اخفقت الولاياتالمتحدة حتى الآن في اقناع جماعات المعارضة العراقية بتوحيد كلمتها في شأن مستقبل العراق. لكن مع اقتراب موعد الضربة الاميركية المحتملة، الأرجح ان تضاعف واشنطن جهودها لعقد مؤتمر عراقي مماثل للمؤتمر الذي عقدته اطراف المعارضة الافغانية في المانيا قبيل بدء الحرب الاميركية ضد حركة طالبان وشبكة القاعدة بأسبوع. هذا في حال حدوث تأجيل آخر للمؤتمر المزمع عقده في بروكسيل في الثلث الاخير من الشهر الجاري. فالاميركيون الذين لم يدخلوا حرب افغانستان قبل ترتيب البيت الداخلي الافغاني، لا تبدو عليهم علامات الاستعداد لخوض حرب هدفها اطاحة نظام الرئيس صدام قبل ضمان توافق داخلي عراقي حول مستقبل البلاد. في هذا الاطار، يصح الترجيح ان الادارة الاميركية ستشرع في ممارسة ضغوط اكبر على جماعات المعارضة العراقية لاقناعها بحل خلافاتها الاساسية والجلوس الى مائدة واحدة، في بروكسيل او غير بروكسيل، في مدة اقصاها الاشهر الثلاثة المقبلة، اي قبيل انتهاء المهل التي حددها القرار الجديد الصادر عن مجلس الامن للعراق. بهذا المعنى يمكن القول ان الادارة الاميركية ترى سهولة القضاء على النظام العراقي الحالي خصوصاً ان العقوبات الدولية انهكت قدرات العراق العسكرية والاقتصادية والمالية والسياسية. لكن الارجح انها لا تزال تعتقد بصعوبة ضبط الاوضاع الداخلية في العراق في حال انهيار نظامه الراهن. فالعراق لا يعيش وضعاً سياسياً معقداً ومربكاً ومشوشاً فحسب، بل يعيش وضعاً داخلياً، اثنياً ودينياً ومذهبياً، شديد التعقيد. والدليل، بحسب اوساط اميركية غير رسمية، اعمال العنف المذهبية العنيفة التي رافقت احداث الانتفاضة في جنوبالعراق ربيع عام 1991. من دون شك، شكلت الدول الاقليمية المحيطة بالعراق طوال السنوات العشر الماضية مصدراً اساسياً لتهديد الاستقرار الداخلي العراقي في حال نشوب حرب اميركية واسعة. فالايرانيون أملوا في التدخل عبر القناة المذهبية. والسوريون تطلعوا الى التدخل عبر القناة الحزبية البعثية. كما ركز الأتراك اهتمامهم على الشمال الكردي، ملمحين بين فترة واخرى الى الاوضاع السيئة للاقلية التركمانية. هذا اضافة الى تلميحات غير رسمية اردنية لم تخل من طموحات هاشمية في استعادة عرش العراق. لكن مع هذا تمكن الاميركيون خلال الاعوام القليلة الماضية من ضبط الحالة الاقليمية. فالأتراك الذين حلموا بنفوذ في شمال العراق تخلوا، او على الاقل صمتوا، ولم يعودوا يلوحون بإحتمال تدخلهم في شمال العراق في حال وقوع الحرب الاميركية المرتقبة. الى ذلك، بدأوا بتحسين علاقاتهم مع الاحزاب الكردية في اشارة الى رغبتهم في حفظ حسن العلاقات مع العراق المستقبلي في ظل التطورات المحتملة. كذلك بدأ الايرانيون بإعطاء انطباع مغاير لما كانوا يصرحون به في السابق. اذ تخلوا عن التلويح باحتمال قيام الاميركيين بتأسيس دولة كردية في شمال العراق. كما اكدوا لمسؤولين غربيين زاروا طهران خلال الاشهر الثلاثة الماضية، في مقدمهم وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، انهم ليسوا في صدد التدخل لا لصالح النظام العراقي ولا ضده في حال وقوع الحرب. كذلك الحال مع السوريين والاردنيين وبقية الدول. وكان لافتاً تكرار كبار المسؤولين الاردنيين انهم لا يتطلعون الى اي نفوذ هاشمي في بغداد. مع هذا كله، ظلت الخشية كبيرة لدى واشنطن وغير واشنطن، من احتمال تطورات غير محسوبة النتائج في داخل العراق نفسه. فالخطر لا ينبع فقط من طموحات وتدخلات اقليمية، بل ينبع بدرجة اكبر من عوامل وتفاقمات داخلية عراقية. والواقع ان الاميركيين بذلوا جهداً كبيراً لضمان الحصول على وعدين رئيسيين من جماعات المعارضة العراقية خلال العام الماضي. خصوصاً من ممثلي القوى الاساسية كالاكراد والجماعات الاسلامية الشيعية: الاول ان هذه الجماعات، لن تقدم على اي تحرك مسلح يعكر صفو الخطط الاميركية. والثاني انها تلتزم بحوار سياسي، وديموقراطي في بنيانه السياسي والثقافي. وخال من عناصر الفوضى والصراعات المسلحة. في ما يتعلق بالنقطة الاولى. لم يشعر الاميركيون بصعوبة كبيرة في اقناع جماعات المعارضة العراقية بالتزام جانب الهدوء والسكينة في حال نشوب الحرب. وما سهل هذا الامر، ان العراقيين تعبوا من الحروب والصراعات، وتلقوا في حينه درساً قاسياً من انتفاضة ربيع عام 1991. ما يرجح عدم استعدادهم لتكرار تلك الاحداث، خصوصاً ان الولاياتالمتحدة أكدت عزمها في هذه المرة على اطاحة النظام من دون التخلي عن هذا الهدف في منتصف الطريق كما فعلت في عام 1991. لكن مع هذا، تظل واشنطن، على الاقل حتى الآن، عاجزة عن اقناع جماعات المعارضة العراقية لا بالتعاون معها، بل بالتعاون في ما بينها وعقد مؤتمر مشترك لمختلف اطرافها للبحث في مستقبل العراق. وما زاد من تعقيد الصورة ان الولاياتالمتحدة لم تفصح عن خططها في شأن مستقبل العراق، سوى اشارات الى ان واشنطن تأمل في مستقبل ديموقراطي للعراق. خلاصة القول ان واشنطن نجحت الى حد لافت في تليين عريكة الدول الاقليمية واقناعها بالابتعاد عن فكرة استغلال الضعف العراقي في حال سقوط النظام الحالي في اتجاه التدخل في شؤون العراقيين. لكنها لم تنجح في ما تصورته هيناً: اقناع العراقيين انفسهم بصياغة نظرة موحدة ومشتركة حيال مستقبل بلدهم. لكن مع هذا، الارجح ان تشرع واشنطن في مضاعفة جهودها لاستكمال عناصر النجاح على هذا الصعيد مع اقتراب موعد حربها المحتملة. فالحرب ضد صدام حسين قد تكون من دون معنى اذا لم تتجه واشنطن الى ضمان دعم داخلي عراقي، على الاقل لجهة اتفاق العراقيين على المستقبل الذي يريدونه لبلادهم بعد الحرب. لكن هل يؤكد العراقيون انهم لا يقلون عن الافغان في شعورهم بضرورة المشاركة الايجابية لا في صفحات الحرب، بل في اعادة بناء بلادهم على مختلف الاصعدة بعد الحرب؟ الاشارات لا تزال متناقضة. * كاتب كردي عراقي.