دوت صفارات الانذار امس وسمع هدير طائرات في سماء العاصمة العراقية فيما كان المفتشون الدوليين يبدأون اولى مهماتهم في موقعين جنوب شرقي بغداد، لكن ناطقين باسم وزارتي الدفاع الاميركية والبريطانية نفيا ان تكون المقاتلات التي تراقب منطقتي الحظر في جنوب وشمال العراق اخترقتا المجال الجوي لبغداد. وفيما لم يصدر اي تصريح عن المفتشين الدوليين اعلن مسؤول عراقي ان عمليتي التفتيش جرتا ب"سلاسة". وقال الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ان: "البداية لا بأس بها"، وتوقع ان ترفع العقوبات عن العراق او "تخفف"، على اقل تقدير، اذا استمر التعاون بين المفتشين والنظام العراقي" ودعت موسكو الى تسوية دائمة وشاملة تضمن الاستقرار في الخليج. نفذ المفتشون الدوليون على الاسلحة العراقية امس اولى عملياتهم الميدانية في مجمع عسكري شرقي بغداد ومكثفوا في الموقع ثلاث ساعات قبل ان يعودوا الى مقرهم في فندق القناة عند المشارف الجنوبيةالشرقية للمدينة. ولم تصدر اي تصريحات عن كيفية سير عملية التفتيش من المفتشين لكن هيثم محمود رئيس الموقع الذي اطلق عليه اسم "موقع التحدي" قال للصحافيين بالانكليزية: "طرحوا اسئلة وأجبنا عليها جميعا ولم تحدث مشاكل". وصرح بأن الموقع هو مصنع لصيانة مضخات المياه والماكينات. ومع بدء عمليات التفتيش بدأ العد التنازلي لانتهاء المهلة الممنوحة للعراق في 8 كانون الاول ديسمبر ليصدر بياناً يكشف فيه امام مجلس الامن اي اسلحة دمار شامل يمتلكها بينما تخيم على البلاد اجواء الحرب وسط تهديدات اميركية بتحرك عسكري. وكان المفتشون بدأوا اولى جولاتهم بما يشبه مطاردة بوليسية تعقبهم فيها عشرات المصورين والصحافيين العراقيين والاجانب، الذين كانوا احتشدوا امام مبنى الاممالمتحدة في فندق "القناة" شرقي بغداد، منذ الصباح الباكر في انتظار بدء العمليات التي قال عنها في وقت سابق مسؤول الاممالمتحدة انها يمكن ان تحصل في اي وقت واي مكان ومن دون انذار مسبق. وحاول المفتشون تضليل الصحافيين والتخلص من ملاحقتهم بمناورتهم في الشوارع المحيطة، من دون جدوى. وانتهت عملية الكر والفر بعد اقل من ثلاثين دقيقة عندما توقفت سيارات المفتشين امام منشأة "التحدي" التابعة للتصنيع العسكري، والتي سبق ان شملها برنامج التفتيش السابق قبل 1998، حيث دخل المفتشون يرافقهم الخبراء العراقيون الى الموقع واغلقت جميع المداخل والابواب فيما ظل الصحافيون خارجه. وشاهد الصحافيون من بعيد احد المفتشين وهو يتجاذب الحديث مع المسؤولين عن المنشأة في ما بدا وكأنه مفاوضات ودية، ثم اخذ المفتشون طريقهم الى داخل الموقع وكانت قافلة اخرى تتجه نحو احدى المنشآت التي تصنع قطع غيار وآليات للاستخدامات المدنية، ولم يعط المفتشون الذين يعتمدون في عملهم على تقنيات متطورة تضم اجهزة رادار حساسة وكامرات حديثة معلومات عما توصلوا اليه بعد انتهاء جولتهم. وينتظر ان يتواصل عمل المفتشين في العراق قبل ان يقدموا تقريراً اولياً عن نتائج عملهم الى المنظمة الدولية في نهاية شهر كانون الثاني يناير المقبل. وقال الامين العام للامم المتحدة كوفي انان في باريس في اول رد فعل على استئناف التفتيش ان العمليات شهدت "بداية لا بأس بها" مشددا على ضرورة حصول "تعاون متواصل". وقال في حديث الى "اذاعة اوروبا 1" الخاصة ان "اعمال التفتيش شهدت بداية لا بأس بها والعراقيون تعهدوا برفع التقرير حول الاسلحة التي يملكونها في 8 كانون الاول ديسمبر لاننا كنا قلقين بعض الشيء من عدم تمكنهم من القيام بذلك لكنهم وعدونا". وزاد "على العراقيين ان يتعاونوا بالكامل ويجب ان يكون هذا التعاون متواصلا لتفادي وقوع نزاع عسكري" مضيفا "لا اعتقد ان الحرب حتمية في حال استغل العراق الفرص المتاحة له حاليا وتعاون بشكل كامل مع المفتشين". وشدد على ان المفتشين الدوليين "يمكنهم زيارة كل المواقع الرئاسية" من دون ان يعطي تفاصيل حول الجدول الزمني لهذه الزيارة "لان عامل المفاجأة مهم ايضا". وعن اطلاق قذائف الدفاعات الارضية العراقية على الطائرات الاميركية والبريطانية، قال انان ان هذا الامر لا يشكل بالنسبة لمجلس الامن الدولي "سببا للحرب" خلافا لتصريحات الولاياتالمتحدة مشددا على "ان ذلك لا يدخل ضمن القرار 1441" الذي اعتمده مجلس الامن بالاجماع في 8 الشهر الجاري ويشدد نظام التفتيش عن اسلحة العراق. وردا على سؤال عن تغيير النظام في العراق بالقوة اعتبر انان ان "من الممكن جدا ان يكون الشعب العراقي راغبا في التغيير لكن عليه هو ان يقرر". واشاد مطولا بالرئيس الفرنسي جاك شيراك وفريقه "الذين قادوا بشكل ممتاز" الحملة التي ادت الى اعتماد القرار 1441 مضيفا "ان الاميركيين اعربوا في النهاية عن تقديرهم لدور فرنسا". مجلس الامن قد يعلق العقوبات ونقلت وكالة "انترفاكس" للانباء امس عن مصادر ديبلوماسية روسية ان مجلس الامن قد يعلق في تموز يوليو 2003 العقوبات ضد العراق في حال تعاونت بغداد مع المفتشين. وافادت هذه المصادر ان هذا الموعد يبدو مرجحا نظرا الى الجدول الزمني لعمليات التفتيش الذي تمت الموافقة عليه الثلثاء في نيويورك خلال اجتماع للجنة المراقبة والتحقق والتفتيش للامم المتحدة انموفيك. وافادت ان قرار رفع العقوبات قد يتخذ "طبقا لمستوى تعاون العراق مع المفتشين والتقدم في ملف نزع الاسلحة". ودعت موسكو، الحليف التقليدي للعراق، بانتظام الى رفع العقوبات المفروضة على العراق منذ 1990، وهو ما ترفضه واشنطن بشدة. واتخذت شركات روسية في قطاع الطاقة خطوات لتكون اولى الشركات الناشطة في البلاد لدى رفع العقوبات، وكان العراق تعهد في السابق ان يمنح الاولوية للشركات الروسية. اميركا وبريطانيا تنفيان تحليق طائراتهما فوق بغداد قال مسؤول في الدفاع المدني العراقي ان طائرات غربية حلقت فوق بغداد امس ما أدى الى اطلاق صفارات الانذار لكنه اضاف ان الطائرات لم تشن أي هجمات واضاف: "انتهكت طائرات العدو أجواءنا... لكن لم يحدث هجوم". ونفى ناطق عسكري أميركي واخر بريطاني حدوث أي نشاط جوي بريطاني أو أميركي فوق بغداد. ولم يصدر الجيش العراقي تعليقا. وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الاميركية البنتاغون في واشنطن "المزاعم العراقية بتحليق طائرات حربية غربية فوق بغداد كاذبة". وأضاف "أصدر العراقيون في الايام الاخيرة تقارير خاطئة في ما يتعلق بالنشاط الاميركي. ما زالت الولاياتالمتحدة تجوب منطقتي حظر الطيران بالشمال والجنوب بما يتماشى مع تفويض مجلس الامن". وفي لندن نفى أيضا ناطق باسم وزارة الدفاع أي نشاط جوي فوق بغداد وقال "يمكنني أن أؤكد عدم حدوث أي نشاط جوي من جانب التحالف في المنطقة". ودوت صفارات الانذار في مختلف أرجاء العاصمة العراقية بعد ساعة من بدء المفتشين. وتقع بغداد الى الشمال مباشرة من منطقة حظر الطيران جنوبالعراق والتي تجوبها طائرات أميركية وبريطانية. وانطلقت صفارات انذار من قبل في بغداد لدى قصف طائرات التحالف أهدافا عند مشارف منطقة الحظر. سترو: لا نبحث عن المواجهة ولكن لن نهرب منها في لندن أكد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو ان