تبحث "الهيئة المصرية للآثار" في نقل الأثر اليوناني اللاتيني "عامود السواري"، من موقعه في ضاحية كرموز في الاسكندرية، الى إحدى الساحات بها. وكانت الهيئة الاقليمية لتنشيط السياحة اقترحت نقله إلى ضاحية العجمي القريبة من بيت السواري الموجود حالياً في كرموز. ويعاني عامود السواري من عدم استغلاله بصورة صحيحة، لأسباب كثيرة أهمها انعدام استخدامه في أنشطة السياحة الداخلية والخارجية نظراً إلى وجود مقابر تحيط به من كل اتجاه. وحال هذا السبب دون أن تصبح منطقة العامود مكاناً نموذجياً لجذب السياح، لأن المنطقة مزدحمة بالأسواق ووسائل المواصلات، وهي من أكثر المناطق شعبية. وهناك اسباب أخرى لم تأتِ "هيئة تنشيط السياحة" في الاسكندرية على ذكرها وأهمها أن الهيئة تفتقر الى الامكانات اللازمة للدعاية لهذا الأثر التاريخي، والاعتقاد السائد بأن مقابر المسلمين في منطقة العامود تدخلها يومياً توابيت كثيرين من الموتى ما يقيد حركة السياح الأجانب الذين لن يكون في مقدورهم التحرك بحرية تامة. يذكر أن عامود السواري من أشهر معالم الاسكندرية الاثرية. وأقيم هذا النصب التذكاري فوق تل "باب سدرة" بين منطقة مدافن المسلمين الحالية المعروفة باسم العامود وهضبة كوم الشقافة، وهو عبارة عن رواق يضم 400 عامود. وكان هذا العامود موضع أعجاب الجميع على مر العصور نظراً إلى ضخامته وتناسق أجزائه، حتى أن الكثير من القصص نُسج حوله ومنها ما يحكى أن 22 شخصاً تناولوا الغذاء فوق تاجه قمته. وكان من نتائج هذا الاعجاب أن قدمت اقتراحات عدة الى لويس الرابع عشر والخامس عشر لنقله الى باريس على اعتبار أنه من أجمل الآثار واقدمها، وأن نقله الى باريس سيمكن من اقامة تمثال الملك فوقه. اعتقاد خاطئ عُرف هذا العامود بتسمية خاطئة إذ أسماه الفرنسيون "عامود بومبي" إبان الحروب الصليبية، ويرجع هذا الخطأ الى الاعتقاد بأن رأس بومبي القائد الروماني وضع في جزء من جرة جنائزية ثمينة قائمة فوق تاج العامود، تأثراً منهم بتقليد سابق اتبع عندما وضع رماد جثة الامبراطور تراجا في جرة جنائزية، فوق عاموده القائم في روما. أما تسميته "عامود السواري" فترجع في تاريخها إلى العصر العربي. وربما جاءت هذه التسمية نتيجة ارتفاع هذا العامود الشاهق وسط الأعمدة الأربعمئة التي تشبه "السواري" التي يُحكى أنها كانت موجودة في المنطقة نفسها. نقوش هيروغليفية يقع عامود السوارى في مكان بارز يسمح برؤيته من مسافة بعيدة، وصنع من حجر الغرانيت الاحمر. وجسم العامود عبارة عن قطعة واحدة طولها 75،20 متر وقطرها عند القاعدة 70،2 متر وعند التاج 30،2 متر. أما الارتفاع الكلي للعامود بما فيها القاعدة والتاج فيصل الى 85،26 متر. واستخدمت في بناء هذا النصب الشامخ أحجار انتزع بعضها من مبانٍ قديمة منقوش عليها باللغة الهيروغليفية داخل فتحة من الجانب الغربي، بالاضافة إلى صور أخرى تحمل اسم الملك سيتي الاول، من ملوك الاسرة التاسعة عشرة. وكل هذه النقوش لا تهدينا الى تاريخ العامود لأنها تقع جميعاً داخل أساسات القاعدة، ويفيد نقش يوناني قديم موجود من الناحية الغربية، وهو محفور في أربعة اسطر وترجمته تفيد بأن الامبراطور "دقلديانوس" قامت ضده ثورة، قادها في الاسكندرية القائد الروماني لوكيوس دويمنوس. وأيد الشعب لوكيوس دومينوس الذي حاصر الاسكندرية ثمانية شهور للقضاء على الطغاة الذين ظلموا الفقراء من الشعب، ونصبه الشعب امبراطوراً للبلاد، فأقام فيها بعض الوقت وأرجع اليها جزية القمح التي كانت روما تجمعها سنوياً من الشعب على أساس أنها ولاية رومانية. فأمر بتوزيعها مجاناً على الفقراء، فأقيم له هذا العامود ونقش عليه النصر تخليداً لذكراه وتعبيراً عن شكر الاسكندريين لكرمه وفضله عام 297 قبل الميلاد. المعروف أن بناة هذا النصب الشامخ قاموا باقتطاع جسم العامود من محاجر الغرانيت عند اسوان. وتم نقله عن طريق النيل ثم حمل في الترعة التي تمد الاسكندرية بالماء العذب. ومنها نقل فوق الهضبة باب سدرة الى حيث يوجد الآن.