خارج النص: الى شريهان قالت: ما طعم المشهد التلفزيوني في رمضان في غياب قطته المدللة شريهان. سحر العيون، قصص ألف ليلة وليلة، فزورة، فضاء الاحلام والبهجة في الزمن الصعب. فتنة المرايا وعظمة الديكور، ايماء الملابس وبديع الاكسسوارات، في قالب من الجمال بعد يوم من الصوم والتعفف. ما طعم المشهد التلفزيوني في غياب قطته المدللة وفوازيره المتلألئة ونجمته شريهان... هناك خلف جدران بلورية صماء، وطقس باريسي بارد، ترقد شهرزاد القرن العشرين. اقعدتها الفاجعة وألزمتها المحنة الاسرة البيضاء وأسلمت الجسد لمباضع الجراحين وعقاقير المورفين. وندعو ان تعود الى سيرتها الاولى وعملها لأن الشاشة الصغيرة بدت مختلة، تغيم عليها ظلال يتم في غياب لذة الفرجة على رغم ان الذاكرة ما زالت عابقة بالصور ومتعة المشهد وعظيم الامتنان لسيدة اعطت من روحها، واكسير اعصابها ومقدراتها الجسمانية والنفسية ليسعد الآخرون من المحيط الى الخليج. تتمطى الفضائية التونسية "تونس 7" في نومها طويلاً، تندثر بالغطاء الى ساعة صلاة الضحى لتبدأ ارسالها الرمضاني مع العاشرة صباحاً. غادرتها "نسمة الصباح" وإطلالة اليوم الجديد مع الاعلامية رعد حمادي في السابعة صباحاً، ومشوار مساء الاحد الطويل مع سيدة التلفزيون التونسي في عقد التسعينات من القرن الماضي هالة الركبي ما بين اسئلة المجتمع وفضاءات التنشيط. ولتضفي اطلالة الشهر الكريم مشهداً اكثر اتزاناً تغلب عليه روح الشرق وعالم الرجال، تحفظ قيم الحداثة في الدرج وأرشيف التلفزيون وتغمر الجميع مسحة من التدين وعشق لا محدود للمحلية التونسية. يعود التونسي في رمضان سريعاً، وتنقطع الحركة بالمطلق بين أذان الافطار وصلاة العشاء. صار هنالك تقليد محلي وعادة تونسية رمضانية تراكمت عبر السنين، فيتصالح التونسي مع فضائيته في شهر رمضان ويغادر المحطات الاخرى ليكتشف ذاته، ذاكرته ووجوه اليومي على شاشة التلفزيون. وينتج ابطاله وبطلاته ونجمات الايام المقبلة ومتمتعاً بروح التندر والفكاهة بمشهد او بكلمة طريفة او شخصية استثنائية. بقي غوار الطوشة في البال، عاد ياسين بقوش هذا العام من المطبخ، أدمت شريهان ورفيقاتها التونسيات بطلات الفوازير المحلية من عايدة بو بكر الى ريم الريامي افئدة عدة، وأوحشت قلوب نساء خفن على ازواجهن... ولا يزال التوانسة يتندرون "بسطيش" ويعشقون "نعيمة الكحلة"... التقط التلفزيون قصة العشق فتمركز الانتاج التلفزيوني والمشهد الدرامي التونسي حول 30 يوماً في الشهر. تقول سعاد سليمان رئيسة دائرة الانتاج الدرامي في الفضائىة "تونس 7" ان التلفزيون التونسي ينتج في العام 5 مسلسلات وفيلمين باعتمادات اجمالية تقدر ب10 ملايين دينار. ويقع الاختيار على اهم عملين دراميين لعرضهما في شهر رمضان. وتضيف ان الفضائية التونسية راهنت في رمضان 2002 على الانتاج المحلي الذي بلغت نسبته 83 في المئة، اما الانتاج المستورد فيمثل 17 في المئة. وحرصت الفضائىة على اقتناء الاعمال التي تبث للمرة الاولى والتي تتميز بجودة مضمونها وحرفيتها الفائقة وأبرزها مسلسل "اين قلبي" المصري "وعمر الخيام" السوري من اخراج التونسي شوقي الماجري. ويتجاوز سؤالنا هنا، واقع الدراما التونسية او تقويم الفضائية التونسية في مشهدها العام في شهر رمضان ليبحث عن خط نون النسوة وصورة المرأة في الانتاج التلفزيوني في شهر الخير لعام 2002. غابت مواعيد مهمة وأصوات ووجوه ألفها وأحبها التوانسة ابتهالات ياسمين الخيام وأكلات سيدة المطبخ التونسي جميلة بالي وفوازير البعجات الثلاث عايدة ابو بكر وهاجر السيستي وريم الريامي... صار التلفزيون اكثر رجالية. فنسمة صباح النسائية عوضها برنامج نسمات رمضانية من تقديم ناجح الميساوي وفقرة الطبخ فيه اضيف للمشهد فيها رجل مساعد... بل ان الفضائىة "تونس 7" فقدت هذا العام امتيازاً غاب عن كل الفضائيات العربية المنافسة بعدما قدمت في رمضان الماضي سيدات، عالمات ومتخرجات من جامعة الزيتونة العريقة، قدمن دروساً في الوعظ والارشاد وتناوبن على تقديم برنامج نفحات من رمضان الذي يسبق عادة أذان الافطار. قالت ابنتي في الحاح "عمر... عمر..." لم افهم قصدها في البدء، ولكن والدتها احالتنا على مسلسل محلي شد الانتباه بعد حلقاته الاولى "فرحة عُمر" بطولة كوثر الباردي وجلال الدين السعدي واخراج سلمى بكار. كتب بعض نقاد التلفزيون اعجاباً. اذ بدا متقناً فنياً وحدثياً يتناول اصعب مشكلة تواجهها شبيبة اليوم في تونس الزواج والاستعداد للعرس... واذا اجتمعت التقنية وحساسية الموضوع مع الكوميديا تصبح هناك دعوة ملحة الى المشاهدة في حضور مهيب للمثلة كوثر البادري التي جعلت السمنة والبدانة محببين في عقول التونسيات ومخيلة الرجال... لا شك في ان دراما "قرية سيدي محروس" استحوذت الجزء الاوفر من اهتمامات التوانسة وأحاديث المقاهي وسهرات العائلات بعد الافطار. ويقدم المسلسل صورة شاملة لشرائح المجتمع التونسي في الفترة ما بين الحرب العالمية الاولى واعلان الاستقلال وهي مرحلة مهمة شهدت تشكل الوعي الوطني بوضوح في ظل الاحداث والمتغيرات... تبدو المرأة هنا تائقة للحرية والانعتاق ورافضة لواقع الخنوع والاستسلام للجهل والفقر والمرض. بعثت "قرية سيدي محروس" باشارات قوية ورسالة واضحة على انتصار التوانسة لمحور الخير والحلفاء في حربهم ضد الالمان. وتوقفت طويلاً عند ذلك. لم تغادر الدراما التونسية التاريخ وصورها التقليدية "للبدوي في العاصمة". وبدت مطمئنة الى محليتها الجميلة. يقول عميد المحترفين التلفزيونيين في تونس حمادي عرافة: "إن المشاهد التونسي يرفض مشاهدة صورته الواقعية والحقيقية والرقابة كذلك...". عندما يصبح الاحتماء بالتاريخ اقوم الممالك لمعرفة احوال الممالك.