يطلق المصريون على العربات الخشبية التي تجرها الدواب اسم "الكارو"، وفي تجربة فريدة بنى مخرج مصري فكرة تقديم عروض مسرحية متنقلة على تلك العربات يُحملها بفنه وشخوصه وأحلامه ليجوب بتلك "الكارو" الاحياء الشعبية كغيره من المبدعين الذين ألهمهم الحي الشعبي اصدق ابداعاتهم، فمنه واليه يقدم همام تمام مسرحياته لأنه يؤمن بدور الفن في بناء الواقع وتطوير المجتمعات بخاصة انه ترعرع في منطقة مشابهة ويعرف جيداً كيف يقاسي البشر هناك تبعات الجهل والتخلف. صدى مسرحياته يتجاوز فعل المشاهدة الى التغيير، فها هم اهالي القرية المصرية الصغيرة تأثراً بمسرحيته "بعزئيكا" يسقطون نائبهم المحلي في الانتخابات لخراب ذمته، ومسرحية اخرى تشعل الحماسة الوطنية والتظاهرات احتجاجاً على السياسات الصهيونية الوحشية ضد العرب. عشق التمثيل منذ طفولته، والفضل يرجع لمعلمته التي لمحت فيه موهبة مبكرة وألحقته بفريق المسرح المدرسي ورشحته لأول أدواره العملية في مسرحية فلسطينية عرضت في القاهرة في منتصف الستينات من القرن الماضي تحت عنوان "مأساة من دير ياسين". عمل في السينما فترة من الزمن، ولكن المسرح جذبه من جديداً، فكون مع أصدقائه فرقة مسرحية تمردت على تقليدية مسرح العلبة، وعرضت أعمالها في الحدائق العامة والنوادي. وإمعاناً في التمرد خرج تمام بأعماله الى الشارع ليؤسس بذلك شكلاً مسرحياً جديد من نوعه في مصر والعالم العربي هو "مسرح الكارو" او "المسرح المتنقل". "كارو" تمام ليست كأي "كارو". صممت خصيصاً لتلائم عروضه ولتسمح بحرية حركة وتجوال ممثليه، أما بقية أدواته المسرحية بسيطة ومستمدة من البيئة المصرية الصميمة. الديكور لا يتعدى بعض الستائر والكراسي الموظفة لمصلحة العمل، والاضاءة غالبيتها من الشموع والقناديل الأثرية الطراز. النص لدى تمام هو مشكلة المشاكل لأن "الكتابة لمسرح "الكارو" تختلف كلياً عن مسرح العلبة ودائماً ما اراعي فيها التكثيف والبعد عن التفاصيل التي تكون ضرورية احياناً"، ويزيد الامر تعقيداً رفضه الاقتباس من الاعمال الأدبية المصرية أو تعريب بعض المسرحيات العالمية، يفعل كل شيء بنفسه: الإخراج والكتابة والديكور والتمثيل احياناً، وهذا ليس ذنبه فهو يجد عزوفاً من زملاء المهنة عن مشاركته أعماله، خصوصاً أن عروضه كلها مجانية. إقبال الجمهور يرضيه ويدفعه للاستمرار. استفادته من اخطائه تلمحها في عروضه الحالية بما تحمله من حبكة درامية مطعمة بمؤثرات الغناء وفنون الأراجوز وخيال الظل والاستعراض. المصانع والشوارع والمدارس والمستشفيات والحقول كلها اتخذها ساحات لعروض "الكارو"، واعتاد كلما خلا بمكان أن يؤسس فيه فرقة مسرحية من ابناء المنطقة تقدم مسرحية ليصيب بذلك أكثر من هدف، فمن ناحية يصل تذوق المسرح وحبه في نفوس أهل المكان ويترك فيهم من يكمل المسيرة، ومن جانب آخر تساعده فرقته على الدعاية للمسرحية بين الأهل والجيران. وبعيداً عن "مسرحيات الكارو" يستعد الان همام تمام لإخراج عمل جديد على خشبة مسرح القطاع العام، فالامكانات المادية لا تسمح بالمزيد من مسرحياته المتنقلة إلا أنه تلبية لدعوات بعض جمهوره لا يمانع في إعادة تقديم أحد أعماله القديمة من آن لآخر.