أكدت مصادر صحافية إسرائيلية مطلعة أن وراء تقديم موعد زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون لواشنطن من تشرين الثاني نوفمبر إلى منتصف الشهر الجاري، سعي الإدارة الأميركية إلى لجم إسرائيل وتكبيل يديها مسبقاً ومطالبتها بكل وضوح بأن تبقى خارج صورة الحرب الأميركية المحتملة على العراق، في مقابل تعهد أميركي حماية أجواء الدولة العبرية وامدادها ببطارية إضافية لصواريخ "باتريوت" المضادة للصواريخ بعيدة المدى بهدف تحسين نظام دفاعها الجوي. وكتبت مراسلة صحيفة "يديعوت أحرونوت" في واشنطن أن شارون سيحظى بملاطفة حارة وعلنية من الرئيس جورج بوش تقديراً لامتثاله لطلبه سحب جيش الاحتلال من محيط مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله وعدم اعاقته التحضيرات الأميركية للضربة العسكرية على العراق. وتابعت: "واشنطن ستعانق شارون بحرارة وفي موازاة ذلك ستضغط عليه بقوة وتوضح له على نحو لا يقبل التأويل أن الحرب على العراق ليست حربه، وان المطلوب منه ضبط النفس ومن وزرائه الكف عن الثرثرة". وتحت عنوانها الرئيسي على عرض صفحتها الأولى "الولاياتالمتحدة للإسرائيليين: كفوا عن الثرثرة"، كتبت الصحيفة ان الولاياتالمتحدة أبلغت تل أبيب غضبها من تصريحات أركانها عن موعد الهجوم المتوقع والأضرار المترتبة عنها "إذ فضلاً عن ان الثرثرة عن الموعد تشوش على عنصر المفاجأة، فإن العالم يوليها اهتماماً بالغاً لاعتبار إسرائيل حليفة الولاياتالمتحدة". خطة تنسيق الهجوم وتكشف الصحيفة تفاصيل "تنسيق الهجوم بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل" وفي مقدمها ابلاغ واشنطن تل أبيب بموعد الهجوم قبل 72 ساعة من بدايته وفتح خط ساخن بين بوش وشارون وتزويد إسرائيل، عبر قطار جوي، العتاد العسكري وتشكيل طاقم مشترك لتنسيق الهجوم ساعة حصوله. ويقضي التنسيق أيضاً بأن تضع الولاياتالمتحدة تحت تصرف إسرائيل أقمارها الاصطناعية للتجسس لرصد الصواريخ العراقية التي قد تطلق باتجاه إسرائيل. كما أبدت واشنطن استعدادها لإمداد إسرائيل ببطارية صواريخ "باتريوت" وعتاد عسكري آخر يتم تخزينه في القواعد العسكرية الإسرائيلية. وبموجب التفاهمات تلتزم إسرائيل، اذا قررت الرد على هجوم عراقي، ابلاغ واشنطن مسبقاً بنيتها. وذكّرت الصحيفة بتعهد الولاياتالمتحدة أمام إسرائيل تدمير منصات صواريخ "سكود" غرب العراق وقصف المطارات التي تحط فيها طائرات من دون طيار قد يحملها العراق أسلحة كيماوية لقصف أهداف إسرائيلية. وتابعت أن تل أبيب التزمت مقابل ذلك وضع مجالها الجوي تحت تصرف الولاياتالمتحدة فضلاً عن منحها حق استعمال قواعدها العسكرية ومستودعات الأسلحة. وقالت الصحيفة إن الرئيس الأميركي سيطالب ضيفه بالامتناع عن تصعيد العمليات العسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل والعمل على تهدئة هذه الجبهة لتمكينه من حشد دعم الدول العربية المعتدلة لمخططه العسكري ضد العراق، كما سيطالبه بسلوك مماثل على الحدود اللبنانية. وكتبت صحيفة "هآرتس" ان تل أبيب بلّغت واشنطن أنها لن ترد بشكل اوتوماتيكي على أي قصف عراقي، وان الرد مرهون بحجم هذا القصف ونتائجه "أي أنها سترد اذا شعرت أنها ملزمة الدفاع عن نفسها، أي اذا أوقع القصف خسائر كبيرة في الأرواح". ورأى المعلق السياسي في الصحيفة الوف بن ان استدعاء شارون إلى واشنطن على عجل يؤكد أن الإدارة الأميركية استخلصت نتائج حرب الخليج الأولى وقررت لجم إسرائيل مسبقاً لتبلغها طلباً واضحاً أن تترك المهمة للأميركيين. وتابع ان شارون ووزراءه الذين أكثروا في الأشهر الأخيرة في تهديد العراق "للحفاظ على هيبة الردع الإسرائيلية" أدركوا أخيراً الواقع القائل إن لا دور لإسرائيل في الحرب الأميركية لتدمير أسلحة الدمار الشامل وتغيير النظام في