في ايلول سبتمبر من كل عام تفتح المدارس ابوابها للطلاب في سورية الأمر الذي يفرض على العائلات تلبية احتياجات ابنائهم من اقلام ودفاتر ولباس مدرسي وغير ذلك من الأشياء الضرورية للمدرسة، وبالتالي تعلو الدعوات الى سياسات تقشفية منزلية طويلة الأمد عند العائلات المحدودة الدخل. ويصادف ذلك كله في شهر "المونة" الذي تستعد فيه العائلات للشتاء عبر تأمين لوازم "المكدوس" وهو اسم الأكلة الشعبية المعروفة في بلاد الشام والمؤلفة من "باذنجان وجوز وزيت زيتون وفليفلة حمراء"، اضافة الى بعض انواع المربيات والمخللات. ولهذه الأسباب ربما يسمّي البعض شهر ايلول ب"شهر حط المصاري"، أو "شهر خربان البيت" بسبب كثرة المصاريف واستحقاقها على الأسر الفقيرة في وقت قصير. وبينما كانت ام محمود تساوم البائع في احد اسواق دمشق لتشتري الباذنجان بأرخص الأسعار لإعداد المكدوس، سألناها ماذا يعني لها هذا الشهر فأجابت على الفور "الله يخليكم انا ما بفهم بالسياسة" وسرعان ما استدركنا وأخبرناها بأننا نود الحديث معها عن "السياسة الاقتصادية في المنزل" وأننا متعاطفون معها بسبب ثقل الحمل في هذا الشهر، فشعرت بالأمان وأجابت: "الحكي ما بيفيد، لكن زوجي يعمل مستخدماً في احدى الدوائر الحكومية ومرتبه لا يتجاوز 6000 ليرة سورية 110 دولارات اميركية، وكما ترون احاول ان اؤمن احتياجات المكدوس وغيره من متطلبات الشتاء، وهذه الأكلة لا تنتهي بشراء الباذنجان بل هناك الجوز وزيت الزيتون والفليفلة الحمراء، وهذا العام لم نستطع شراء الزيت البلدي فاستبدلناه بزيت الصويا واستبدلنا الفستق بالجوز لرخصه. وأضافت ام محمود: "لدي سبعة اولاد في المدارس، وكما تعرفون يشترون اشياء لم تكن على زماننا من اقلام متنوعة ودفاتر وألبسة... لقد اضطر زوجي للاستدانة من اصدقائه وفتحت انا مكمورتي كي لا نتبهدل في هذا الشهر". اما خليل الذي يعمل مدرساً فقال: "هذا الشهر لم نستطع ان نموّن المكدوس وذلك لتكلفته العالية، وإذا ما اجرينا حسابات دقيقة نرى ان الباذنجانة حتى تصبح مكدوسة تكلف عشر ليرات سورية، وهذه السنة حاولنا شراء زيتون اعتقد انه اوفر وأفضل" وابتسم خليل مضيفاً: "بصراحة اصبحنا لا نحب المكدوس بسبب كل هذه التكلفة". ام علي قالت من جهتها: "نعم ايلول شهر صعب على الجميع وبخاصة على العائلات الكبيرة، ولكن على رغم ذلك استطعت ان اعد مؤونة للشتاء بشكل جيد ومتنوع، فالمكدوس كان الهم الأكبر ولكننا عملنا "شي من قريبه" لتخفيض التكلفة، مثلاً بدل زيت الزيتون استخدمنا زيت الصويا وبدل الجوز البلدي اشترينا الجوز الأوكراني كونه ارخص. وأعددت ايضاً انواعاً من المربيات والمخللات، وقبل ان تسألني كيف اقول لك نذهب أنا وزوجي الى السوق آخر النهار ونشتري ما تبقى من البضاعة والخضروات السيئة وعادة ما تكون رخيصة الثمن وفي النهاية صار عندنا مؤونة جيدة للشتاء، ولكن خربان البيت جاءني من ناحية المدرسة اذ لدينا تسعة اولاد وكل واحد منهم يظن نفسه سيتخرج او سيصبح دكتوراً في المستقبل".