الزعيم يحافظ على صدارته بنقاط الفيحاء    الرياض تستضيف «معركة العمالقة».. غداً    ضبط 5 أشخاص في عسير لترويجهم (26,750) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    في انتقاد نادر... ميقاتي يندّد بتدخل إيراني "فاضح" في شؤون لبنان    رئيس الوزراء البريطاني: مقتل السنوار «فرصة» لوقف إطلاق النار    محمية الملك سلمان... ملاذ آمن وبيئة خصبة لتكاثر غزال الريم    مفتي موريتانيا: مسابقة خادم الحرمين لحفظ القرآن لها أهمية بالغة    2,603 طلاب وطالبات من تعليم جازان يؤدون اختبار موهوب1    يتقاسمان الولايات المتأرجحة.. الفارق يضيق بين هاريس وترمب    فريق أنوار التطوعي يفعِّل اليوم العالمي لسرطان الثدي بمستشفى بيش العام    "خويد": أول جمعية متخصصة للفنون الأدائية والمسرح في المملكة    المعرض الأول لسفرجل بالعارضة بجازان    اللجنة الدولية للتحقيق تدعو إلى إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية    «الزكاة والضريبة والجمارك» تحبط تهريب 1.2 مليون حبة كبتاجون بمنفذ «حالة عمّار»    تشكيل الأهلي المتوقع أمام الخليج    خطيب المسجد النبوي: القلب ملكُ الجوارح وسلطانه فبصلاحه يصلُحون وفسادهم بفساده    خطيب المسجد الحرام: يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين    الأحمدي يكتب.. الهلال وتحديات المستقبل!    وصول الطائرة الإغاثية السعودية السادسة محمّلةً بالمساعدات للشعب اللبناني    السياحة السعودية تعزز حضورها الدولي وتستهدف الصين    ارتفاع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    ارتفاع أسعار النفط إلى 74.45 دولار للبرميل    فريد الأطرش .. موسيقار الأزمان    «صرخات مؤلمة».. تكشف مقتل الطفلة سارة    «إندبندنت»: النساء بريئات من العقم.. الرجال السبب!    سينر وألكاراز يواصلان تألقهما وينتقلان إلى نهائي "The six Kings Slam"    5 مواجهات في انطلاقة دوري الدرجة الأولى للكرة الطائرة    لصوص الأراضي.. القانون أمامكم    الدفاع المدني ينبه من استمرار هطول الأمطار الرعدية على بعض مناطق المملكة    «تحجّم».. بحذر!    اللثة.. «داعمة الأسنان» كيف نحميها؟    التسويق الوردي!    الابتعاث للدراسة الأكاديمية للباراسيكولوجي    مفهوم القوة عند الغرب    عبدالرحمن يحصد ذهبية الاسكواش بالألعاب السعودية    ذاكرة الهلال لن تنساني    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً عن هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية    أبسط الخدمات    تركي بن طلال.. العاشق المحترف    المساقي عليها تضحك العثّري    «وقاء نجران» يشارك في مهرجان مزاد الإبل بأعمال الفحص والتقصي    الأمير فيصل بن سلمان يدشّن الأعمال الكاملة للمؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى    الحضور السعودي «أوروبياً» .. لردم هوة العثرات العالمية    الدولار يدخل معركة الرئاسة الأمريكية    العلاقات العربيّة / الصينيّة: نحو مجتمعٍ ذي مصيرٍ مُشترَك    وزير الإعلام يفتتح أكاديمية "واس" للتدريب الإخباري بالرياض    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    إنفاذًا لتوجيهات القيادة .. تمديد فترة تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة على مرتكبيها    برقية شكر للشريف على تهنئته باليوم الوطني ال94    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق فعاليات توعوية بمناسبة "اليوم العالمي للإبصار"    متوفاة دماغيًا تنقذ ثلاثة مرضى في الأحساء    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الخامسة لمساعدة الشعب اللبناني    نباح من على منابر الشيطان    السعودية إنسانية تتجلى    نائب أمير تبوك يستقبل أعضاء جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليا    أمين الطائف يقف على المشاريع التطويرية بالمويه وظلم    26 من الطيور المهددة بالانقراض تعتني بها محمية الملك سلمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما جنيته من نفط العراق ... وما جناه عليّ

قرأت في "الحياة" في 6 تشرين الثاني / نوفمبر 2002 ما كتبه الاستاذ جهاد الخازن حول النفط، والنفط العراقي بالذات. ويبدو ان النفط العراقي هو موضوع الساعة. ولم يعر أحد العراقيين، أصحاب هذا النفط، اهتماماً. ولم يتطرق أحد الى ما أصاب العراقيين من خير، وما لحق بهم من مصائب بسبب هذا النفط.
والسؤال هو، أين ذهبت أموال النفط العراقي؟ ان البلايين من الدولارات ذهبت الى الرئيس، وعائلة الرئيس، واتباع الرئيس وأنصاره، "العالم كله استفاد من نفط العراق إلا العراقيين". إستفادت الدول الكبرى من ثمار النفط العراقي. وخصوصاً فرنسا وروسيا والصين. واستفادت الدول المجاورة للعراق. واستفادت منه شركات النفط العالمية، وكذلك الشركات المصنعة للأسلحة، وتجار وسماسرة هذه الشركات. واستفاد نفر من الساسة العرب، وغير العرب، من الذين سايروا النظام، وأطاعتهم ضمائرهم، فغضّوا الطرف عن تجاوزات النظام.
ثم هناك حشد من الاعلاميين والشعراء والكتّاب والفنانين، ممن يحسنون التطبيل والتزمير. وقيل ان الريف المصري "انتعش" بسبب مئات الملايين من الدولارات التي تدفقت على مصر من تحويلات ملايين المصريين العاملين في العراق.
ولا ننسَ البلايين التي أنفقت على الحروب، ودفعت للتعويضات، والمبالغ الكبيرة التي تنفق على عمليات التفتيش عن الأسلحة، وإدارة مشروع "النفط مقابل الغذاء والدواء". وكان العراقيون شعروا بشيء من الرفاه في السبعينات. ولكن مدة الرفاه هذه كانت قصيرة جداً ومحدودة. وهي لم تتجاوز السنوات القليلة، بين 1973 و1980. ولا يقارن رفاه العراقيين، في المدة القصيرة هذه بالرفاه الذي كانت تتمتع به شعوب الأقطار الأخرى المنتجة للنفط.
وتوفر المال لدى العراقيين، في الأثناء، لم يخفف متاعبهم المعاشية، وذلك بسبب شحة المواد الاستهلاكية، وضعف اهتمام المسؤولين بتوفير تلك السلع لعامة الناس. ولم يكن حصول العائلة العراقية على ما يكفيها من البيض والدجاج الأمور اليسيرة. وكذلك الحال بالنسبة للحوم البقر والغنم المجمدة والمستوردة. وهذا النوع من اللحوم مبذولة في الأسواق الشعبية الأردنية، ويعافها الأردنيون عادة.
وموضوع السيارات نموذج آخر لمعاناة العراقيين في "عصر" الرفاه. فللحصول على سيارة جديدة كان الأمر يقتضي التسجيل لدى الشركة العراقية الوحيدة المعنية بهذا الشأن، ودفع مقدم رهناً وعربوناً، ثم الانتظار شهوراً. وقد يصل الانتظار الى عام كامل قبل الاستلام. ثم ان السيارات التي يحصل عليها المواطنون العاديون هي من نوع واحد، السيارة "البرازيلية". واعتاد العراقيون وصفها من باب السخرية ب"الزي الموحد". وفي الوقت الذي كان فيه يصعب على المواطن العادي الحصول على سيارة برازيلية، كانت سيارات المرسيدس، وسيارات "الشبح" الأخرى تجوب شوارع بغداد وتكريت، ويقودها المسؤولون وأبناؤهم والحزبيون والأنصار.
وكان الأمر ليهون لو ان الشحة إقتصرت على السلع المستوردة. فهي شملت المنتوجات المحلية. فللحصول على فوائد أكبر عمد التجار المقربون من السلطة الى تصدير سلعهم الى خارج العراق. فالحليب، وغيره من الألبان التي تنتجها شركة الألبان الحكومية، كان شحيحاً في بغداد، ويكاد لا يبلغ المحافظات وقراها. ولحوم الأغنام العراقية التي يفضلها بعض الخليجيين، كانت تهرّب الى الكويت من دون ان تبذل السلطات محاولة جادة لمنع عمليات التهريب. ولعل أزمة البطيخ ويسميه العراقيون الرقي خير مثال نسوقه في هذا المجال. فلهذه السلعة أهمية خاصة عند العراقيين. وذلك لشدة حرارة الصيف، وملاءمة هذا النوع من الفاكهة للجو الحار. وفي أحد فصول الصيف، وكان الشهر رمضان، شحّت الأصناف الجيدة من "الرقي"، ولم تعرض في الأسواق الا الأصناف الدنيا. وعرف العراقيون ان الأصناف الجيدة تصدر الى الخليج. ولم تنكر السلطات التصدير، بل، على العكس، بررته بخدمة للاقتصاد الوطني وتوفير عملة صعبة للبلاد. وعندما تقصيت، انا شخصياً، عن مقدار العملة الصعبة هذه عرفت أنها لا تتجاوز مائة ألف دينار شهرياً، أي ما كان يعادل ثلاثمئة ألف دولار تقريباً. وفي هذا الوقت كانت صادرات العراق النفطية تتجاوز ثلاثة ملايين برميل يومياً وكان سعر البرميل يتجاوز الثلاثين دولاراً.
