النزف في أرواح الفلسطينيين وممتلكاتهم يتسارع كل يوم بلا انقطاع. وتنقل وسائل الاعلام العربية والغربية تقارير مثيرة على نحو مفزع عن عمليات تفجير انتحارية، معززة بالصور والاسماء مع تفاصيل مريعة. ولن اتردد في الاعلان هنا مرة اخرى بأن هذه الاعمال مثيرة للاشمئزاز اخلاقياً، وكارثية سياسياً، بالاستناد الى منطلقات عدة. لكنني أرى ان ما لا يقل شناعة هو حقيقة ان اسرائيل تقتل عدداً اكبر بكثير من المدنيين الفلسطينيين العزّل في الغالب - رجلاً مسناً في التسعين من العمر هنا، وعائلة بالكامل هناك، وفتى متخلفاً عقلياً اليوم، وممرضة امس، وهلم جراً - وترفض ان توقف او تضع قيوداً بأي شكل على جنودها الذين انزلوا الأذى المتعمد بالفلسطينيين من دون انقطاع على مدى الاشهر الماضية. لكن هذه المذابح الفظيعة يجري تغطيتها معظم الوقت على الصفحات الاخيرة للصحف، ولا تُذكر ابداً في التلفزيون. اما بالنسبة الى عمليات الاغتيال التي لا تزال مستمرة في انتهاك للقانون فإن اسرائيل يُسمح لها بأن تنجو من الحساب بتعابير من صحافيين يستخدمون كلمات مثل "يُزعم" او "يقول مسؤولون" كي يخفوا موقفهم اللامسؤول كمراسلين. وتزخر صحيفة "نيويورك تايمز" بشكل خاص بمثل هذه التعابير في تقاريرها عن الشرق الاوسط بما في ذلك العراق لدرجة انه يمكن اعادة تسميتها ب"قال مسؤولون". بمعنى آخر، تُحجب حقيقة ان الممارسات الاسرائيلية اللاشرعية تستمر في تقتيل السكان المدنيين الفلسطينيين، وتُخفى عن الانظار، على رغم انها تتواصل بثبات طوال الوقت. بطالة تبلغ 65 في المئة، و50 في المئة من السكان في حال فقر يعيشون على اقل من دولارين في اليوم، ومدارس ومستشفيات وجامعات واوساط تجارية تخضع لضغوط عسكرية متواصلة: لا تمثل هذه سوى المظهر الخارجي لجرائم اسرائيل ضد الانسانية. ويعاني اكثر من 40 في المئة من السكان الفلسطينيين سوء التغذية، وتعتبر المجاعة الآن خطراً فعلياً يهدد المجتمع كله. وفي ظل حظر التجول المتواصل وعمليات مصادرة الاراضي التي لا تنتهي وبناء المستوطنات عددها حالياً يكاد يبلغ 200 مستوطنة وتدمير المحاصيل والاشجار والمنازل، اصبحت الحياة لا تطاق بالنسبة الى الفلسطينيين العاديين. ويرحل الكثيرون، او يُجبرون على الرحيل كما هي الحال بالنسبة الى سكان قرية يانون لان الارهاب الذي يمارسه المستوطنون ضدهم، وإحراق منازلهم والتهديدات التي تستهدف حياتهم، تجعل بقاءهم مستحيلاً. هذا كله يتعلق بعملية تطهير عرقي، على رغم ان خطة شارون الشيطانية تقوم على تنفيذها بخطوات صغيرة يومية لن تحظى بتغطية اعلامية كما ينبغي ولا يُنظر اليها اطلاقاً بشكل تراكمي كجزء من نهج عام. ومع الدعم غير المشروط الذي تقدمه ادارة بوش لشارون ليس غريباً ان يتمكن من القول "لا نضع اي قيود على عملياتنا. لا تخضع اسرائيل لأي ضغوط. لا أحد ينتقدنا او يملك الحق في ان يفعل ذلك. نحن نتكلم هنا عن حق اسرائيل في ان تحمي مواطنيها" حسب تقرير ل"رويترز"، في "انترناشونال هيرالد تريبيون"، 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002. ان