لكل رقعة جغرافية سماتها ولهجتها وأسماؤها. فالمكان يمتلك شخصية طاغية تؤثر في نمط سلوك سكانه ويحور كثيراً من العادات وفق خصائصه. وكم من الأمكنة كانت وبالاً على اصحابها وفي احيان اخرى تحولت نعمة. وجيزان كبقية رقاع العالم لها مؤثرات مكانية تطاول الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الأسماء تتأثر بالمكان وتصبح لكل رقعة جغرافية اسماؤها الأثيرة التي تتكرر عبر الزمن، إلا ان التواصل الثقافي بوسائله المتعددة احدث اثراً في ظهور اسماء جديدة لم تعرفها تلك الرقعة. والأسماء اول قرار يواجه ذوينا عندما نولد. وبعد ذلك يصبح الاسم حاملاً كل احلامنا وطموحاتنا. واستطاعت فيروز عبر اغنيتها "اسامينا" ان تلمس هذا القلق حين غنت: "اسامينا شو تعبوا اهالينا تالقوها شو افتكروا فينا الأسامي كلام شو خص الكلام عينينا هن اسامينا". يقول محمد مبروك من احد المسارحة: "كانت المنطقة تتأثر بالأحداث الكبيرة او الشخصيات المهمة. فأطلقنا على ابنائنا اسماء زعماء عرب، وكان نصيب الملك حسين وافراً والملك فيصل. وكذلك نسمي باسم من يتولى إمارة جيزان، أو احد التجار المشهورين". ولم تقف المنطقة على إطلاق الأسماء على الزعماء فقط، فقد نالت الشخصيات المحلية المعروفة كما يقول حسين مدخلي من قرية العارضة، مرتبة متقدمة من التسمية وكانت ثمة عادة ما زالت الى الآن سارية وهي السماية. والسماية هي ان تسمي مولودك على اسم شخص معروف او جار او قريب. وللسماية مكانة عالية في المنطقة فتغدو مهمة وتشكل نوعاً من انواع الترابط الذي يوجب في احيان كثيرة التزاماً اجتماعياً وأدبياً حيال من يسمى به. وكأي مجتمع مستقر، كان اهل المنطقة ينسبون كل شيء للأصل، وتعدى الأمر لديهم الى الأقمشة التي سميت بأسماء مغنيات أو أغان، وكذلك الذهب والنقوش مروراً بقصات الشعر. ويقول عبده ابراهيم من جيزان: "في السابق كنا نذهب الى المزين ونقول له نريد قصة الحسين وهي السوالف الممتدة الى الصدغ والتي كانت تمثل خروجاً عن عادات والمجتمع وربما كنا نلجأ الى التشبه بالملك حسين لنخرج من الوقوع تحت طائلة اللوم". ويضيف: "كل تلك الأشياء إما بقيت او اندثرت بما لها او عليها، لكن شيئاً واحداً قلب وجهه، وتغير غير مأسوف عليه. تصور ان تجد نفسك بعد مرور زمن طويل ولك اسم تسير به ويعرفك الناس من خلاله وتشكلت به وجدانياً وفجأة يتغير وتبدأ تتأقلم مع اسم جديد له سماته وبيئته البعيدة عنك، ومن تلك الأسماء التي اندثرت اسم "شوعي". ومن كان اسمه "شوعي" وجد نفسه اليوم ينادى باسم آخر. لم اصل الى تحديد سبب معين لتسمية اسم شوعي بدقة في المنطقة او من اين جاءت التسمية. فالبعض يرجّح، ومنهم عبدالله خوجلي وصالح جبريل، ان الاسم جاء مع الثورة البلشفية وامتدادها جنوب الجزيرة العربية كإيديولوجيا. وكعادة اهل المنطقة اطلق بعضهم على ابنائهم اسم شوعي من شيوعي من دون وعي بماهية تلك الإيديولوجيا او معرفة خطها العسكري. فقط مجرد اسم. هذا التفسير لم يكن محبذاً لدى آخرين تحدثنا إليهم عن مسمى "شوعي". وربما كان رأي عبده بن حسين معافي اقرب الى الصحة ويقول ان ثمة قوارب كانت تمخر البحر بقوة وهي كبيرة وكان يطلق عليها صفة شوعي ومنها جاءت التسمية وتكاثرت. التقيت بشوقي محمد غامري وكان اسمه في السابق شوعي محمد غامري وسألته: منذ متى غيرت اسم؟ - منذ عشر سنوات. لماذا؟ - كنت صغيراً ولا أعرف السبب. اي الاسمين تحب؟ - شوقي. لماذا؟ - شوعي كان اسماً يجلب الخجل. لماذا؟ - هكذا كنت اشعر. ألا تجد ان شوقي غريب عليك ايضاً؟ - تعودت عليه. ألا تشعر بخجل من اسم شوقي؟ - لا لا، بل أفتخر به. لماذا؟ - لأنه اسم جميل. ويرى شوقي حسن ان تغيير اسمه جاء وفق قرار. واختيار شوقي بالذات يأتي لتقاربه مع اسم شوعي ويسهل معه تغيير الأوراق الرسمية. وبخبث او بحسن نية تحدث عبدالله مقبول منتقداً تغيير هذا الاسم قائلاً: "طيب لو كان لي اخ أو أب اسمه شوعي ومات ورغبت ان أتذكره فهل اقول المرحوم شوقي بدلاً من شوعي". واختتم قوله بجملة باترة: "الاسم من حق الشخص وحده". ويقول شوعي مبارك او شوقي مبارك ان اسمه الجديد اكثر اناقة ويتناسب مع العصر الذي يعيشه الآن، بينما كان اسم شوعي مقبولاً في السابق لدى كبار السن. ويتحسس شوقي زمن اسمه الجديد ويقول: "شكلي الخارجي لا يتناسب مع مثل هذه الأسماء، فشوقي غالباً ما يكون ابيضاني ووسيم وشعره اشقر". ومد يده باتجاه هيئته: "وأين هذه الهيئة من هذا الاسم... انا كان يسموني اسماً يليق بي". سألته "مثل ماذا؟"، فأجاب: "اي اسم إلا شوقي". انطلقت ضحكة من الجميع ومضيت اردد: "اسامينا شو تعبوا اهالينا تالقوها شو افتكروا فينا".