جون ميجور، زعيم المحافظين ورئيس وزراء بريطانيا في الفترة من 1990 الى 1997، غادر مجلس العموم ولم ينتقل بعد الى مجلس اللوردات - الذي سيكون تلقائياً اذا كان يريد ذلك - وعاد الى حي المال والاعمال على مستوى رفيع. وقد خفض الى حد كبير انشطته السياسية. لكن برنامج "توداي" في "راديو 4" التابع ل"بي بي سي" اجرى معه اخيراً مقابلة حول الحرب المحتملة مع العراق. واعطى الانطباع بانه كان متحمساً لأن يقدم آراءه المدروسة بعناية الى مقدم البرنامج واوساط اوسع. كان ميجور نائباً شاباً عندما قام بزيارة الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، وأبدى اهتماماً خاصاً بمعاناة الفلسطينيين. ولا شك لدي بأنه يفخر بدوره في حرب الخليج، وهو محق تماماً في ذلك. فقد تكون مارغريت ثاتشر سبقته الى دعم الرئيس بوش الأب في اعقاب غزو الكويت، لكن ميجور هو الذي عايش الحرب القصيرة بكل مراحلها. كان اداء ميجور في المقابلة جيداً. بدا مقنعاً، وجمع بين اللباقة والحزم والوضوح في آرائه. وبعدما دافع بقوة عن قرار الحلفاء بعدم التقدم في اتجاه بغداد في 1991 - وهو القرار الصائب حسب اعتقادي - اكد اقتناعه بأنه "ينبغي ان نمضي قدماً ونعالج مسألة صدام". واعتبر ان هذا لا يستوجب بالضرورة الحصول على دعم الاممالمتحدة، لكن "من الواضح ان افضل طريقة لمواجهة العراق هي سلطة قرارات الاممالمتحدة ... اذا جرى تجاوز الاممالمتحدة سيكون هناك ثمن يتعيّن دفعه متمثلاً بخسارة التعاون مع الامم الاخرى، بالأخص في الحرب المستمرة ضد الارهاب، التي لا يشكل سوى جزء منها". وقال انه ينبغي قبول عرض صدام بالسماح بعمليات التفتيش، لكن "بينما نتابع تنفيذ ذلك، يجب الاّ نعطّل بقية الوسائل التي شرعت بالتحرك". وحرص ميجور على ان يتجنب توجيه نقد مباشر الى إيان دنكان سميث، الزعيم الحالي لحزب المحافظين. لكن الانصات الى المقابلة ذكّرني بالضعف المدهش الذي يمتاز به موقف حزب المحافظين، وهو في المعارضة، من القضية العراقية. كان واضحاً ان رئيس الوزراء توني بلير تردد في عقد جلسة استثنائية لمجلس العموم، وتولد الانطباع بأنه اُجبر الى حد كبير على هذه الخطوة. واعتبر ميجور انه "كلما جرى الاسراع بعقد جلسة للبرلمان واُتيحت له الفرصة لمناقشة هذه المسألة وتوجيه الاسئلة الكثيرة التي كان ينبغي ان توجّه بالفعل، كلما كانت النتيجة افضل. ينبغي ان نتساءل لماذا لم يدع البرلمان الى الانعقاد قبل فترة من الزمن. يجب الاّ يُعامل البرلمان مثل جواد حرب منهك عاجز عن الصهيل. ينبغي للبرلمان ذاته ان يعبّر عن تذمره، لأن هناك سلسلة كاملة من الاسئلة التي لم تُسأل بعد بشأن هذا النزاع، كيف سيُدار وماذا ستكون عاقبته". أثار ميجور بعدئذ بعض الاسئلة ذات الصلة الوثيقة بالموضوع التي ستنفر الحكومة من الاجابة عليها. وذكّرتني هذه الاسئلة بمدى قصور النقاش الذي دار في بريطانيا خلال الصيف حول العراق واسلحة الدمار الشامل التي يملكها. "ما هي استراتيجية الخروج بعد زوال النظام العراقي الحالي؟ من سيأتي مكانه؟ كم ستبقى قوات التحالف في العراق؟ هل سيتمزق العراق الى اجزاء؟ هل ستحل الفوضى بعد ذلك؟". العلاقة بين ميجور ودنكان سميث ليست ودية، ويمكن الافتراض ان ميجور دُهش وصُدم عندما اصبح الاخير زعيماً للمحافظين. وكان دنكان سميث في عهد ميجور احد قادة معارضي معاهدة ماستريخت الذين ألحقوا أذى كبيراً بحكومة المحافظين بتصريحاتهم المتطرفة المناهضة للاتحاد الاوروبي. وبخلاف ثاتشر، وتوني بلير حالياً، حاول ميجور ان يحقق شيئاً من التوازن بين الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة. ومعروف ان صلات سميث الوثيقة باليمين المتطرف الجمهوري في اميركا هي التي تمنعه من التكلم جهاراً في بريطانيا ضد "الرئيس" توني بلير في ما يتعلق بالعراق. ومع انه ينبغي ان لا نتوقع حدوث تمرد في الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين، فإن هناك بعض القلق بشأن محور بوش بلير. ويعتقد البعض ان دور المعارضة هو ان تعارض، وانه لا ينبغي لاداء بلير ان يكون في منأى عن النقد. ويرى البعض، وإن كان هؤلاء للأسف قلة ضئيلة هذه الايام، ان تجاهل وجهات نظر الحكومات الاخرى في اوروبا شيء خاطىء. ويبدي آخرون قدراً من التعاطف مع الآراء التي تعبّر عنها الجامعة العربية والحكومات العربية، وهم يدركون ان اسرائيل تمارس تأثيراً كبيراً على ادارة بوش في ما يتعلق بالعراق. ويتساءل هؤلاء هل من الحكمة فعلاً ان يجري التحرك بهذه المقدار من الحماسة تجاه العراق مقابل هكذا خمول تجاه فلسطين؟ واخيراً، هناك من هو مقتنع بانه ينبغي ردع صدام حسين واحتواؤه وليس اطاحته من قبل قوى خارجية. جاءت تصريحات ميجور في الوقت المناسب، لتنبه الى مدى سخف انحياز زعيمي الحزبين الرئيسيين في بريطانيا الى جانب الولاياتالمتحدة. سياسي بريطاني، مدير "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو.