لندن - "الحياة" - عادت نذر المواجهة بين الحكومة والنقابات تخيم على الحياة السياسية في بريطانيا بعد انهيار المفاوضات، في اللحظة الاخيرة، بين نقابة رجال الاطفاء وممثلي الحكومة لتسوية نزاع في شأن زيادة الاجور. وبدأ 50 الفاً من الاطفائيين اضراباً لثمانية ايام، وحل مكانهم 19 ألف جندي مع شاحنات اطفاء عتيقة، ووضعت القوات المسلحة في حال تأهب. وتزامن هذا التصعيد في بريطانيا مع مؤشرات الى اضطرابات مماثلة في فرنساوايطاليا. اذ دعت اثنتان من اكبر نقابات سائقي الشاحنات في فرنسا الى إقامة حواجز على الطرق في ارجاء البلاد ابتداءً من ليل الاحد، على رغم استمرار مفاوضات في شأن زيادة الأجور. وفي ايطاليا، اغلق عمال شركة "فيات" محطة القطار الرئيسية في تورينو اول من امس وتظاهر آلاف آخرون احتجاجاً على قرار الشركة تسريح 8 آلاف عامل من وظائفهم. وفاقم اجواء التشاؤم والمخاوف من شتاء بريطاني طويل مثقل بالاضطرابات العمالية تصريح رئيس الوزراء توني بلير اثر عودته من قمة حلف الاطلسي في براغ بانه مستعد لمعركة مع رجال المطافئ الذين قال إنهم يعيشون في الماضي. وكان الناطق باسمه اتهم النقابة بابتزاز الحكومة وتوجيه مسدس الى رأسها. وتعيد المواجهة الحالية الى الذاكرة المواجهات التي دارت في مطلع ثمانينات القرن الماضي بين "السيدة الحديدية" مارغريت ثاتشر زعيمة حزب المحافظين والنقابات العمالية، وبشكل خاص مع نقابة عمال المناجم في 1984، وانتهت بهزيمة الاخيرة وتحجيمها وفرض قوانين صارمة تقيّد حق الاضراب. وكانت فترة اواخر السبعينات في بريطانيا ، التي عُرفت ب"شتاء التذمر" وسادتها اضطرابات عمالية، افضت الى هزيمة حزب العمال وبقائه بعيداً عن السلطة 18 عاماً. وعبّر بعض نواب حزب العمال ومسؤولون نقابيون عن قناعتهم بأن مستشاري رئيس الوزراء، بل ربما بلير بالذات، يتطلعون الى نزاع عمالي كبير كي يؤكدوا مؤهلاته "الثاتشرية" ورفضه الخضوع ل"ديناصورات" النقابات واملاءاتهم. واتهمت صحيفة "دايلي ميرور" الحكومة بأنها تريد "معركة حتى الموت" مع نقابة رجال المطافئ. لكن منتقدي الحكومة يعتقدون انها اخطأت اختيار الهدف وقللت من شأن قدرات زعيم النقابة آندي جيلكريست. كما ان حكومة بلير لا تبدو مهيأة للدخول في مواجهة حاسمة. ومن المؤشرات الى ذلك رفض الشرطة والجيش انتهاك الاضراب واقتحام صفوف رجال المطافئ المضربين او استخدام عربات الاطفاء الحديثة بدلاً من شاحنات الجيش. ووصف جون مونكس الامين العام لاتحاد النقابات البريطاني هذا الاضراب الذي يعد الأخطر منذ وصول حزب العمال الى السلطة في 1997، بأنه "نزاع بالغ الأهمية"، وحض كل النقابات على دعم رجال المطافئ. وأبدى استغرابه وتألمه من سلوك حكومة بلير وموقفها من النقابيين الذين يمثلون قاعدة الدعم التقليدية لحزب العمال. وكانت المفاوضات بين نقابة رجال المطافئ وممثلي اصحاب العمل انهارت صباح اول من امس بعد محادثات استمرت طوال الليل. واتهمت النقابة وزراء في الحكومة بإدارة "حكم ديكتاتوري"، واتهمت بشكل خاص جون بريسكوت نائب رئيس الوزراء بتخريب اتفاق تم التوصل اليه لتسوية النزاع. واتهمت الحكومة اصحاب العمل ب"التنازل" عن اقتراحات كثيرة تتعلق بشروط تحديث انماط عمال رجال المطافىء كجزء من اتفاق محتمل لزيادة اجورهم. وكانت النقابة طالبت بزيادة تبلغ 40 في المئة، ما يعني رفع الراتب السنوي الأساسي لرجل المطافئ إلى 31 الف جنيه استرليني. لكنها أبدت استعدادها للنظر في زيادة تبلغ 16 في المئة، وهو ما عرضه عليهم الجانب الآخر خلال الجولة الاخيرة من المفاوضات شرط ربط الزيادة بتغييرات في نمط العمل من شأنها ان تحقق توفيراً في الكلفة.