دولة متطرفة. وينقل الكاتب عن مصدر سياسي رفيع المستوى تقديراته ان الولاياتالمتحدة ستقترح على إسرائيل "مظلة" وتعلن انها ستعتبر هجوماً عراقياً على الدولة العبرية بمثابة هجوم عليها يستوجب الرد المناسب. ويتابع الكاتب ان شارون سيجد نفسه مضطراً لترك الشأن العراقي للولايات المتحدة "لكن السؤال الذي يبقى مفتوحاً كيف سترد إسرائيل على استفزاز فلسطيني أو من حزب الله؟". ويقول إن مدير مكتب شارون أوضح لمستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض كوندوليزا رايس ان إسرائيل سترد على أي عملية مسلحة وان الإدارة الأميركية تتفهم ذلك لكنها تطالب بأن يبقى الرد "في إطار المعقول". ويلفت الكاتب إلى أن شارون يصل إلى واشنطن "في وقت مريح" وعشية الانتخابات النصفية وايلاء المتنافسين أهمية كبرى للصوت اليهودي. ويتابع ان بوش سيستقبل، جرياً على عادته، ضيفه بحفاوة بالغة و"بدلاً من أن يمارس الضغوط عليه، فإنه سيحيطه بوعود بحماية إسرائيل ودعمها على نحو يكبل يديها"، وسيبرر شارون خضوعه بالقول ان من غير الممكن قول "لا" للأصدقاء. واستبعدت مصادر سياسية رفيعة المستوى في تل أبيب أن يطالب بوش رئيس الحكومة الإسرائيلية بسحب جيش الاحتلال من الضفة قبل اطلاق هجومه على العراق، وأنه سيكتفي بمطالبة تجنب التصعيد العسكري وباتخاذ خطوات رمزية مثل الافراج عن الأموال المستحقة للفلسطينيين من العائدات الضريبية. وأضافت ان لا داعي لقلق إسرائيلي من احتمال قيام الولايات بعقد مؤتمر دولي للسلام بعد الانتهاء من الحرب على العراق، على غرار ما حصل بعد الحرب الأولى، مشيرة إلى أن الولاياتالمتحدة تشارك إسرائيل رأيها في "خطورة الإرهاب العربي" ولا تعتقد أنها عامل عدم الاستقرار في المنطقة، كما أنها لم تلتزم أمام الدول العربية، كما حصل قبل 11 عاماً، معالجة الملف الفلسطيني - الإسرائيلي، ولم تربط بينه وبين الملف العراقي. وأنهت أن واشنطن وتل أبيب متفقتان في شأن اشتراط التقدم على المسار التفاوضي بوقف "الإرهاب"، وان خطاب بوش في حزيران يونيو الماضي يشكل أساساً لأي تقدم. وفي ظل هذه الأجواء المريحة إسرائيلياً، بحسب مصادر في ديوان شارون، طلب الأخير من وزرائه في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية أمس وقف الادلاء بتصريحات تتعلق بالشأن العراقي، وتحديداً حول موعد الضربة الأميركية المتوقعة. وأضاف انه سبق لواشنطن ان وجهت لتل أبيب طلبات عدة بهذا الصدد. نشر صواريخ مضادة للصواريخ في إسرائيل وفي واشنطن أ ف ب، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس ان اسرائيل تنشر حالياً على أراضيها نظاماً جديداً للدفاعات المضادة للصواريخ لحماية تل ابيب ومدن اخرى من أي هجمات محتملة يشنها العراق بصواريخ "سكود". وأضافت ان اسرائيل ستصبح اول دولة في العالم تحظى بحماية نظام من هذا النوع على هذا النطاق الواسع ما ان يصبح النظام قابلاً للتشغيل، مشيرة إلى أن واشنطن تمول جزئياً هذا البرنامج الذي يكلف أكثر من بليوني دولار. ويفترض ان يسمح هذا النظام المضاد للصواريخ المعروف باسم "السهم" هيتز بالعبرية، لإسرائيل بتفادي المشاكل التي واجهتها مع صواريخ "باتريوت" الاميركية المضادة للصواريخ التي لم تكن فاعلة خلال حرب الخليج عام 1991. ونصبت حتى الآن بطارية صواريخ من هذا النوع في اسرائيل على ان تنشر بطاريات أخرى مجهزة برادارات أيضاً في وقت لاحق. وأوضح مسؤول في البنتاغون اوردت تصريحه الصحيفة: "ستكون المرة الاولى في التاريخ التي سيستخدم فيها نظام تكون مهمته الوحيدة اعتراض الصواريخ واسقاطها". واضاف ان صواريخ "باتريوت" التي استخدمت العام 1991 "كانت مصممة لاسقاط الطائرات وادخلت عليها تعديلات لاعتراض الصواريخ في حين ان صواريخ السهم مصممة لاعتراض الصواريخ البالستية" أساساً.