استقبل وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي أمس ممثلي المنظمات المسلمة الفرنسية في اطار لقاء تشاوري من أجل انشاء هيئة تمثل مسلمي فرنسا لدى السلطات العامة. وأبرز اللقاء الذي لم يسفر عن قرارات محددة، مدى التباين بين تصور ساركوزي لصيغة تشكيل هذه الهيئة وتصور عدد من الهيئات المسلمة المشاركة في المشاورات. وكان ساركوزي عدّل المشروع الي أعده وزير الداخلية السابق جان-بيار شوفنمان في اطار ما سمي بنهج "الاستشارة" الذي نص على اجراء انتخابات عامة في أوساط مسلمي فرنسا لاختيار اعضاء الهيئة التمثيلية. واقترح ساركوزي ان يتم تشكيل الهيئة المكونة من 52 عضواً، مناصفة من اعضاء معينين وآخرين منتخبين، وأن يفسح في المجال لتمثيل النساء المسلمات في اطارها. كما اقترح اسناد رئاسة الهيئة الى عميد جامع باريس دليل بوبكر، وتعيين ثلاثة نواب له منبثقين عن "الفيديرالية الوطنية لمسلمي فرنسا" و"اتحاد المنظمات المسلمة الفرنسية" و"الفيديرالية الفرنسية للمنظمات المسلمة". ويراعي ساركوزي عبر هذا التوزيع الحساسيات المختلفة القائمة بين المنظمات. إذ ان جامع باريس يعد قريباً الى الجزائر و"الفيديرالية الوطنية لمسلمي فرنسا" تعتبر ممثلة لمسلمي المغرب و"اتحاد المنظمات المسلمة الفرنسية" يعد ممثلاً للاسلام السلفي في حين تعد "الفيديرالية الفرنسية للمنظمات المسلمة" ممثلة للاسلام الافريقي. لكن هذا التوزيع وصيغة تعيين نصف اعضاء المجلس يثيران اعتراض عدد من المنظمات بدءاً ب"الفيديرالية الوطنية لمسلمي فرنسا" التي قال رئيسها محمد البشاري ل"الحياة" ان اعتراضه على اقتراحات ساركوزي مرده الى "ضرورة ابقاء عملية تنظيم الاسلام والمسلمين خارج دائرة النفوذ الرسمي لوزارة الداخلية وخارج أي تأثير خارجي يجر الصراعات المختلفة بين الدول العربية الى حقوق الجالية". ورأى البشاري ان تعيين وزارة الداخلية لرئيس الهيئة ونوابه ولنصف عدد الاعضاء "يبدد كل ما انجز خلال السنوات الماضية" في اطار تمكين المسلمين أنفسهم من اختيار ممثليهم. ويتنافى "مع مبدأ الديموقراطية والنهج الانتخابي". وأشار الى أن اقتراحات ساركوزي ستعرض على الجالية لتصوت عليها "فإذا اقرتها نمشي بها، وإذا رفضتها سنحدد عندها الموقف المناسب، وقد نلجأ في مثل هذه الحالة الى عدم المشاركة". ويعارض فؤاد علوي من "اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا" التوجه الرسمي ويقول ان النهج الذي يقترحه وزير الداخلية سيؤدي الى انشاء هيئة "تفتقر للشرعية وبالتالي للقدرة على الاستمرارية". وتتأرجح مواقف المنظمات الأخرى بين الرغبة في معارضة اقتراحات ساركوزي وبين الرغبة التي برزت في صفوف مسلمي فرنسا بالحماية في ضوء ذيول تفجيرات 11 أيلول سبتمبر، والانضواء بالتالي في اطار هيئة ترسمها وزارة الداخلية. ويذكر ان ساركوزي كان طلب ارجاء انتخابات الهيئة التمثيلية التي كانت مقررة في حزيران يونيو الماضي، خشية ان تؤدي الى أن تفوز بغالبية المقاعد المنظمات المتطرفة التي تعتبر الأكبر نشاطاً. واعتبر ان المزج بين صيغة التعيين وصيغة الانتخابات يقلص مثل هذا الاحتمال ويتيح انشاء هيئة تعبر عن اسلام متطابق مع الحداثة الغربية. لكن اقتراحاته تضعه على تباين مع قانون العام 1905 الذي يحظر على السلطات الفرنسية التدخل في التنظيم الداخلي للأديان، وهذا ما حرص شوفنمان على مراعاته عبر صيغة "الاستشارة"، وما حرص ممثلو المنظمات المعارضة على ابرازه خلال لقائهم معه أمس.