وبعد ما قلت، أريد العودة الى نفسي، وإلى ما جنيته شخصياً من بركات النفط. كنت أعمل في احدى الجامعات العراقية. وكان راتبي، شأنه شأن رواتب الاساتذة العراقيين، قليلاً، اذا قارنته برواتب الاساتذة في الجامعات العربية، كالأردن واليمن والأرض المحتلة. وبعد خدمة إمتدت ربع قرن، أحلت نفسي، عام 1983، على التقاعد، وحصلت على عمل في احدى الجامعات الأردنية. وفي عام 1986 اضطررت لدفع أربعة عشر ألف دولار، لقاء اعفاء اثنين من ابنائي من الخدمة العسكرية الإجبارية. ثم فرض على العاملين العراقيين دفع نسبة من رواتبهم للمجهود الحربي. وكان الامتناع عن الدفع يعرّض المرء لمتاعب لا حصر لها.
وكنا نرى الأردنيين، من مناصري النظام، ينعمون ببركات نفط العراق، وبما يقدمه لهم السيد الرئيس، والسفارة العراقية، من هدايا وهبات: سيارات "مرسيدس"، وامتيازات، ودعوات لزيارة بغداد، والعودة منها وايديهم مليئة بأنواع الهبات، في حقائب غالية الثمن، مليئة بالعملات النادرة.
وكنت استلم راتباً تقاعدياً، قدره مائتا دينار شهرياً، وفي التسعينات لم أعد أكترث لهذا الراتب التقاعدي، فمجموع الراتب لعام كامل لا يساوي مبلغ الرسوم التي كان علي دفعها للقنصلية العراقية، لقاء حصولي على ما يعرف ب"شهادة الحياة". وجاءت حرب الخليج الثانية، بنتائجها الكارثية، وصار العراقيون يعيشون بين حصارين، كلاهما لا يرحم، الحصار الدولي والحصار الذي يفرضه النظام عليهم. وجاء مشروع الأمم المتحدة "النفط مقابل الغذاء والدواء". واختزلت فوائد الثروة النفطية بالنسبة للعائلة العراقية بالبطاقة التموينية. وترمز هذه البطاقة للعائلة تمويناً شهرياً يقتصر على كيلوغرامات من الطحين والرز والسكر، ومئات الغرامات من الشاي والسمن، وبعض البقول ومواد التنظيف. ولم يعد باستطاعة معظم العراقيين الحصول على اللحوم، ولا الملابس الجديدة. وهاجر الملايين من العراقيين الى الخارج. وقبلتهم بعض الاقطار، ووفّرت لهم نوعاً من العيش الكريم. ورفضتهم أقطار أخرى، أو هي لم تحسن ضيافتهم، مع ما يربط هذه الاقطار بالعراقيين من أواصر القربى والأخوة والجوار والدين.
ولم ينس العراقيون المغتربون أهاليهم المعوزين والمعذبين في العراق. فأخذوا يرسلون إليهم ما يتوفر لهم من مال. وهناك، الآن، مئات الألوف من العوائل العراقية تعوّل، في معيشتها، على ما يحوله لها ابناءها وأقرباؤها في الخارج.
هذا هو وضع العراقيين. وهذا ما جنوه من ثرواتهم النفطية، والى إخواننا العرب الذين يبكون أو يتباكون على نفط العراق، ويخافون على مصيره، أقول: ان اخوانكم العراقيين لا يشاركونكم هذا البكاء والتباكي، ولا يشاطرونكم الخوف على مصيره بعد كل الذي كان.
لندن - د. عبدالمعطي عبدالله الشحري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.