نال المخرج اللبناني الشاب أكرم الزعتري اخيراً "جائزة الجوائز" في مهرجان الاسماعيلية الدولي السادس للافلام التسجيلية والقصيرة، عن فيلمه التسجيلي "هو " هي : فان ليو". يرصد الفيلم حياة المصور الفوتوغرافي الارمني الاصل "فان ليو" الذي عاش في القاهرة منذ هاجرت عائلته من تركيا الى الاسكندرية ثم القاهرة اوائل ثلاثينات القرن الماضي، وكما أعلن المخرج اللبناني بنفسه، لم يكن في نيته المشاركة بفيلمه في مهرجان الاسماعيلية، إلا أن المصادفة وحدها هي التي قادته إليه. وخلال زيارته السريعة للقاهرة، للحصول على جائزته من مهرجان الاسماعيلية، وللمشاركة في بعض نشاطات غاليري "تاون هاوس" للفنون، التقت "الحياة" الزعتري، وكان هذا الحوار: شاهدنا سابقاً في القاهرة مساهماتك في التصوير الفوتوغرافي، الى جانب افلام عدة في مجال الفيديو، فإلى أي المجالين انت اقرب؟ - انا مخرج فيديو في الاساس، واقدم منذ عام 1995 افلاماً في مجال الفيديو، لكنني قبل ذلك عملت في المجال الفوتوغرافي حيث درست في الجامعة، ولكنني لا اعتبر نفسي مصوراً فوتوغرافياً، على رغم ان المجالين: الفوتوغرافيا والفيديو متقاربان كثيراً، ولذلك اعتقد ان الفيديو اقرب للفوتوغرافيا منه الى السينما، وتُقام المهرجانات العالمية للفيديو والفوتوغرافيا معاً، وما زلت أساهم بأعمالي في معارض الفوتوغرافيا وكذلك في معارض الفيديو، ولكنني في نهاية الامر اعتبر نفسي مخرج فيديو. ما الذي دفعك الى توثيق حياة المصور الأرمني - المصري "فان ليو"؟ - تعرفت على "فان ليو" من خلال عملي في "المؤسسة العربية للصورة" التي تأسست عام 1997، وكان هدفنا الاساسي، كمؤسسين، جمع أعمال المصورين الفوتوغرافيين الاجانب والعرب، بخاصة التي التقطت في الدول العربية، لتكون متاحة للباحثين والناس، ومن خلال البحث عن ارشيف هؤلاء المصورين، التقيت فان ليو وتعرفت عليه، قرر ان يهب المؤسسة جزءاً من تركته الفوتوغرافية دعماً لها ولأهدافها. ثم قررت صنع فيلم يرصد حياته ومسيرته مع الفوتوغرافيا، ذلك لان هذا الفنان تميز عن جميع المجايلين له بشيئين، الاول انه صاحب مزاج فني لم يتخل عنه ابداً في اعماله وبالتالي لم يجعل الكسب المادي هدفه الأول. ثانياً لم يسع فان ليو الى العمل مع رجال السلطة وبالتالي لم يسع الى تصوير الملوك أو الرؤساء. استطاع إضافة الى ذلك ان يقدم اعمالاً تجريبية في وقت مبكر جداً أي في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي. كل هذه الاسباب دفعتني الى تسجيل حياة ومسيرة فان ليو في فيلم تسجيلي قصير، فقمت عام 1998 بالتسجيل معه لمدة اربع ساعات، وبعدها بأسبوع واحد قرر فان ليو ان يتقاعد بسبب حالته الصحية. واستطعت ان اطور فكرة الفيلم واقدم سياقاً عاماً لحياة هذا الفنان الكبير الذي توفي عن ثمانين عاماً في بداية العام الحالي. بدأت فيلم "هو " هي: فان ليو" بقصة طريفة لشخص يجد صورة لجدته وهي عارية، ما علاقة هذه اللقطة بحياة "ليو" وفنه؟ - القصة حقيقية تماماً، ذلك لان الصور التي وجدتها لدى "فان ليو" لامرأة مصرية مسلمة من ضاحية مصر الجديدة، جاءته - كما حكى لي - لتطلب منه ان يصورها عارية، وهو امر استغربه "فان ليو" لان العادة كانت ان يطلب المصور من زبونته هذا الطلب، وعادة ما ترفض، وظل "فان ليو" يلتقط الصور للسيدة، وهي تتحرك باستمرار وتخلع ملابسها قطعة قطعة، واحتفظ فان ليو بالنيغاتيف في حال احتاجت هذه المرأة نسخاً من صورها لاحقاً. وحين قرر ان يتخلص من جميع الصور السلبية لافلامه العارية التي التقطها لفنانات يهوديات كن يعشن في القاهرة، رفض ان يتخلص من صور هذه السيدة، واحتفظ بها حتى وفاته، من هذه الحكاية استلهمت اسم الفيلم "هو " هي" لان هذه الصور كانت لامرأة قوية، فرضت نفسها على المصور وليس العكس. كيف ترى حضور السينما التسجيلية في لبنان، مقارنة بالسينما الروائية، وهل ثمة مؤسسات رسمية تدعم فنانيها؟ - بالنسبة إلى الافلام التسجيلية هناك ثلاث او اربع مؤسسات تدعم الانتاج فيها، سواء في الافلام التسجيلية القصيرة أو الطويلة او الافلام الروائية القصيرة، لكنه يظل انتاجاً فقيراً في النهاية، فلا يكتمل بعض هذه الافلام إلاّ بالجهود الذاتية، ومن خلال العلاقات الشخصية، ويمكنك في النهاية ان تنتج فيلماً بتكلفة 2000 دولار، وتبقى ارادة السينمائيين اللبنانيين وعزيمتهم للتعبير عن احلامهم ومشكلاتهم من خلال اعمالهم هي الأهم، أما السينما الروائية الطويلة، فلا شك انها تأثرت بالحرب إذ توقفت صناعة الافلام اللبنانية التي كانت بغالبيتها انتاجاً مشتركاً مع مصر والذي كان يمكنها من إيجاد اسواق لتوزيعها وتحقيقها ربحاً، وبعد انتهاء الحرب بدأت بعض الافلام اللبنانية تظهر من حين لآخر، ولكن بدعم اجنبي، أما الافلام التسجيلية فقد استطاعت ان توجد لانها لا تتكلف كثيراً، واثمرت فنانين ومخرجين واعدين مثل رنده الشهال وغسان صعب. شاركت في مهرجان الاسماعيلية أيضاً في قسم السينما "المستقلة" بفيلم تسجيلي آخر هو "مجنونك"، في رأيك ماذا تعني السينما المستقلة الآن في لبنان؟ - أجد صعوبة في الرد على سؤالك هذا، ولكن الاستقلال غالباً ما يأتي بمفهومه الاقتصادي بعيداً من تدخل رأس المال الانتاجي، ولكن من وجهة نظري فإنني ارى ان السينما المستقلة هي محاولة للخروج من جميع القوالب السينمائية الجامدة. لنقدم عملاً حراً بكل المعايير، فلا بد ان نستغني عن فكرة السوق. فعندما عملت على افلامي المستقلة، قدمتها وأنا اعمل كمنتج لبرامج تلفزيونية في قناة المستقبل. وكنت اعرف جيداً أنني لن استطيع بيع هذه الافلام الآن، ولكنني كنت أكيداً أنها ستجد سوقها يوماً ما. ما جديدك السينمائي وما هي احلامك؟ - أحضر لفيلم روائي طويل، لكنني بطيء، لان الصعوبة هي على مستواي الشخصي، وليست في التمويل كما يظن البعض، لم أتعود أن أكتب سيناريو مكتمل قبل التصوير، لانني غالباً ما اصور واكتب السيناريو في وقت واحد، واعتقد أن اي منتج أو ممول سيرفض إعطائي التمويل للفيلم من دون أن يقرأ السيناريو كاملاً، تلك هي المشكلة التي سأحاول قريباً التغلب عليها، لانني بالفعل اتمنى تقديم عمل سينمائي روائي طويل.