في وقت واصلت الولاياتالمتحدة استعداداتها للحرب على العراق، وسط معلومات عن حشد "قوات هائلة" للزحف على بغداد، انتقد مسؤولون أميركيون مواقف أوروبية، لا سيما تلك الصادرة من باريسوبرلين، تُعارض ضرب نظام الرئيس صدام حسين. وأخذ هؤلاء على الأوروبيين "افتقاد التوجه الأخلاقي" في التعامل مع بغداد. وخرجت الكنيسة الكاثوليكية الأميركية بموقف بارز داعية الرئيس جورج بوش الى "ايجاد بديل من الحرب". واشنطن، نيويورك، لندن، برلين - رويترز، ا ف ب، ا ب - قال خبراء ان نشر الولاياتالمتحدة 250 الف عسكري في العراق، طبقاً لخطة نشرتها وسائل الاعلام الأميركية، هدفه حشد قوات هائلة للسيطرة على بغداد واطاحة الرئيس صدام حسين في حال مقاومته عمليات التفتيش التي تقوم بها الاممالمتحدة. وذكرت وسائل الاعلام الأميركية ان الخبراء الاستراتيجيين الذين كانوا في السابق وضعوا تصوراً لقوات يقل عديدها عن مئة الف رجل، عادوا الى فكرة هجوم كثيف واقرب الى العمليات التقليدية لشل حركة عدو يشتبه بامتلاكه اسلحة دمار شامل. وتقضي الخطة الجديدة، خلافاً لحرب الخليج التي بدأت بحملة طويلة من عمليات القصف الجوي استمرت 43 يوماً قبل تدخل القوات البرية، بنشر قوات في العراق في ثلاث نقاط - الغرب والشمال والجنوب - بالتزامن تقريباً مع الغارات الجوية الاولى. وقال الجنرال المتقاعد وليام اودوم ان "الدرس واضح: اذا تقدمنا بعدد كاف من دبابات "ام-1" فإننا سنخترق القوات العراقية بنجاح ... واذا حاولنا من دونها فإن الشكوك في نتائج الحرب ستزيد بسرعة والمخاطر ستزيد". ورأى خبراء ان العسكريين الذين كانوا يدافعون عن استخدام القوة الجوية ووحدات برية، خسروا على ما يبدو بعد مناقشات استمرت شهوراً، امام المؤيدين لقوات برية أكبر من اجل ضمان الانتصار على الارض. وكانت الولاياتالمتحدة حشدت 500 الف رجل في حرب تحرير الكويت في 1991. لكن نصف هذه القوات يكفي اليوم خصوصاً لأن الطائرات العسكرية الاميركية تسيطر اصلاً على المجال الجوي في شمال العراق وجنوبه وتقوم يومياً بمهمات مراقبة. وعلى رغم المضادات الجوية العراقية التي ما زالت ناشطة، لم يفقد الاميركيون أي طائرة بطيار حتى اليوم. كذلك أُدخلت تحسينات على الاسلحة والذخائر الاميركية منذ 1991 ليصبح بالإمكان اليوم استخدام القاذفات الخفية "بي-2" والقنابل الموجهة بالاقمار الاصطناعية لتدمير الملاجئ، وطائرات من دون طيار مزودة بالصواريخ يمكن ان تحلق لساعات. وخلافاً للحرب التي جرت قبل 12 عاماً، سيقاتل نظام الرئيس صدام حسين ليس من أجل الاحتفاظ بأرض غزاها بل من أجل بقائه. لذلك يخشى بعض الخبراء من ان يستخدم اسلحة للدمار الشامل ضد القوات الاميركية واسرائيل. ويمكن للولايات المتحدة، بنشرها منذ بداية النزاع قوات في غرب العراق، ان تستبعد اي استخدام لصواريخ سكود ضد اسرائيل. وبتوجهها الى بغداد انطلاقاً من الشمال والجنوب يمكن ان تمارس القوات الاميركية اقصى حد من الضغط على النظام العراقي بينما تركز الطائرات الأميركية هجماتها على مراكز الاتصالات والقيادة والقصور الرئاسية والمواقع العسكرية. وفي خطوة غير معتادة، عين الجنرال جيم ولكنسون الذي سيقود أي حرب اميركية على العراق، مسؤولاً في البيت الابيض ليكون مديراً للاتصالات بالقيادة المركزية للجيش الاميركي. ويأتي تعيين ولكنسون، وهو مساعد خاص للرئيس جورج بوش ونائب مدير الاتصالات في البيت الابيض، في وقت تعكف فيه وزارة الدفاع الاميركية على وضع خطط طارئة للحرب ضد العراق. واعلن الجنرال تومي فرانكس قائد القيادة المركزية من مقره في تامبا في ولاية فلوريدا، تعيين ولكنسون الذي قال بدوره في تصريح الى "رويترز": "هذه مهمة جديدة تنطوي على تحديات. إنني سعيد بأن أكون عضواً في فريق فرانكس". وامتنع عن الادلاء بمزيد من التعقيب. والقيادة المركزية وعلى رأسها فرانكس هي المسؤولة عن العمليات الحربية في الخليج ومنطقة الشرق الاوسط. وقاد ولكنسون فريق الاتصالات الدولي للبيت الابيض في الحرب على الارهاب بما في ذلك انشاء مراكز معلومات للائتلاف في واشنطنولندن وباكستان وافغانستان، كما تولى ايضا مجموعة واسعة من المبادرات الرئاسية الاخرى. وهو زار في وقت سابق من العام الجاري المغرب لادارة سلسلة من الندوات لمجموعة واسعة من الاحزاب السياسية المغربية في اطار المسعى الديموقراطي الوليد الذي اجازه الملك محمد