حادث الهجوم الارهابي الذي نفذه كويتيان في جزيرة فيلكا وأدى الى مقتل جندي اميركي ومقتلهما ايضاً وأشاد به اسامة بن لادن، يطرح اسئلة عن حجم العداء في الشارع الكويتي للولايات المتحدة، وعن خصوصية الحادث في الدولة التي يعود الفضل في تحريرها من احتلال العراق لها الى الولاياتالمتحدة وقواتها العسكرية. لا يمكن فصل الكويت عن الجدل الدائر في العالم العربي والاسلامي حول العلاقة مع الولاياتالمتحدة الاميركية. فهذا البلد الذي يتمتع بحماية واشنطن التي قادت عملية تحريره من الاحتلال العراقي عام 1991 أفرز من بين الدول العربية والاسلامية الناطق الرسمي بلسان تنظيم "القاعدة" سليمان أبو غيث وعدداً من المعتقلين في قاعدة غوانتانامو البحرية في كوبا وأول شخصين انتحاريين في المنطقة الخليجية للهجوم على قوات أميركية يجمع الرأي العام الكويتي العريض، على أنها موجودة للدفاع عن الكويت بوجه هجوم عراقي محتمل على الاقل على سبيل الانتقام أو ارباك الخطط الاميركية المعلنة لتغيير النظام الحاكم في بغداد. وربما كان من الدلالات المهمة على اتساع الرأي العام المعادي للولايات المتحدة في المنطقة العربية هو ان الكويت تتصدر هذه الظواهر، بينما هي الادعى لإقامة العلاقة الوطيدة مع قائدة إعادتها الى الحرية، الامر الذي يعطي مؤشراً على تآكل الوقت الذي كانت فيه أميركا تمثل بكل ما فيها مصدر جاذبية وحب للكويتيين، جنباً الى جنب مع تلاشي الاثر العام والعريض لسوء الفهم الحاد الذي شاب صلة الكويت بالقضية الفلسطينية جراء الموقف الخاطئ الذي وقفته القيادة الفلسطينية، لنصل الى وقت لا تختلف فيه الكويت لا رسمياً ولا شعبياً عن غيرها من الدول العربية عبر عدم الحماسة للخطط الاميركية القاضية بغزو العراق، بل وأيضاً الدعوة العلنية لانسحاب القوات الاميركية من المنطقة. وهي دعوة تأتي هذه المرة من قوى اسلامية متشددة بعض الشيء، لكنها تصب في النهاية في الاطار الذي أعلنه الاسلاميون صراحة بعدم قبول الضربة الاميركية للعراق بل وتحركهم المعلن لاصدار بيانات مناهضة له وتشكك في أهدافه. حقيقة الاعجاب ببن لادن منذ وقت مبكر دلل الكثير من الدراسات والاستبيانات على هذا التوجه في الشارع الكويتي سواء عبر الاعجاب بتجربة اسامة بن لادن او استنكار الحرب الاميركية في افغانستان، والتي تحدث فيها نواب وفاعليات فكرية وإعلامية، فضلاً عن صور التعبير عن التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية. ولعل ابرز ما في الموضوع هو الدور الغائب للحكومات العربية، التي لم تعد قادرة في ما يبدو على توجيه أدنى انواع النقد للسياسات الاميركية، التي تؤيد الدولة العبرية من دون تحفظ، ليجد الاسلاميون انفسهم الوحيدين في الساحة، الذين يعملون على تلبية طموحات وشكاوى الشارع، من الانحياز الاميركي لاسرائيل، هذا مضافاً الى حال الهستيريا، التي تجتاح المجتمع الاميركي ضد العرب والمسلمين والمظاهر التي يقرؤها العوام من العرب وتجد أوسع الصدى لديهم ومنهم الكويتيون الذين يحظون بوسائل إعلام متقدمة وحركة مجتمع مدني متفاعل ومتحرر، مثل الشتيمة البغيضة التي وجهها قس أميركي بارز للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وذلك من دون اعتذار أو