فيما يسعى الرئيس جورج بوش إلى انتزاع قرار موافقة داخلية ودولية تخوله توجيه ضربة عسكرية ضد العراق، يترقب الاكراد عودة الوفاق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين الديموقراطي والاتحاد الذي انتظروه طويلاً، والذي يأتي في لحظة سياسية حاسمة تشهدها المنطقة. وشكّل الصراع بين الحزبين حرجًا كبيرًا للأكراد الذين تعدت قضيتهم الشأن الداخلي العراقي لتتخذ أبعادًا دولية خصوصًا في الأعوام الأخيرة بعد المجازر التي ارتكبت في حقهم، ما وضع الأكراد في موقف صعب أمام أصدقائهم بسبب التنافس الذي كان دمويًا في كثير من الأحيان، فكان لا بد من العمل على استعادة الوفاق المفقود والتعامل مع العالم بانفتاح وواقعية بعيدًا من التهور والتشنج والتطرف السياسي، آخذين في الاعتبار حماية الإدارة الذاتية في كردستان العراق في وجه المخاطر التي تواجهها، وتردي الوضع الأمني في كردستان العراق الذي جاوز كل المبررات والحجج الواهية مع ارتفاع الضغط السياسي والعسكري بين مقاتلي "البيشمركة" وأنصار الاسلام، وضرورة طمأنة الاكراد إلى مستقبلهم في ظل السيناريوات التي ترسم للمنطقة، والتي غالبًا ما تكون على حسابهم. إلا أن هناك أمورًا لا تزال تقف حجرة عثرة أمام المصالحة ما يبقي سيف القلق مصلتًا فوق رقبة الأكراد، سببها التباين في مواقف الحزبين الرئيسيين حيال آليات هذه المصالحة. ففي ما يتعلق البرلمان يرى "الديموقراطي" أن البرلمان الموحد يجب أن يأتي من طريق الانتخابات، ليحل محل البرلمان المنتخب منذ 1992"، معتبرًا أن لا صدقية في إقدام حزب أو اثنين على حل برلمان اكتسب شرعيته من الشعب من دون إجراء انتخابات جديدة، فيما يصر "الاتحاد الوطني" على أن يكون هناك مجلس انتقالي قبل أي انتخابات. كما أن الحزبين لم يتطرقا في اجتماعهما الاخير إلى توحيد الحكومتين الامر الذي يبقي المخاوف ماثلة من اندلاع القتال من جديد. وثمة من يرى أن أمام الاكراد الكثير مما ينبغي فعله بدءًا من التطبيع وانتهاء بالمسائل العالقة بينهم وبين الاقليات في كردستان كالتركمان والآشوريين. كما أن أمام الحزبين مسؤوليات جمة تنتظرهما، أقلها توحيد الحكومتين وحل ميليشيات الاحزاب الرئيسية والثانوية، وتوزيع الواردات في شكل عادل بين المنطقتين الكردستانيتين على ألاّ تشكل حكرًا لأحد من الاحزاب، والتفاهم مع الاحزاب الاسلامية المتطرفة والمعتدلة حول صيغة تخدم كردستان، وعلى عدم نقل احتقانات أسامة بن لادن إلى كردستان، إضافة إلى وضع حد لهجرة الشباب إلى أوروبا والتذكير بسبل حل قضية المهجرين والمشردين وتوفير الحقوق والحريات لكل الفئات في كردستان العراق، وتعيين وزير "خاص" لأكراد الفيليبين لمتابعة أوضاعهم والبحث عن مختفيهم وسجنائهم ومشرديهم، وإعادة تنمية المناطق الكردية اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا في ظل إدارة مدنية موحدة. والواقع أن ليس من المبالغة القول إن الاكراد يمرون الآن في واحدة من أحرج لحظات حياتهم على أبواب تغير المشهد الاستراتيجي، ليس في كردستان فحسب بل في الشرق الاوسط برمته. ولكن هل يمكن للزعيمين الكرديين فعلاً أن ينفذا مشروع سلام حقيقي لاخراج الاكراد من قتال الاخوة - الاعداء؟ * كاتب كردي.