سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القرار التاريخي ل"محكمة العدل الأوروبية" سيؤثر على صناعة الطيران العربية . الاتحاد الأوروبي يرفض اتفاقات تحرير الأجواء المنفردة مع الولايات المتحدة وسوقه التي تضم 27 دولة لن تنفتح لاتفاقات عبر الأطلسي إلا بعد 2004
} لندن - ابراهيم خياط } أصدرت "محكمة العدل الأوروبية" قراراً "تاريخياً" الثلثاء الماضي، يربط حق إبرام اتفاقات الأجواء المفتوحة ويلغي أي اتفاقات أبرمت حتى الآن بين الدول الأوروبية الأعضاء وأي دولة خارج الاتحاد. ويستهدف القرار بالدرجة الأولى الولاياتالمتحدة، التي يشكل نشاط النقل الجوي الذي يربطها مع أوروبا عبر الأطلسي، أكبر معدل حركة في ما يخص الرحلات الدولية من القارة الأوروبية. إلا أن مضاعفاته لن تتأخر عن الوصول الى العالم العربي في الأعوام المقبلة. يحسم القرار الصادر من المحكمة الأوروبية، والذي لا يقبل النقض أو المراجعة من قبل حكومات البلدان الأعضاء، جدلاً عمره عشر سنوات، مذ بدأت علامات التململ تظهر في صفوف المسؤولين التكنوقراط في بروكسيل، نتيجة اعتراضهم على تفرد الدول الأعضاء في اتخاذ قرارات تخص ابرام اتفاقات تحرير الأجواء مع أطراف تقع خارج الاتحاد الأوروبي، من دون العودة إلى مفوضية النقل والطاقة في بروكسيل. وانطلق الجدل بعد توقيع الولاياتالمتحدة اتفاقاً عام 1992 مع لوكسمبورغ لتحرير الأجواء بين البلدين. وكان الإجراء الأميركي تجريبياً، وغرضه التحقق من جدوى خطوة من هذا القبيل ستفتح السوق الأميركية أمام شركات طيران أوروبية. ولذا اختارت وزارة النقل الأميركية بلداً أوروبياً صغيراً لتباشر التجربة فيه. وأظهرت النتائج بعد ذلك أن الخطوة مجدية، ما شجع السلطات الأميركية على ابرام اتفاقات مماثلة مع كل من آيسلندا والنمسا، لتتوسع الاتفاقات مع البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعد عام 1995، إلى أن وصلت الى 12 اتفاقاً اليوم. إلا أن المفوضية الأوروبية لجأت إلى رفع دعوى أمام "محكمة العدل الأوروبية" عام 1998، بحق الدول التي كانت وقعت حتى ذلك التاريخ اتفاقات أجواء حرة مع واشنطن، وهي لوكسمبورغ وآيسلندا وفنلندا والنمسا وبلجيكا وبريطانيا وألمانيا والسويد، على اعتبار أنها انتهكت الميثاق الأوروبي التأسيسي. ونص القرار الصادر يوم الثلثاء على أن اتفاقات تحرير الأجواء التي أبرمتها الدول الثماني لاغية وغير شرعية، وبالتالي يتعين وقف العمل بها. وكانت أوساط صناعة الطيران في أوروبا وأميركا الشمالية تتوقع صدور القرار يوم الثلثاء المقبل، إلا أن المحكمة فضلت تقديم موعد حكمها أسبوعاً واحداً، من دون إبداء الأسباب. وتنظر المحكمة حالياً في دعوى مماثلة في فحواها رفعتها المفوضية الأوروبية ضد أربع دول أخرى أعضاء هي فرنسا والبرتغال وهولندا وايطاليا، وإن كان لا يعتقد أن الحكم الذي سيصدر بهذا الخصوص سيكون مغايراً للحكم الأخير الصادر يوم الثلثاء. وبررت المحكمة قرارها بنقض اتفاقات تحرير الأجواء الثنائية الموقعة بين الدول الأعضاء والولاياتالمتحدة بأن هذه الاتفاقات تمارس نوعاً من التمييز غير المشروع بحق شركات طيران الدول الأعضاء الأخرى، والتي ستُحرم من حق الاستفادة من الميزات الاقتصادية المتاحة في أسواق هذه الدول. وقالت لايولا دي بالاسيو، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، إن من حق المفوضية الأوروبية وحدها أن تفاوض باسم الدول الخمس عشرة الأعضاء، وهددت بانزال عقوبات وغرامات ثقيلة بالدول الأعضاء التي تمتنع عن الالتزام بالحكم وتنفيذه. ولم يفاجىء القرار كثيراً شركات الطيران، إلا أن تنفيذه سيربك حتماً جداول رحلاتها الشتوية، في وقت يتأهب معظمها لمواجهة انهيار متوقع في السوق الدولية والتراجع في مستويات الحركة الجوية، في حال اندلاع حرب ضد العراق خلال الشهور المقبلة. الهدف الاستراتيجي ويخلّف القرار مضاعفات لا حصر لها على طريقة تنظيم سوق الطيران التجاري في العالم، لأنه سيجبر الولاياتالمتحدة على إعادة رسم سياستها الخاصة بتطبيق تحرير الأجواء، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي، أكبر أسواقها الجوية الدولية. وقال ل"الحياة" ديفيد مودسيت، رئيس شعبة أوروبا في وزارة النقل الأميركية، إن سياسات تحرير الأجواء التي اتبعتها بلاده منذ عام 1992 "أتاحت إيصال عدد اتفاقات تحرير الأجواء التي أبرمتها في عشر سنوات إلى 58 اتفاقاً من أصل 100 اتفاق ثنائي تربط الولاياتالمتحدة بالعالم، وهي أعلى نسبة في العالم"، مشيراً إلى أن 21 اتفاقاً من اتفاقات تحرير الأجواء هذه تخص بلداناً أوروبية، منها تسعة خارج الاتحاد الأوروبي. وترمي المفوضية الأوروبية إلى تهيئة المجال لمعاودة المفاوضات مع واشنطن، في صورة تتماشى مع التغيرات الجذرية التي سيشهدها الاتحاد الأوروبي لدى شروعه في تطبيق سياسة كاملة لتحرير الأجواء داخل الفضاء الاتحادي الأوروبي، بحلول عام 2004. وكانت المفوضية الأوروبية تبنت قبل 13 شهراً مجموعة من الاجراءات والتدابير المشتركة الخاصة بادارة حركة النقل الجوي، والتي أرست الدعائم لإقامة فضاء جوي مشترك سيبدأ تنفيذه في 31 كانون الأول ديسمبر 2004. وحددت التدابير الاجراءات التي يتعين اتخاذها لاقامة فضاء جوي موحد "يمكن للمواطنين الأوروبيين التنقل داخله بكل حرية من دون أن تعرقل رحلتهم الحدود، مع تمتعهم في الوقت ذاته بأعلى قدر من السلامة". وتنقسم هذه التدابير إلى ستة خطوط عمل رئيسة تخص الادارة المشتركة للفضاء الجوي، وإقامة هيئة إشراف اتحادية قوية، والدمج التدريجي للإدارة الجوية المدنية والعسكرية، وتحقيق تواؤم في العمل بين الاتحاد الأوروبي ومركز "يوروكونترول" الذي يدير حركة الطيران الأوروبية من بروكسيل، وإدخال تقنيات حديثة ملائمة، وتحقيق تنسيق أفضل بين السياسات الخاصة بالموارد البشرية في قطاع المراقبة الجوية. ومن أجل تسريع تطبيق الخطة تبنت المفوضية ثلاثة اقتراحات محددة تتعلق باقامة خدمات ملاحة جوية، وتنظيم الفضاء الجوي واستخدامه، بالاضافة إلى اعتماد تجهيزات الكترونية، قادرة على التعامل والتراسل مع بعضها بعضاً. جهد متواصل ويعود تاريخ اهتمام الاتحاد الأوروبي بتنظيم سوق النقل الجوي الى عام 1987، حينما سعت دول الاتحاد الى توسيع رؤيتها للسوق الأوروبية ككل والاستفادة من تجربة الولاياتالمتحدة، باعتبارها كانت، ولا تزال إلى اليوم، تشكل أكبر سوق للرحلات الداخلية في العالم. وكانت السلطات الفيديرالية الأميركية نفّذت منذ عام 1978 خطة موسعة لتحرير الأجواء الداخلية أسفرت عن تغيرات جذرية في سوق النقل الجوي داخل أميركا الشمالية. ويقول مايكل سميثر، ممثل اللجنة الأوروبية للطيران المدني، إن "اللجنة أبرمت عام 1987 اتفاقيين دوليين سمحا بالتحرير الجزئي للسعة والرسوم. وبهذا اتخذت الخطوات الأولى في أوروبا نحو تحرير سوق النقل الجوي. إلا أن الجماعة الأوروبية الاتحاد الأوروبي حالياً كانت هي المنطقة التي حدث فيها تقدم سريع نحو التحرير التام". وبين عامي 1992 و1997 اعتمد الاطار التشريعي الأساس لتحرير النقل الجوي داخل الجماعة الأوروبية. وأصبح هذا الاطار نافذاً في صورة تامة، في نيسان ابريل 1997. وأجريت التغيرات الأساس التي دخلت حيز التنفيذ عام 1993. وكانت تلك الفترة تشهد قدراً من الركود الاقتصادي الفعلي والوشيك، في حين كانت شركات الطيران الوطنية الرئيسة تعاني من ارتفاع نسبي لمستويات الكلفة على رغم تمتعها بهيمنة على أسواقها الداخلية، واعتمادها في كثير من الحالات على المساعدة المقدمة من الدولة، بينما كان الكثير من المطارات الرئيسة الأوروبية يعاني من تزايد الازدحام. ويجمع المحللون على أن تحرير حركة النقل الجوي أدى إلى اندماج بعض الأسواق الوطنية الأوروبية ودخولها نوعاً من السوق الموحدة، في ظل تحولات عميقة طاولت بنى الاتحاد الأوروبي باتجاه انشاء سوق داخلية مندمجة على صعيد السلع والخدمات. ويقول سميثر: "إنشاء سوق الطيران الموحدة في أوروبا كان مماثلاً لعملية فك القيود التنظيمية عن شركات الطيران التي أجريت من قبل في الولاياتالمتحدة، بمعنى أن الأمر تم داخل إطار سياسي وقانوني مشترك". ويفسر هذا الأمر تشدد المفوضية الأوروبية مع الدول الأعضاء ورغبتها في ضبط ايقاع حركة تحرير الأجواء مع الولاياتالمتحدة، لأسباب عدة أبرزها ضرورة التوزيع العادل للفوائد على كل الدول من دون استثناء، ومراعاة عاملين أساسيين ولّدا صعوبات لدى تطبيق سياسات تحرير الأجواء وفتح الباب أمام حرية الحركة الجوية، وهما: عدم توافر السعة اللازمة في المطارات الرئيسة داخل بلدان الاتحاد، والثاني وجود 20 طريقاً للحركة الجوية تعاني من الكثافة الشديدة، وأكثر من نصف هذه الخطوط يقوم على طرفها مطار يعاني بدوره من الإزدحام الشديد. وترغب المفوضية في إعادة التفاوض على حقوق النقل الجوي مع الولاياتالمتحدة، تمهيداً للمساهمة في صورة أفضل في ادارة التحولات المحتملة التي ستشهدها سوق النقل الجوي الاوروبية، مع العلم أن 11 دولة أوروبية جديدة تتأهب للانضمام إلى اتفاق الأجواء الحرة لبلدان الاتحاد، التي أقرت أخيراً ضم سويسرا إلى الاتفاق. ولا يشك أحد من العاملين في صناعة الطيران التجاري بالانعكاسات الايجابية التي سيحملها الى صناعة الطيران في العالم قيام سوق أوروبية موحدة، تعمل من دون قيود مع سوق أميركا الشمالية. إلا أن وما لا شك فيه أيضاً هو أن انعكاسات هذه التحولات ستترك آثارها على صناعة النقل الجوي في العالم العربي، وهو ما يجعل من قرار الثلثاء الماضي وتبعاته شأناً عربياً، ولو نسبياً.