السادس. الكنيسة الأميركية تُعارض الحرب وطلب المؤتمر الكاثوليكي للاساقفة الاميركيين أمس من الرئيس جورج بوش ومن العالم "مواصلة العمل بالحاح على ايجاد بدائل للحرب" على العراق. ورأى الاساقفة والكرادلة الاميركيين المجتمعين في واشنطن ان "حرباً ضد العراق يمكن ان تكون لها انعكاسات غير متوقعة ليس فقط بالنسبة الى العراق بل بالنسبة الى السلام والاستقرار في الشرق الاوسط ايضاً". ورأوا ان "استعمال القوة يمكن ان يتسبب بالذات بالاعتداءات المطلوب تجنبها". وعبر الاساقفة الاميركيون كذلك عن قلقهم ازاء "الثمن الباهظ" الذي سيترتب على الشعب العراقي نتيجة الحرب، مشيرين الى ان هذا الشعب "عانى كثيراً من الحرب والقمع والحصار". وقالوا ان "تقديرنا لهذه المسائل يقودنا الى ان نطلب بالحاح ان تتابع بلادنا والعالم البحث عن بدائل للحرب ... نصلي كي يجد قادتنا الحكمة ووسائل التراجع في مواجهة هوة الحرب". انتقاد أميركي لأوروبا واتهم ريتشارد بيرل، المستشار البارز لوزارة الدفاع الاميركية البنتاغون، أمس الاربعاء اوروبا بافتقاد التوجه الاخلاقي في معاملاتها مع الرئيس صدام حسين. وشن بيرل الذي يرأس مجلس مراجعة السياسات في البنتاغون، الهجوم على فرنسا والمانيا لرفضهما مساندة اقتراحات اميركية لتوجيه ضربة عسكرية الى العراق. ونقلت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية عنه: "اعتقد ان اوروبا فقدت بوصلتها الاخلاقية". وأضاف: "كثير من الاوروبيين يسيطر عليهم هاجس العنف حتى انهم اصبحوا لا يلاحظون مع من يتعاملون". وخص بيرل، وهو قوة محركة خلف الحملة الرامية لاطاحة الرئيس صدام، المستشار الالماني غيرهارد شرودر بأقوى الانتقادات قائلاً: "ان يقول المستشار الالماني انه لن يشارك في أي عمل ضد صدام حسين حتى اذا وافقت عليه الأممالمتحدة فإن هذا موقف انعزالي". وفي ما يتعلق بفرنسا وهي منتقد قوي آخر للحرب ضد العراق، قال بيرل: "إنني أرى مناورة ديبلوماسية لا موقفاً اخلاقياً قوياً". واشار بيرل الى أن ايران وسورية وكوريا الشمالية، ربما يتعين الاهتمام بها بعد العراق. واضاف: "لا يمكن عقد صفقة مع هتلر ولا يمكن عقد صفقة مع صدام حسين او كوريا الشمالية". غاز الخردل في غضون ذلك، اعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها ازاء المعلومات التي تناقلتها وسائل اعلام عن طلب العراق من شركة تركية أكثر من مليون جرعة من مادة الاتروبين التي تشكل مضاداً لغاز الخردل. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الاميركية ان واشنطن "قلقة" ازاء هذا الطلب الذي يشمل 25،1 مليون جرعة والذي سلم الى الاممالمتحدة. وأضاف ان واشنطن بحثت في هذا الموضوع مع انقرة، موضحاً ان طلبات أخرى من المادة نفسها قد تُسلم الى دول أخرى. وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت الثلثاء عن مسؤولين كبار في ادارة الرئيس بوش ان العراق طلب من خلال شركة تركية الحصول على كميات كبيرة من مادة الاتروبين، التي تشكل جرعة مضادة لغاز الخردل، وان الولاياتالمتحدة تضغط على الشركة المذكورة حتى لا تنفذ العقد. وقال احد المسؤولين: "اذا استخدم العراقيون غازات الاعصاب فلا بد لهم من اتخاذ اجراءات لحماية جنودهم وكذلك شعبهم، وهذا أمر يقلقنا الى اقصى حد". والاتروبين المستخدم بجرعات منخفضة في علاج امراض القلب، مادة فعالة جداً في محاربة تأثير غازات الاعصاب مثل غازي "سارين" و"في اكس". ويقول احد المصادر ان العراق طلب ايضاً جرعات مضادة اخرى لاسلحة كيماوية. وفي هذا الإطار، قال وزير الخارجية كولن باول رداً على سؤال في ختام اجتماع عقده مع الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان ان الاتروبين مادة "ذات استخدام مزدوج" عسكري ومدني، الا ان استخدامها "الاساسي" هو كجرعة مضادة ضد بعض الغازات السامة. وقال ان واشنطن اتصلت "بكل طرف يمكن ان يكون المزود" لهذه المادة، موضحاً انه يفضل عدم التكهن بسبب قيام العراق بتقديم هذا الطلب عبر الاممالمتحدة وهو الأمر الذي من الطبيعي ان يلفت الانظار. وأضاف: "اعتقد ان الرسالة التي استخدمناها قبل اعوام... لا تزال جيدة ... اعتقد انهم يفهمون ان استخدام اسلحة من هذا النوع سيستدعي رداً بالطريقة الأكثر جدية". وأشاد باول، في غضون ذلك، بالأممالمتحدة قائلاً انها "اثبتت وجودها" حين صوتت بالاجماع على القرار الخاص بالعراق.