يعتبر بديع خيري رائداً حقيقياً في كتابة الحوار السينمائي تميز بموهبة لافتة ومقدرة مميزة على الابداع. وعلى رغم ان اسمه يغيب عن مسامع الكثيرين من الاجيال الحديثة، الا ان احداً لا يمكنه انكار منجزات هذا الرجل في السينما المصرية باعتباره واحداً من رواد الكوميديا فيها. وعندما نذكر اسم بديع خيري لا يسعنا إلا ان نتذكر معه فناناً آخر، هو توأم روحه وزميل مشواره الفني الفنان الكبير نجيب الريحاني وقد ربطتهما علاقة اثرت اعجاباً في السينما المصرية. وعن ذلك يكتب بديع خيري في مذكراته: "عندما جاء دوري للتوقيع على العقد مع نجيب الريحاني ضحكت، فسألني عن السبب فأشرت الى تاريخ العقد. كان التاريخ 18 أب اغسطس 1918 ولم يفهم الريحاني شيئاً، فقلت له انني اضحك لأن تاريخ ميلادي هو يوم 18 آب 1893... وفعلاً كان هذا العقد هو تاريخ مولدي الحقيقي... تاريخ مولدي المسرحي وتاريخ عمل عظيم وصداقة عظيمة بيني وبين نجيب الريحاني استمرت حتى يوم وفاته سنة 1949". ويختلف "شيخ مؤلفي المسرح الكوميدي" كما يسميه مصطفى محرم مؤلف مسلسلي "عائلة الحج متولي" و"العطار والسبع بنات"، في كتابه "الكوميديا في السينما المصرية: بديع خيري"، الصادر عن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، عن كثيرين في مجال الادب والفنون. فهو بحسب محرم "سيد من سادات السينما المصرية حتى بداية الستينات من القرن العشرين ولكنه في الوقت نفسه ما زال سيداً من سادات كتاب المسرح الكوميدي حتى وقتنا هذا". وعلى هذا الاساس انطلق محرم في كتابه عن خيري، إلا انه اغفل شرح الافلام التي كتبها مكتفياً بصفحات قليلة حول هذا الموضوع ومستفيضاً بنقل المذكرات. فالكتاب المشار اليه آنفاً ومع انه يحمل اسم بديع خيري الا انه جاء مقصراً في حقه. فمن حيث الشكل ينقسم الكتاب الى جزأين: الجزء الاول الكوميديا فن وتاريخ آخذاً نصف مساحة الكتاب والجزء الثاني بديع خيري فنان الكوميديا المسرحية والسينمائية. وعليه يذهب الكاتب بعيداً في جزئه الاول الى تاريخ الفن الكوميدي على حساب الهدف المرجو من الكتاب ألا وهو تعريف الجيل الجديد بواحد من رواد الكوميديا في مصر. من هنا وبعد وقوف الكاتب المطول عند فن الكوميديا وتاريخه لا يمكن لنا إلا القول ان الحديث عن بديع خيري جاء مختصراً وبالتالي غير ملم بجوانب فنية عدة. ولخص مصطفى محرم "الحوار" الذي كان يكتبه بديع خيري بالقول: "حواره كان نتيجة تجاربه في الحياة منذ ان كان صبياً نشأ في احضان الاحياء الشعبية ويتردد على مقاهيها التي كانت تتردد عليها الشخصيات المختلفة، وساعده على ذلك ثقافته الواسعة الناتجة من قراءته الغزيرة باللغة الانكليزية والفرنسية واطلاعه الواسع على الآداب العربية وبخاصة الشعر والزجل الذي اجادهما منذ الصغر". لذلك يفرد الكاتب فصلاً خاصاً بالزمان والمكان نظراً الى اقتناعه بتأثيرهما الواضح في بديع خيري. ولم يفت محرم ذكر العلاقة القوية التي جمعت بديع خيري ونجيب الريحاني مفرداً لها صفحات عدة من كتابه نظراً الى اهميتها في مسيرة الرجلين الفنية. وكما يتضح في الكتاب، لعبت الصدف دورها في هذا المجال. ويصف محرم ذلك بالقول: "قامت فرقة نادي التمثيل العصري بتقديم مسرحية بديع خيري الاولى على مسرح الاجيبسيانا وهو المسرح الذي كان يقدم فيه نجيب الريحاني عروضه. وكانت فرقة الهواة تستأجر المسرح نهاراً في الايام التي يقدم فيها الريحاني حفلاته المسائية. واستمرت فرقة الهواة في تقديم مسرحية "اما حتة ورطة" بنجاح كبير وسط تشجيع الاهل والأقارب والاصدقاء الذين كانو يحصلون على دعوات مجانية من اجل مساعدة افراد الفرقة والتصفيق لهم، وفي احد الايام دخل عليهم احد اعضاء الفرقة وكان يدعى جورج شفتش فأخبرهم وهو يحاول ان يلتقط انفاسه من شدة الانفعال بأن نجيب الريحاني يتفرج عليهم". ويقول بديع خيري في ذلك: "بقي نجيب الريحاني ليلتها الى آخر المسرحية وكان المتفرج الوحيد الذي صفق تقديراً لفننا وليس مقابل دعوتنا المجانية"... في تلك الفترة كان بديع خيري يخفي اسمه ولا يضعه على اعلانات المسرحية خشية ان يفقد وظيفته كمدرّس محترم. وعندما سأل نجيب الريحاني جورج شفتش عن اسم مؤلف المسرحية ادعى هذا الاخير انه هو ثم عقد اتفاقاً مع المؤلف الحقيقي وهو مناصفة الارباح. وظلت الامور مخفية الى ان قام احدهم بافشاء السر وبدأ التعاون بين الرجلين الذي سيستمر حتى وفاة الريحاني. وخاض خيري تجربة كتابة الاستعراض والأوبريت. كما يتحدث بنفسه عن نوع آخر من انواع المسرح الكوميدي وهو "الفارس" الذي لا يرى اي فرق بينه وبين الفودفيل. وبعد كل هذه التجارب التي خاضها بديع خيري ورفيق دربه نجيب الريحاني يعود يوسف وهبي من الخارج فيؤلف فرقة "رمسيس" التي تلاقي نجاحاً كبيراً. وفي هذا الصدد يشير محرم الى المثل الذي يقول "وربّ ضارة نافعة" ليشرح كيف ادى اكتساح يوسف وهبي جميع الفرق الاخرى ومن بينها فرقة الريحاني الى إعادة النظر في الكثير من الامور، الامر الذي دفع بديع خيري الى الاعتراف "انه بحاجة الى وقفة حاسمة والتفكير في تقديم الكوميديا الحقيقية او الكوميديا الراقية وهي المسرحية التي تخلو من الغناء والاستعراض وتعتمد على المواقف الضاحكة والحوار الكوميدي الساخر والموضوع الاجتماعي الهادف الى اصلاح الاوضاع الخاطئة" وكانت مسرحية "الدنيا ماشيه كده" بحسب بديع خيري هي اول كوميديا تدخل تاريخ المسرح على انها كوميديا راقية وقد قدمها المسرح المصري كلون جديد بل وفكر ناضج للمسرح الضاحك. وحكاية بديع خيري مع السينما قديمة العهد اذ نسمعه يقول في مذكراته "لعلني المولف الوحيد الذي اشتغل في السينما وهي صامتة قبل ان تنطق في فيلم "المندوبان" الذي عرض في سينما كوزمو". ويعلق مصطفى محرم على هذا الامر بالقول انه على رغم كل ما قيل ان بديع خيري كان اول من كتب للسينما كونه كتب لها صامتة ثم كتب لها حين نطقت إلا أن الوضع لم يكن كذلك، مشيراً الى اسبقية فنانين آخرين في هذا المجال. وفي النهاية ليس لنا إلا الاعتراف، بحسب مصطفى محرم بأن انجاز بديع خيري الحقيقي في السينما المصرية كان في ميدان كتابة الحوار السينمائي وكتابة اغاني الافلام والاستعراضات، "لقد بدأ بديع خيري عمله في السينما المصرية في زمن كان الحوار يتعثر في جمله وألفاظه وكان خليطاً من لغات مختلفة، وفي الزمن الذي اضحى فيه للحوار السينمائي اهمية كبرى، استمر بديع خيري".