منحت الأكاديمية السويدية، القيمة على جائزة نوبل، جائزتها للآداب، الى كاتب يهودي هنغاري، أدار أدبه الروائي حول المحرقة النازية لليهود، التي ما زالت تثير جدلاً اشكالياً حول حقيقتها التاريخية، ويُتهم كل من يشكك، وبرؤية تاريخية موضوعية، بعدد ضحاياها بالمعاداة للسامية. لكن مفكراً يهودياً، مناقضاً للصهيونية، مثل اسحق دويتشر، وإن سلّم بالواقعة، يرى أنها احدى الخدع الصهيونية التاريخية، ويشير في كتابه "اليهودي اللايهودي"، الى أن الاضطهاد النازي لليهود، كان بمثابة السرير الهزاز الذي تمت فيه وترعرت الصهيونية. وهذا حديث آخر، أثاره ما جاء في براءة منح الجائزة للكاتب الهنغاري إيمري كريتيش، من اشادة برواياته عن المحرقة الهولوكوست، وانها تصوير للحقيقة القصوى عن انحطاط الإنسان في الحياة المعاصرة. وإن كنا لم نتعرف إلى الكاتب الفائز، بما يتيح تقويم أعماله الروائية، من حيث فنيتها، إلا اننا نتوقف عند الجانب السياسي، للانحراف بمنح هذه الجائزة الدولية، وارتهاناتها لتوجهات سياسية، بعيدة من المعايير الأدبية. فكثيرون من أدباء العالم، أجدر بها من الذين تُمنح لهم، من دون التقليل من أهمية أو قيمة أعمال بعض ممن نالوها. فإذا استعرضنا مثلاً، أسماء الأدباء الروس والأوروبيين الشرقيين، الذين منحت لهم، لوجدنا أنهم كانوا من المنشقين عن الاتحاد السوفياتي، خلال وجوده والمناوئين له والمتعاطفين مع السياسات الغربية، أيام الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي. وعلى رغم ان براءة منح الجائزة لكريتيش، تدين ارتهان الحياة والفكر الإنساني للسلطة السياسية، مدللة برواياته التي تصف الاضطهاد النازي لليهود. إلا أن جائزة نوبل، لم تخلص وتبرأ من الارتهان، التوجهات السياسية، وأحياناً المباشرة، في براءات منحها. فعندما منحت الجائزة مناصفة لليهودي الاسرائيلي، عجنون، ولليهودية الألمانية ساخس، ركّزت براءة المنح، على القيمة الأدبية لعجنون الذي يعيش في أقبية الماضي التوراتي الأصولي المعتمة، على أنه يكتب بلغة اليديش، ويعيدها الى الحياة، ولم تجد لجنة الجائزة قيمة كبرى أدبية وابداعية تعلق عليها قلادة الجائزة الممنوحة لعجنون. وإذا نظرنا الى الجانب الآخر، حيث التلهف العربي على هذه الجائزة، فهي قد منحت للسلام مناصفة لأنور السادات، ومناحيم بيغن، الموصوف في دوائر الأمن والقضاء البريطاني ب"الإرهابي"، وجاء إدراج السادات معه، لمعاهدة الصلح المنفردة بينه وبين اسرائيل، ومنحت مرة أخرى للسلام أيضاً مثالثة لياسر عرفات، وشمعون بيرس، واسحق رابين، بعد ان تسللوا من الباب الخلفي الى معاهدة أوسلو، ومن وراء ظهر مؤتمر مدريد، وعقدوا اتفاقية السلام، وإثر المصافحة، التي سماها عرفات بسلام الشجعان، ونظر اليها الاسرائيليون، وتعاملوا معها، وما زالوا، على انها استسلام المقهورين. فبيغن، الحائز على جائزة السلام، هو القائل، ان العالم لا يُشفق على المذبوحين، انما يصفق للمنتصرين. ومنحت الجائزة في الفيزياء، للعالم المصري أحمد زويل، وهو جدير حقاً، لكن، لو ان زويل لم يكن هاجر منذ زمن، وأجرى بحوثه في كنف المجتمعات الغربية، خصوصاً الأميركية، وأقام وانتسب، أكانت لجنة الجائزة تقدره هذا التقدير الذي يستحق، أم ستكون لها حسابات أخرى؟ أما المرة الرابعة، والمتعلقة بموضوعنا، وهي الخاصة بالأدب، فمن الأدباء العرب، كثرة جديرة بها، وأكثر أهلية من كثيرين من الذين حصلوا عليها على امتداد قرن من الزمن، لو أن معاييرها أدبية موضوعية. ومنحت الجائزة للأدب مرة واحدة لعربي، هو نجيب محفوظ. وبالتأكيد، فإن نجيب محفوظ يستحق هذه الجائزة عن جدارة أدبية وابداعية متميزة، وهو من القلائل الذين حين فازوا بها، رفعوا من قيمة الجائزة أكثر مما رفعت هي من قيمتهم. ولكن لن ننسى على الجانب الآخر، أن لجنة الجائزة، لم تلتفت الى محفوظ، إلا في وقت تزامن مع مواقف وأقوال له بدت مهادنة ومتصالحة مع الكيان الاسرائيلي، وداعياً الى الوفاق، وإن كان على حساب نسيان أو تناسي الذاكرة التاريخية للصراع العربي - الاسرائيلي، والتغافل عن الروايتين العربية والاسرائيلية، لأصل هذا الصراع. وسط هذا العجاج الذي تثيره جائزة نوبل، كل عام، وخصوصاً مع هذا المنح الأخير، للكاتب المتمحور في رواياته، حول الاضطهاد النازي لليهود، والنفخ في رماد المحرقة، التي ظلت الصهيونية تذر رمادها في عيون العالم، على امتداد جل سنوات القرن العشرين، وما زالت. أنفذ الى سؤال افتراضي: ترى لو أن كاتباً فلسطينياً، أدار رواياته، وبالشروط الأدبية والابداعية المؤهلة لجائزة نوبل، حول المجازر والمذابح التي ارتكبتها الصهيونية، وترتكبها، في فلسطين. أو لو أن كاتباً لبنانياً، أبدع في وصف مجزرة قانا، وغيرها مما ارتكبته اسرائيل في لبنان... أو أن كاتباً لبنانياً/ فلسطينياً، أشار في روايات مبدعة، الى مجازر صبرا وشاتيلا... أو أن كاتباً عراقياً، تناول في أعمال روائية، أو مر في أعماله الجديرة بجائزة كجائزة نوبل، بذكر مأساة ملجأ العامرية. لو أن واحداً من هؤلاء، نازعته نفسه وطموحه الأدبي، أن يتقدم للجائزة. أكان يسمح له، لا بالفوز، وانما بمجرد الترشح، واقتراب اسمه من أبواب الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة. أم أنه يطرد، ويطارد، ويُتهم بالإرهاب، ويلاحق، لا لتعلق في عنقه قلادة الجائزة، بل لتعلق عنقه في مشانق الهيمنة السياسية الغربية، وخصوصاً الأميركية، وبالأخص الصهيونية على مقدرات عالمنا اليوم. كيف يستقيم الأمر، بأن تخصص جوائز عالمية، على هذا القدر من الرفعة، في أبرز حقول الحياة والابداع الانسانية، باسم مخترعٍ لأداة مدمرة وقاتلة هي الديناميت. إلا أن يكون ألفرد نوبل، قد سعى الى التكفير، وإراحة الضمير، وهو هاجع في قبره؟ لكن الأمر يعاود الاعوجاج، عاماً بعد عام على يد اللجنة المشرفة على الجائزة، والأمينة على تنفيذ وصية صاحبها.