تفسير من جانب الادارة بأن القس يمثل رأيه الخاص، أو قرار الكونغرس الذي وقعه الرئيس الاميركي باعتبار القدس الموحدة العاصمة الابدية لإسرائيل، وذلك في خضوع لإبتزاز اللوبي اليهودي الذي ربط تأييده لتفويض الحرب على العراق - مع أنه ابرز المحرضين عليه - بقضية القدس التي ظلت عصية على الادارات الاميركية المتعاقبة، فاذا الادارة الحالية تقذف بها في جرة قلم لم يكترث للرأي العام العربي والاسلامي وحتى عند الحدود الدنيا من الاكتراث. السلوك الاميركي السلوك الاميركي ذاته اذن كان استفزازياً، والشحن الذي تم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، والذي تمثل باجراءات مشددة ضد الخليجيين الاكثر من غيرهم صلة وتردداً على الولاياتالمتحدة وذيول ومشاهدات ما حدث في افغانستان، وعدم تجديد التأشيرات لآلاف الطلبة الخليجيين الذين يدرسون في الولايات الاميركية، كل ذلك زاد من الهوة مع أميركا، التي اصبح وجودها في المنطقة يمثل فاتورة عالية الكلفة للتيارات الاسلامية الواسعة النفوذ، بعد حقب طويلة من التعايش والتحالف مع النظم القائمة. إذ صار يتعين على التيارات الاسلامية أن تواجه دعوات تحريضية من جانب المتناقضين معها، من أجل الحد من الدور السياسي للإسلاميين وجمعياتهم الخيرية، وتبرعاتهم الخارجية المشكوك بصبها في النهاية ضمن موارد الارهاب بحسب المنظور الاميركي. علاوة على الضغط المعلن، الذي يطالب بتعديل المناهج والحد من مدارس تحفيظ القرآن ومراقبة خطب المساجد ووقف الخطاب الاسلامي الذي يدور في فلك مخلفات الحروب الصليبية في الوقت الذي يطلق فيه اليمين الاميركي الاسم الاول على الحملة في أفغانستان بإسقاطات صليبية ! من هنا فإن الولاياتالمتحدة بحربها ضد الارهاب غدت عدواً مفترضاً للتيار الاسلامي، وفي أحسن الاحوال مشكوك بأهدافها، حتى في ما يتصل بغزو العراق وفقاً للتحليل المطول الذي قدمه اسلامي معتدل بارز ومتبرئ من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، هو الدكتور اسماعيل الشطي الذي عارض الحملة الاميركية الوشيكة على العراق، ووصف التحرك الاميركي بالعدوان المنفرد، واعتبره مماثلاً لاحتلال الكويت من جانب العراق والذي وقف بوجهه المجتمع الدولي عام 1990. وفي كل الاحوال فإن رأي الدكتور الشطي، يعكس آراء الشارع الاسلامي العريض حتى وإن كان مختلفا معه على بعض التفاصيل. هذا اذا كان المراقب لا يريد الاستعانة بالرأي الاكثر تشدداً، والذي يعبر صراحة عن رفضه للوجود الاميركي واصداره الفتاوى بتحريم تقديم أي مساعدة للحرب الاميركية الوشيكة ضد بغداد كما كرر ذلك الدكتور حاكم المطيري الامين العام للحركة الاسلامية السلفية. وفي هذا السياق يقول الدكتور اسماعيل الشطي عضو مجلس الامة السابق، ورئيس اللجنة المالية والاقتصادية في البرلمان الكويتي 1992-1996 أن "الحرب خيار تدميري، يفوح برائحة الموت والهدم والدماء والاشلاء والضحايا الابرياء وتعطيل مسيرة الحياة، وهو خيار غير انساني، لا تقف وراءه النخب في عالمنا المتحضر بمن فيها النخب الحرة في الولاياتالمتحدة الاميركية". ويذكر بأن المجتمع الدولي الذي "وقف مع تحرير الكويت يكاد يقف في الجبهة المعارضة للادارة الاميركية في نياتها بضرب العراق، ومن غير المعقول ان تكون ادارة بوش على حق وبقية العالم على خطأ، وحتى دول الخليج المتضررة من النظام العراقي كالكويت والسعودية لم يسعها الا معارضة الضربة في العلن". وشدد على "ان السماح لدولة منفردة بالاعتداء على دولة اخرى من دون غطاء شرعي دولي هو شكل من اشكال الارهاب، وهو خرق للقانون الدولي يشابه العدوان الذي غزا به العراق اراضي الكويت والسعودية، والقبول به تحت اي مبرر يحقق سابقة دولية يستخدمها من يملك القوة في المستقبل، ولقد مارست الولاياتالمتحدة هذا الخرق عندما سمحت لنفسها بقصف نيكاراغوا". ويبين في سياق تحليله المعارض للحرب التي لا يخفي الليبراليون سعادتهم بها كوسيلة لتغيير وضع غير ممكن التغيير الا عبر التدخل الخارجي أن هناك شكوكاً مماثلة في نيات الادارة الاميركية غير المعلنة، مشيراً الى "الادبيات السياسية التي تملأ الساحة الاميركية بمطالبات خطيرة بعضها يطول خريطة المنطقة السياسية، وبعضها يطول ثقافة الامة ودينها وتراثها، وبعضها يطول ثرواتها ومصيرها، وبعضها يمس كرامتها وكبرياءها لمصلحة العدو الصهيوني، وهذه الادبيات لا تخرج من مراكز مغمورة او شخصيات هامشية، بل بعضها يصدر عن مخازن الفكر المعتمدة في البنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية والبيت الابيض، وتلك الادبيات تصور ان الحرب على العراق هي المقدمة التي تفتتح فيها الادارة برنامجها المرعب هذا". منطق الوفاء لأميركا ويرفض الشطي القول بأن موقفه هذا لا يعبر عن الوفاء للولايات المتحدة التي "زجت بأبنائها من أجل تحرير الكويت، فنحن نكن تقديراً عظيماً للشعب الاميركي، لا لموقفه هذا بل لاسهاماته العظمى في الحضارة المعاصرة، انه الشعب الذي انجب اديسون واينشتاين والاخوين رايت، وغيرهم من الذين تتمتع البشرية بمنجزاتهم، ولكن الشعب الاميركي نفسه انجب احراراً داخله يعارضون الحرب ويهاجمون ادارتهم السياسية على غطرستها". ولا يمنع هذا الوضع الاسلامي المعارض للحرب والمناهض للسياسات الاميركية بطريقة أو بأخرى من تبيان أن الاتجاه الآخر الذي يؤيد التغيير الاميركي في العراق، ينطلق هو الآخر من تحليل أيد رد الفعل الاميركي وتفهمه بعد الحادي عشر من أيلول، بل أنه كان سعيداً بالمطالبات الاميركية الضاغطة لتحجيم العمل الخيري. وخفت صوته في المقابل في ما يتصل بالقضية الفلسطينية التي تعد مرجل غضب في الشارع العريض، وتجسد التناقض في السلوك الاميركي الذي اكتشف فجأة الحاجة لتغيير النظام العراقي بعد أن تعايش مع وجوده بسياسة الاحتواء المتبعة عملياً منذ العام 1991. جذور المعارضة لكن الهوة اتسعت في الشارع العربي ضد الولاياتالمتحدة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول وكان أحد تجليات هذه الهوة في الكويت التي شهدت استنكاراً ونقداً عبر عنه الاسلاميون ضد الحرب في افغانستان. وكان من الواضح ان الاميركيين بحسب ما توحي به بيانات السفارات الاميركية التي تطلب من رعاياها الحذر توقعوا هجمات من نوع الهجوم الذي شهدته جزيرة فيلكا. أما على الجبهة الفكرية فقد اتضح الشق في المواقف التي تعبر عنها القوى السياسية في الاعتراض الاسلامي على تشكيلة الوفد الكويتي الذي سافر الى الولاياتالمتحدة العام الماضي ليعبر عن التضامن والمساندة لواشنطن في حربها على الارهاب وابداء التعاطف مع اسر ضحايا الهجمات التي زلزلت الطرائق المعتادة للتعامل الاميركي مع المنطقة والعالم. وإزاء المستجدات لم تعد صيغة التعبير المنتظمة في الكويت تجاه الولاياتالمتحدة جذابة أو معمولاً بها على الاقل لدى التيار الاسلامي، الذي وإن جاهد للإبقاء على صيغة معتدلة في نقد السياسات الاميركية، الا انه لم يكن بعيداً من حال التناقض والاستغراق في التنديد المناهض، للخطط الاميركية سواء تجاه العراق أو تجاه القضية الفلسطينية. وفيما كان الفرز واضحاً وعلى ذات السياق بين التيارات الاسلامية العامة تجاه أحداث الحادي عشر من أيلول فإن الصورة في الكويت كانت مطابقة، فالتيار السلفي التقليدي دان من دون أي لبس هجمات نيويوركوواشنطن، وإن ظل على الخطاب المناهض للسياسات الغربية المعادية للمسلمين، وظل ينتقد بصراحة ما فعلته "القاعدة" من استهتار بأرواح الشباب المسلم ومغامرات غير محمودة العواقب. على أن التيار الاسلامي السلفي الحديث السلفية العلمية ظل يتحدث عن أسامة بن لادن بوصفه "الشيخ أسامة"، وأحياناً بإرفاق عبارة يحفظه الله! وهو ما يساير درجة الإعجاب التي عبرت عنها المجاميع الشبابية في الاتجاهات الاسلامية تجاه "طالبان" و"القاعدة". وهذا لا يتعلق بالكويت وحدها وانما على امتداد العالم العربي والاسلامي حيث يوجد افتقاد ملموس لأي موقف قوي من جانب الحكومات للسياسة الاميركية. وفقد العلمانيون والقوميون والمستقلون العاديون المقدرة على النطق بلسان مجتمعاتهم إزاء التحولات الجارية، وأخذت النخب المنفتحة على الغرب تقدم فكرة التدخل الاميركي، بل والتصالح المصلحي والتاريخي مع الولاياتالمتحدة، مفصولة عن القضية الفلسطينية وهواجس الحرب على الاسلام بحسب قناعة ورؤية "العوام" أو الشارع العريض. جدل واقعي ولعل عدم المبالغة في هذا التحليل تفسره، مظاهر الجدل الواقعي الذي دار بين الاسلاميين أنفسهم، حول ما إذا كان منفذا عملية فيلكا أنس الكندري وخالد الهاجري، هما شهيدان يجب أن تنفذ وصيتهما بعدم غسلهما، وإن كانا استشهاديين أم قتيلين أم ارهابيين. وفي حين يوجد جزم معلن بأنهما ارهابيان وقتيلان وفي المكان الخطأ، كان كل الاسلاميين ينهون النقاش حول هذه المسألة بالدعاء الى الله بأن يتقبلهما ويجعل الجنة مأواهما. وهذا الجدل في الواقع هو انعكاس لجدل آخر يتعلق بمنفذي العمليات في فلسطين إن كانوا من الاستشهاديين أم العكس حيث لا يوجد في التيار الاسلامي من يقول بعكس ذلك. ولعل الجواب الهيكلي والجذري حول هذه المسألة يقدمه كاتب اسلامي بارز في الكويت هو الدكتور الشيخ محمد العوضي الذي يبدي الاسف الشديد، كون الاميركيين لم يستكملوا الجواب العادل والموضوعي على السؤال الذي طرحوه فور وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول وهو "لماذا يكرهوننا"، معتبراً أن الشق الاهم في المسألة هو: عدم الاستغراق في تحليل تفسير الادانة وانما البحث في اسباب الظاهرة، ولماذا اميركا تحديداً، مع أنها ليست الدولة المسيحية الوحيدة. وليست حاملة تراث الحروب الصليبية وليست الدولة الديموقراطية الوحيدة.. فإذا كان ذلك هو السبب فإن بريطانيا هي الاولى بالضرب وكذلك ألمانيا