتفختِ البطونُ وتورمتْ وراحتْ الأسماكُ الغادرةُ تتلوّى من شدةِ الألمْ. ثمّ أصابَها عسرٌ في الهضم ووجعٌ في الرأس. كانتْ تصرخُ وتصيحُ: آخ ٍ...آخ ٍ...آخْ سمعَ أطباءُ العيادةِ الطبيةِ البحريةِ صراخَ الأسماكِ، فأسرعتْ إليها لمداواتها. بعدَ الفحصِ الطبيِّ، أجمعَ الأطباءُ على أنْ مادةً صلبةً مشعَّةً وحادةً جداً، تضرُّ، لا تنفعُ، عالقةٌ في أحشاء الأسماك الغادرة. لذا وصفتْ لها الدواءَ المناسبَ من أجل ِالشفاءْ. ما إنْ تناولتِ الأسماكُ حبوبَ الدواءِ، حتّى بدأتْ كلُّ واحدةٍ منها تبصقُ قطعةً من الشمسْ. فصارتِ القطعُ تطفوُ وتتجمعُ على سطح ِالبحرْ. عندئذٍ شرعتِ الأسماكُ" كلُّها من صغيرها إلى كبيرها، بحياكةِ الشمس، رتقها وخياطتها. ثمّ أخذتْها إلى آخر البحر ورمتْها خارجَ المياه. وهكذا عادَ كلُّ شيءٍ إلى حالهِ. ارتفعتِ الشمسُ من جديدٍ، مسرورةً ضاحكةً، تبعثُ بنورها الساطع إلى سطح الأرض" مرسلةً أشعتها الذهبية إلى كلِّ الدنيا.