عدم التصدي لمثل هذه الغطرسة او عدم ربطها فوراً بذلك النوع من التهم التي يحاكم بسببها الآن سلوبودان ميلوشيفيتش في لاهاي هو مؤشر الى مدى الرياء الذي انحدر اليه المجتمع الدولي. بحماية الولاياتالمتحدة يقتل شارون الفلسطينيين كما يشاء تحت ستار مكافحة الارهاب. واذا لم يكن هذا سيئاً بما فيه الكفاية، فإن هناك الوضع المزري للحياة السياسية للفلسطينيين والعرب الذين لم يكن زعماؤهم ونخبهم اكثر فساداً واكثر ايذاءً لشعوبهم مما هم عليه الآن. فهؤلاء الزعماء والنخب لم يضعوا، سواءً بشكل جماعي او فردي، أي استراتيجية منهجية، ناهيك عن الاحتجاج بشكل منهجي على الخطط المعلنة للولايات المتحدة بإعادة رسم خريطة الشرق الاوسط بعد غزو العراق. فكل ما يمكن لهذه الانظمة ان تفعله الآن كما يبدو هو اما ان تسوّق نفسها باعتبار انه لا غنى عنها للولايات المتحدة او ان تقمع اي مؤشر الى معارضة في صفوفها. او الاثنان معاً. وتقدم حال الخصام والفوضى غير اللائقة التي اظهرتها المعارضة العراقية في لندن - تحت اشراف المبعوث الاميركي زلماي خليل زاد، خريج الجامعة الاميركية في بيروت، الذي كان في وقت مضى جاراً لي في نيويورك واصبح الآن من المحافظين الجدد ويحظى برعاية تشيني وولفوفيتز - مثالاً جيداً على وضعنا. ممثلون لا يمثلون سوى انفسهم، والوصاية المستبدة المتعالية لقوة توشك ان تدمر بلداً كي تستحوذ على موارده، والانظمة المحلية الاستبدادية والمفضوحة التي يمثل نظام صدام اسوأها التي تحكم بالارهاب، وغياب اي أثر للديموقراطية داخل، وخارج، مثل هذه الانظمة: انها ليست آفاقاً مطمئنة للمستقبل. وما يمكن ملاحظته بشكل خاص، وعلى نحو صارخ بالفعل، بشأن الوضع العام هو عجز وصمت الغالبية العظمى من الشعب، التي تعاني الاذلال في اجواء لا مبالاة وقمع. كل شيء في العالم العربي يجري اما من فوق، من جانب الحكام، او من وراء الستار من جانب وسطاء غير معينين ولكنهم دهاة. وتجري المقايضة بالموارد او تُباع من دون مساءلة، ويخطط المستقبل السياسي وفق مشيئة الاقوياء ومتعهديهم الثانويين المحليين، ولا توجد مؤسسات تعني بالرأفة الانسانية ورعاية رفاه المواطنين. الوضع الفلسطيني يجسّد هذا كله بشكل درامي مروع. فقد امضى الجيش الاسرائيلي الاشهر التسعة الماضية، متوّجاً احتلاله العسكري المستمر منذ 35 عاماً، في تدمير البنية التحتية الاولية للحياة المدنية في الضفة الغربية وغزة: يعيش الناس هناك، عملياً، في اقفاص، مع اسوار مكهربة وكونكريتية لمراقبتهم وحرمانهم من حرية الحركة. ويبدو ان ياسر عرفات ورجاله، الذين يتحملون مسؤولية في الشلل والخراب الحاليين لا تقل عن مسؤوليتهم بما تنازلوا عنه في اوسلو، ولانهم منحوا الشرعية للاحتلال الاسرائيلي، لا يزالون صامدين في كل حال، حتى في الوقت الذي تنتشر فيه قصص عجيبة عن فسادهم وثرواتهم غير المشروعة في كل وسائل الاعلام الاسرائيلية والعربية والعالمية. وما يثير القلق بقوة ان كثيرين من هؤلاء الرجال شاركوا اخيراً في مفاوضات سرية مع الاتحاد الاوروبي، ومع وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إيه، ومع البلدان الاسكندينافية على اساس صدقيتهم السابقة كوكلاء وخدم لعرفات. في غضون ذلك، يواصل "مستر فلسطين" ذاته اصدار الاوامر والادانات المضحكة، وكلها عقيمة او تأتي متأخرة سنوات. أحد الامثلة على ذلك هجومه الاخير على اسامة بن لادن، وكذلك قبوله المتأخر لخطة كلينتون في العام 2000. ومع ذلك، يواصل واتباعه مثل محمد رشيد الذي يُعرف ايضاً باسم خالد سلام استخدام كميات كبيرة من المال للرشوة والإفساد ولإطالة أمد حكمهم متجاوزين كل الاصول. ولا أحد كما يبدو يعير أي اهتمام عندما تعلن "اللجنة الرباعية" عن مؤتمر سلام واصلاح بصوت واحد ذات يوم، لتسحب المشروع في اليوم التالي، بينما تشجع اسرائيل في قمعها في اليوم الثالث. ماذا يمكن ان يكون اكثر شناعة من الدعوة الى اجراء انتخابات فلسطينية، وهو ما يعلنه عرفات من بين كل الناس، على رغم انه محبوس في كماشة اسرائيلية، ليتراجع عنها ثم يؤجّلها ويعاود اعلانها. ويتكلم الجميع عن الاصلاح ما عدا الناس الذين يتوقف مستقبلهم عليه، اي مواطني فلسطين الذين كابدوا وضحوا بالكثير حتى مع تزايد فقرهم وبؤسهم طوال الوقت. أليس ما يدعو الى السخرية، إن لم يكن شنيعاً، ان يجرى في كل مكان باسم هذا الشعب، الذي يقاسي منذ أمد بعيد، تدبير مشاريع حكم، الاّ من جانب هذا الشعب بالذات؟ لا ريب ان السويديين والاسبان والبريطانيين والاميركيين وحتى الاسرائيليين يدركون تماماً ان المفتاح الرمزي لمستقبل الشرق الاوسط هو فلسطين، وهذا هو السبب وراء قيامهم بكل ما في وسعهم لضمان إبقاء الفلسطينيين ابعد ما يمكن عن القرارات بشأن المستقبل. ويجري هذا خلال حملة محمومة لحرب ضد العراق، يعلن خلالها العديد من الاميركيين والاوروبيين والاسرائيليين بشكل صريح ان هذا هو الوقت المناسب لاعادة رسم خريطة الشرق الاوسط والإتيان بالديموقراطية. لقد حان الوقت لفضح الامبراطور الذي يدعي انه يرتدي ثياباً جديدة، يُطلق عليها ديموقراطية، كي يكُشف على حقيقته كدجال. فالديموقراطية لا يمكن ان تستورد او تُفرض: انها حق مقصور على مواطنين يمكن ان يصنعوها ويرغبون في العيش في ظلها. ان البلدان العربية تعيش منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في اوضاع متنوعة من "حال طوارئ" سمحت لحكامها بأن يفعلوا ما يشاؤون باسم الأمن. حتى الفلسطينيون في ظل اتفاق اوسلو كان لديهم نظام فُرض عليهم وكان موجوداً اولاً وقبل كل شيء ليخدم امن اسرائيل، وثانياً ليخدم ويساعد نفسه. لأسباب شتى، من بينها ان قضية فلسطين مثل تحرير جنوب افريقيا في ظل نظام الفصل العنصري كانت دائماً نموذجاً للعرب والناس المثاليين غير المتحيزين في كل مكان، فإنها مهمة ملحة اليوم ان يتخذ الفلسطينيون خطوات كي يعيدوا الى ايديهم رسم مصيرهم. فالساحة السياسية في فلسطين منقسمة حالياً بين بديلين غير جذابين وغير قابلين للتطبيق. فهناك، من جانب، ما تبقى من سلطة عرفات. ومن الجانب الآخر، هناك الاحزاب الاسلامية. ولا