وفرنسا الى درجة ان العوضي يجزم بأن الهجوم على الناقلة الفرنسية - اذا كان ما تم فعلاً هو نتاج عملية هجوم مدبر - حصل لأن المهاجم كان يعتقد انها ناقلة نفط اميركية، بدليل أن الحملة لمقاطعة البضائع الاميركية لم تتطرق الى الغرب عموما، بل أن المقاطعين يعطون بدائل فرنسية والمانية وبريطانية الى درجة معينة في حال عدم توافر البديل الوطني أو الاسلامي. لكن الفكر الاميركي المطروح في سياق الحرب على الارهاب والذي لا يستثني أحداً من التيارات الاسلامية تقريباً بل يتشكك على الاقل في انها جميعها تمثل منابع للإرهاب ومحفزات على السير في طريقه، له صداه المحلي في الكويت كما في غيرها من جانب الخصوم السياسيين للاسلاميين الامر الذي يفاقم الضغوط المحلية والخارجية لتحجيم التيارات الاسلامية. فهناك الآن في الكويت من يعتقد أن ما قام به شباب اسلامي ضد الحليف الاستراتيجي للبلد، يمكن أن يستغل في الانتخابات المقبلة بعد شهور قليلة، لإنهاء صبغة معينة يسيطر فيها اللون الاسلامي بأطيافه المختلفة، بما في ذلك أولئك الذين يعتبرون مرتكبي حادث جزيرة فيلكا شهيدين! الليبراليون ينتقدون وقيل خلال اجتماع لجنة الداخلية والدفاع في مجلس الأمة، كلام عن حال التناقض في تحليل ما حدث وتحميل المسؤولية للتيار الاسلامي، وفيما عبر الاسلاميون داخل اللجنة عن الخشية من عدم التمييز والتعميم، حمل نائب من الاتجاه الآخر "جمعية الاصلاح الاجتماعي" وهي أكبر الجمعيات الاسلامية في البلاد وتعمل منذ نحو نصف قرن المسؤولية وطالب بتحجيم دورها. والواقع أنه لا توجد في الكويت تنظيمات معلنة أو شرعية لتنظيم "القاعدة"، أو حركة الجهاد الاسلامي، أما حزب التحرير الاسلامي الذي يواظب على اصدار البيانات المناهضة للوجود الاميركي فلم يعرف عنه القيام بأعمال مسلحة، فهو يحصر آماله بعودة الخلافة الاسلامية والجاهزية لمبايعة أي حاكم مسلم يعلن نفسه خليفة للمسلمين، وفي الكويت فإن ممثلاً أو أكثر لهذا الحزب يحرص على الوقوف في الندوات أو الملتقيات ليقول الكلمات المعهودة في عقيدة الحزب الفقهية والسياسية وكفى. ولا يمكن بطبيعة الحال إغفال الادانات والاستنكارات التي تمت من جانب رموز التيار الاسلامي لحادثة جزيرة فيلكا. ففور البلاغ عن الحادث صدرت ادانات واستنكارات من جميع القوى السياسية الاسلامية. وأعرب عيسى ماجد الشاهين الأمين العام للحركة الدستورية التي يمثلها عدد من النواب عن الاسف، معتبراً "أمن الوطن الغاية الاهم"، ومؤكداً "براءة العمل الاسلامي من هذه الاعمال الفردية المرفوضة" وان الدعوة بالحسنى ومن خلال القنوات الديبلوماسية هو منهج الحركة. أما "جمعية احياء التراث الاسلامي" السلفية فقالت: "ان حادث فيلكا ضد مصلحة الكويت ومرتكبوها أساؤوا التصرف في ما لا تقره الشريعة، والاسلام يحرم قتل المستأمن. واعتبرت أن أحد اسباب الحادث هو الانحراف في الفهم والبعد من النهج الصحيح بعيداً من الغلو والتطرف والتفريط مع ضرورة الالتفاف حول العلماء أئمة أهل السنة والجماعة والصدور عن رأيهم القائم على الدليل والحجة الواضحة". أما الدكتور محمد الطبطبائي عميد كلية الشريعة فقال: "إن ما جرى هو افتئات على الحاكم، وطالما ان الدولة منحت عهد الامان لهؤلاء فيجب احترام هذا العهد ويحرم الاعتداء عليهم والا لدبت الفوضى في البلاد. والمفاسد التي ترتبت على هذا الاعتداء بوفاة هذين الشابين المسلمين أعظم من المصالح التي يمكن أن تتحقق". لكن الكاتب الاسلامي محمد المليفي الذي ووجه بانتقادات حادة ممن اعتبروه مؤيداً أو محرضاً على العملية قال في مقابلة صحافية انه لم يفاجأ بالعملية لأن منفذيها دربوا انفسهم عليها، معرباً عن ثقته بعدم وجود أكثر من الاتصال الروحي بين "القاعدة" والشباب، مشيراً الى "أن ذلك يعطي "القاعدة" صدقية وانها ليست تنظيماً هرمياً يمكن استئصاله وأن جميع خريجيها كمدرسة هم من المتفوقين". ولم يخف المليفي وجود اتصالات بينه وبين منفذي العملية. وذكر أن أحدهما هاتفه قبل التنفيذ بأربعة أيام وانه كان مواظباً على حضور جلسات محكمة يمثل أمامها المليفي. وشرح شكوى أحد المهاجمين الذي كان عائداً من افغانستان ولمس في المطار الترحيب والاستقبال الحسن للفنانات بينما اقتيد هو الى التحقيق. ويحذر المليفي في المقابلة صراحة من أن "أميركا اذا استمرت على عنجهيتها فلا يستبعد وقوع عمليات أخرى". وأن القواعد الاميركية في الخليج عموماً ومنه الكويت "ليست في مأمن". أما أوضح إدانة للتيار الاسلامي بصورة عامة فتأتي من جانب أحد ابرز الوجوه الليبرالية في الكويت وهو الدكتور أحمد بشارة الامين العام ل"التجمع الوطني الديموقراطي" الذي يشير الى كتب المدارس المحشوة "بجرعات ثقيلة من ثقافة الكراهية والغاء الغير، وندوات تؤلب المشاعر وتشوه الوعي عند الدهماء، فهل نستكثر ان تولد هذه الظروف مجتمعة ارهابيين كويتيين؟". ويقول غامزاً من قناة الحكومة: "إن ارهابيي الكويت أعضاء في تنظيم "القاعدة" وشاركوا في معاركه الخاسرة في افغانستان والبوسنة وغيرها وعادوا من هناك بعد هزيمتهم لتتساهل معهم السلطات الامنية وليتدخل لمصلحتهم نواب معروفون والاحزاب الاسلامية ومشايخها، كما هلل لهم الكثير من الكتاب الاسلاميين ودافعوا عنهم في الفضائيات وأثنوا على شيخهم الاكبر بن لادن". ويتذكر الدكتور بشارة بأسى "حماقة استقبال الفاتحين التي اسديت لبعض العائدين من افغانستان في مطار الكويت من قبل مشايخ وزعماء الاحزاب الاسلامية وكيف أكرمهم بالاطراء السيد وزير الداخلية حين قال: هؤلاء أولادنا"، محذراً من "أن حادث فيلكا ليس الا نموذجاً مصغراً لنيات الارهابيين الاسلاميين. فغرض ارهابيي الكويت وشبكتهم الدولية أوسع من مناوشة بضعة جنود أميركيين. فهم جزء من مخطط شيطاني اشمل وأكبر، وهم وقود لنار ستقضي على أهلهم". حادث فيلكا حصل في الكويت التي تعتبر ابعد مكان كان يمكن أن يشعر فيه الاميركيون بالتهديد. وبعد يوم واحد جاء حادث جزيرة بالي الاندونيسية ليُكشف عن تنامي مشاعر الكراهية للأجانب، فمن المسؤول؟ أميركا أم الاسلاميون أم القضية الفلسطينية أم تراخي الحكومات في مسألة الامن الوقائي كما هي متراخية عموماً في تولي مسؤولياتها القومية. أم كل هؤلاء؟ أم انها حرب الحضارات التي يبدو انها تتسيد الساحة ولا يجد الطرف الضعيف المتصدي للمواجهة جراء انعدام المرجعيات الثقيلة غير سلاح الارهاب كي يستخدمه فيها؟ أما المدهش في المسألة فهو أن الجميع ومن دون استثناء يتصرف وكأن مثل هذه الحوادث سيتكرر، مع الاسف.