اهداف حكومته في العراق هي نزع اسلحة الدمار الشامل، و"وقف التعنت العراقي في عدم الخضوع لقررات الاممالمتحدة، ومنع بغداد من قمع مواطنيها". مشيراً الى ان "القرار 1441 يعبد الطريق امام حل سلمي لهذه القضايا"، مؤكداً انه اذا "انصاع الرئيس العراقي لتنفيذ هذا القرار بحذافيره فإن الحرب لن تقع". واضاف ان لدى صدام حسين خياراً، "لاننا نريد التعامل مع العراق بقوة القانون، وليس بقوة السلاح. ولكننا من جهة اخرى نعلم ان العراق لن ينصاع للقرار 1441 او غيره من دون تهديد حقيقي باستعمال القوة، ومن هنا ومع اننا لا نبحث عن المواجهة العسكرية والحرب، فإننا لا نهرب منها ولا نتجنبها". المعارضة تقلل من اهمية التفتيش وتواصل التحضير لما بعد صدام قلل مسؤولون في المعارضة العراقية أمس من اهمية استئناف المفتشين عملهم واعلنوا ان مؤتمر المعارضة العراقية المقرر عقده من 13 الى 15 كانون الاول ديسمبر سينظر في توحيد رؤيتها لمرحلة ما بعد صدام حسين. وقال احمد البياتي ممثل المجلس الاعلى للثورة الاسلامية معارضة شيعية ان "عودة المفتشين لن تغير من الامور شيئا" مضيفا ان النظام العراقي "رفض على مدى 12 عاما ان يدمر اسلحة الدمار الشامل التي في حوزته" مشيراً الى ان لدى حركته "تقارير ومعلومات كثيرة عن وجود هذه الاسلحة في العراق". وأضاف "نتوقع حدوث مواجهة عاجلاً ام آجلا مع المفتشين". من جهته اكد فيصل القرغولي المدير التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي تحالف معارضة عراقية في لندن ان العراق يملك اسلحة دمار شامل وقال "انها موجودة واستعملها النظام ضد الشعب العراقي". وأضاف القرغولي وهو من الحركة الملكية الدستورية برئاسة الشريف علي بن حسين "نريد تجنيب الشعب العراقي ويلات الحرب لكن هذا النظام الدكتاتوري يمارس سياسات تؤدي اليها". أما هوشبار زباري مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الديموقراطي الكردستاني فقال عن إستئناف عمل المفتشين "انه مجرد تنفيذ للقرار 1441 الذي وافقت عليه الحكومة العراقية" رافضا مزيد التعليق عن الامر. وأكد المسؤولون الثلاثة ان مؤتمر المعارضة العراقية سيعقد في لندن من 13 الى 15 كانون الاول ديسمبر للنظر في اوراق تتعلق بتصورات حول "الوضع في العراق بعد اطاحة النظام". وأوضح زيباري ان "57 تنظيما من المعارضة العراقية ستشارك في المؤتمر وستطرح رؤيتها المستقبلية بخصوص العراق وتوحيد الخطاب السياسي وتقدم تصورات للفترة الانتقالية وتبني جملة من المبادئ الديمقراطية". وأشار الى انه "من غير المطروح فكرة حكومة منفى ولا حكومة انتقالية بل هيئة تنسيقية" بين اطراف المعارضة. من جهته اكد القرغولي ان "الحكومة في المنفى مستبعدة والاقرب تشكيل ادارة انتقالية لفترة معينة ثم ينتخب الشعب العراقي من يمثله". أما البياتي فأكد انه تم الاتفاق على "ان المؤتمر لن يناقش فكرة حكومة في المنفى" معتبراً ان مناقشة هذه الفكرة "يعطي رسالة سلبية الى الداخل من خلال فرض حكومة من الخارج" معربا عن تأييده "تشكيل حكومة من الداخل والخارج بعد سقوط نظام صدام حسين". وحول الاختلافات التي راج انها تشق اطراف المعارضة العراقية وتهدد بتأجيل عقد المؤتمر قال البياتي انها كانت تتعلق بعدد المشاركين ومسألة حكومة المنفى ونسب المشاركين حيث ان "بعض الجهات مثل التركمان والآشوريين يقول ان نسبها ضئيلة". وأكد انه تم الاتفاق على ان يكون عدد المشاركين 300 وعلى رفض مناقشة حكومة المنفى وعلى الالتزام بنسب المشاركين المقررة في مؤتمر صلاح الدين لسنة 1992.