يمكن لأي منهما ان يضمن مستقبلاً لائقاً لمواطني فلسطين. فصدقية السلطة الفلسطينية ضعفت الى حد كبير، وفشلها في بناء مؤسسات يتجلى بوضوح، وتاريخها يزخر بالفساد والاستهتار الاخلاقي لدرجة انها لا يمكن ان تؤتمن على المستقبل. لن يدعي خلاف ذلك سوى محتالين، كما يتظاهر حالياً بعض قادة اجهزتها الامنية ومفاوضيها البارزين. اما بالنسبة الى الاحزاب الاسلامية، فانها تقود افراداً يائسين الى حيز سلبي من نزاع ديني لا ينتهي وتدهور مناهض للحداثة. اذا كنا نتكلم عن الصهيونية باعتبارها فشلت سياسياً واجتماعياً، فكيف يكون مقبولاً ان نتجه مذعنين الى ديانة اخرى ونفتش هناك عن خلاص دنيوي؟ انه شيء مستحيل. فالبشر يصنعون تاريخهم، ولا تصنعه معجزات. وتطهير الارض من "الغرباء"، سواءً جاهر بذلك مسلمون او مسيحيون او يهود، هو تدنيس للحياة الانسانية كما يعيشها بلايين الناس المختلفين من حيث العرق والتاريخ والهوية العرقية والدين او القومية. لكن غالبية كبيرة من الفلسطينيين - وكذلك الاسرائيليين كما أعتقد - تعرف كل هذا. ولحسن الحظ فان البديل السياسي متوافر بالفعل، وهو ليس "حماس" أو السلطة الفلسطينية. أشير بهذا الى تلك التشكيلة المثيرة للاعجاب من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة التي أطلقت في حزيران يونيو الماضي "المبادرة الوطنية". ومن بين قادتها الدكتور مصطفى البرغوثي والدكتور حيدر عبدالشافي وراوية الشوا وكثيرون من الشخصيات المستقلة التي تدرك ان المجتمع الفلسطيني، في وضعه الضعيف الحالي، أصبح هدفا ل"الاصلاح" من جانب أطراف تكمن مصالحها الحقيقية في تصفية فلسطين كقوة سياسية وأخلاقية لسنين في المستقبل. فيما يهدف الكلام الفارغ من عرفات ومسؤوليه الى تطمين الأطراف الخارجية الى أن الديموقراطية في الطريق. لكنها حقيقة أبعد ما تكون عن الواقع، لأن هؤلاء لا يريدون سوى الاستمرار - بكل وسيلة ممكنة من ضمنها الخداع - على ممارساتهم الفاسدة المفلسة. علينا ان نتذكر أن انتخابات 1996 أجريت على أساس عملية أوسلو التي كان هدفها الرئيسي إدامة الاحتلال الاسرائيلي تحت عنوان مختلف. وكان المجلس التشريعي عاجزا تماما أمام أوامر عرفات والفيتو الاسرائيلي. وما يقترحه شارون واللجنة الرباعية الآن يشكل استمرارا لهذا النظام المرفوض. وهذا هو السبب في كون "المبادرة الوطنية" الخيار الحتمي للفلسطينيين في كل مكان. ذلك انها في الدرجة الأولى، وعكس السلطة الفلسطينية، تنادي بالتحرر من الاحتلال الاسرائيلي وليس التعاون معه. وهي ثانيا تمثل القاعدة العريضة للمجتمع المدني ولا تضم تبعا لذلك أياً من العسكريين أو المسؤولين الأمنيين أو من المعتاشين في بلاط عرفات. ثالثاً، انها تدعو الى التحرر وليس الى تحوير شكل الاحتلال ليناسب النخب و"الشخصيات البالغة الأهمية". الأهم أن "المبادرة" - التي أؤيدها بحماس - تطرح فكرة سلطة وطنية موحدة تجري انتخابات لخدمة الشعب وتلبيةه حاجته الى التحرر والحريات الديموقراطية والنقاش العام المفتوح والمساءلة - وكلها أمور طال