اليوم، الأربعاء، يلتف طلاب الجامعة الأميركية في القاهرة حول تميم مريد البرغوتي، وهو شاعر فلسطيني شاب سيلقي مجموعة قصائد كتبها بالعامية المصرية، قبل بدء مسيرة تضامنية صامتة مع الفلسطينيين داخل مبنى الجامعة. والمبنى نفسه بدا مساء أول أمس في حال استثنائية من الحركة والزحام بسبب الأمسية التي أحياها الشاعر الفلسطيني محمود درويش ضمن برنامج تضامني يحمل عنوان "عام فلسطين" ينظمه طلاب الجامعة وأساتذتها. ونجح الحدث في كسر البرودة التقليدية للمكان الذي اكتظ بالوجوه التي لها معه قصص مختلفة وحكايات آخرها قصة الكاتب محمد حسنين هيكل الذي جاء الى الجامعة قبل اقل من شهرين والقى محاضرة أثارت ضجة كبيرة. وحضر هيكل مجدداً الى قاعة ايوارت في الجامعة وفي صحبته وزير الثقافة اللبناني غسان سلامة بهدف الاستماع الى محمود درويش الذي بدأ بكلمة قال إنه مضطر لالقائها لأنه داخل جامعة. وأضاف: "يسرني أن القي شعري ضمن "عام فلسطين" التي يبدو أن عمرنا كله لم يكن كافياً لنشهد تحريرها واستقلالها، لكن شعبها المسكون بهاجس الحرية سيجعل هذه اللحظة قريبة بأي ثمن". وتابع: "ما أصعب أن يكون المرء فلسطينياً وان يكون الشاعر فلسطينياً، إذ عليه أن يكون داخل نفسه وخارجها في آن واحد، يحقق الجمالية والفعالية معاً. عليه أن يترك سياسة الأسطورة ويستبصر شعرية الواقع. عليه أن يكون اثنين في واحد، شاعراً وسياسياً". ومن بين القصائد التي "اختبرها" درويش مع جمهور أمسيته القاهرية قصيدة من مقاطعها: "في مصر لا تتشابه الساعات / كل دقيقة ذكرى تحددها طيور النيل/... كل شيء عاطفي فيك / إذ تمشي على أطراف روحك في دهاليز الزمان/ كأن أمك مصر قد ولدتك زهرة لوتس قبل الولادة". وكعادة المصريين مع من يغازلهم نالت هذه القصيدة تصفيقاً حاداً هزم رنات الهواتف الجوالة التي لم تنجح في إفساد الأمسية الرائعة. ولعلّ ما يدل على ذلك الحضور الكثيف الذي اضطر جمهور الطلاب من العرب والأجانب على احتلال القاعة قبل ساعة من بدء الأمسية التي لم يغب عنها ضيوف القاهرة من الشعراء والكتاب والفنانين العرب. والغريب أن حال الطوارئ التي دفعت القنوات الفضائية العربية الى إجراء مفاوضات مع إدارة الجامعة الأميركية لتسجيل اللقاء لم تمتد الى المحطات التلفزيونية المصرية، باستثناء قناة "النيل" الثقافية التي استضافت درويش في برنامج بث أمس الثلثاء على الهواء. وبثت محطة البرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية برنامجاً عن درويش يحمل عنوان "وطني حقيبة" فاز بذهبية مهرجان الاذاعة والتلفزيون في دورته الأخيرة. وجاء مخرجه عصام العراقي يبحث عن "عاشق من فلسطين"، لكن درويش كان خرج من مبنى الجامعة في صحبة جمال الغيطاني والسفير المغربي في القاهرة علي اومليل من دون ان ينسى ان يضيف الى حال الطوارئ التي سببها احباطاً أصاب كل الإعلاميين الطامعين في محاورته، مؤكداً انه "لا يرغب في الكلام عن السياسة"، وانه يأتي الى القاهرة فقط عندما يجد ان لديه الجديد الذي يقوله بالشعر". ولم ينسَ كذلك ان يبتسم لكاتبة شابة أصرت ان تهديه نسخة من روايتها الجديدة وعلى رغم كل الزحام الذي أحاط به مدّ يديه وحمل الكتاب.