انتظارها أكثر مما يجب. أما الفروق القديمة بين "فتح" و"الجبهة الشعبية" و"حماس" فقدت معناها اليوم. ولا يمكننا تحمل كل هذه المزايدات المضحكة لأننا كشعب تحت الاحتلال بحاجة الى قيادة هدفها الرئيسي وقف الانتهاكات الاسرائيلية والاحتلال الاسرائيلي وتوفير نظام يلبي حاجتنا الى الاستقامة والمنظور الوطني والشفافية والتعبير الحر المباشر. ان تاريخ عرفات مليء بالرياء والمخاتلة، فيما يتخذ البرغوثي، على سبيل المثال، خطا مبدئيا سواء كان يخاطب الفلسطينيين أو الاسرائيليين أو وسائل الاعلام الأجنبية. وهو يحظى باحترام الشعب بسبب الخدمات الصحية التي يقدمها للقرى. كما ان استقامته وصفاته القيادية تلهم كل من له علاقة به. وأرى أن من المهم تماما الآن أن تتوافر للشعب الفلسطيني قيادة حداثية راقية الثقافة تضع قيم المواطنة في قلب منظورها للأوضاع. أما حكامنا اليوم فلم يكونوا ابدا من المواطنين، ولم يقفوا في تلك الصفوف الطويلة لشراء الخبز، ولم يتكلفوا أبدا ثمن التطبيب أو التعليم، ولم يخبروا الوحشية والقلق المصاحبين للاعتقال الاعتباطي أو البلطجة العشائرية أو التسلط التآمري. في المقابل فإن المثال الذي يقدمه عبدالشافي والبرغوثي وجميع الشخصيات الرئيسية في "المبادرة" يخاطب في شكل مباشر حاجتنا الى الاستقلال الفكري والمواطنة الحديثة المسؤولة. لقد انتهت المرحلة القديمة والواجب دفنها بأسرع ما يمكن. اختم بالقول ان التغيير الحقيقي لا يتحقق الاّ بالارادة الشعبية الفاعلة. وان المعارضة العراقية ترتكب خطأ رهيبا عندما تضع مصيرها في يد الأميركيين من دون اهتمام كاف بحاجات شعب العراق الذي يرزح تحت القمع التسلطي البشع وسيتعرض قريبا للقصف الأميركي الذي لن يقل بشاعة. وفي فلسطين هناك امكان اجراء الانتخابات الآن، لكن ليس من أجل اعادة تنصيب الفريق العرفاتي المهلهل، بل لاختيار مندوبين الى مجلس تأسيسي دستوري يمثل الشعب حقيقة. الواقع المؤسف ان عرفات خلال السنين العشر من حكمه السيء، وعلى رغم كل ادعاءاته المضحكة عن "الديموقراطية الفلسطينية"، نجح في منع اصدار الدستور. وستكون تركته ليست الدستور أو حتى القانون الأساسي بل تلك المافيا المتهالكة المحيطة به. لكن على رغم ذلك وعلى رغم حلم شارون المحموم بإنهاء الحياة الوطنية الفلسطينية فإن مؤسساتنا الشعبية والمدنية لا تزال تعمل وسط ظروفنا البالغة الصعوبة والقسوة. هكذا نجد أن المعلمين على رغم كل شيء يستمرون في التعليم والممرضات في التمريض والأطباء في التطبيب الخ. هذه النشاطات اليومية لم تتوقف أبدا لأنها ضرورات ملحة تتطلب كل الجهد والتضحية. وعلى هذه المؤسسات وهؤلاء الناس الذين خدموا مجتمعهم حقيقة أن يتقدموا لصياغة الاطار الاخلاقي والفكري للتحرر والديموقراطية، وذلك بوسائل سلمية وبأهداف وطنية حقيقية. انها مسؤولية كل الفلسطينيين، سواء كانوا تحت الاحتلال أو في الشتات. وربما كان لهذه المبادرة الوطنية أن تكون قدوة ديموقراطية لكل العرب. استاذ الانكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا.