فليحلم الحالمون بالديموقراطية الاميركية الطراز، الآتية الى العراق، والتي يتوهمون أنها ستشعّ من هناك على بقية المنطقة وترغم حكوماتها الحالية، او الجديدة، على احترام حقوق الانسان. ولكن يجدر بهؤلاء ان يستفيقوا وينظروا الى دعم واشنطن على مدى العقود الماضية لأنظمة حكم دعمتها وحمتها في مختلف انحاء العالم على حساب رفاه شعوبها لأن ذلك كان يصب في خدمة المصالح الاقتصادية الاميركية. تمكنت الامبراطورية الاميركية من خلال حربها التي بدأتها في افغانستان في 7 تشرين الاول اكتوبر الماضي من اقامة قواعد عسكرية في عدد من جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة المتاخمة لبحر قزوين والغنية بالنفط والغاز، كما أقامت قواعد عسكرية في افغانستان التي تريد لها أن تكون معبراً قصيراً آمناً لأنابيب النفط والغاز الى باكستان الخاضعة حالياً للنفوذ الاميركي. في الاجواء التالية لأحداث 11 ايلول سبتمبر والحرب في افغانستان ولدت سياسة الامن القومي الاميركي الجديدة التي تعتمد على ضمان تفوق اميركي عسكري ساحق على اي قوى اخرى في العالم وعلى توجيه ضربات وقائية ضد اي دولة او مجموعة دول ترى واشنطن انها يمكن ان تهدد الآن او في المستقبل المصالح القومية الاميركية الاقتصادية والامنية. في هذه الاجواء تريد اميركا ان تجرب استراتيجيتها الجديدة في العراق، على رغم ان لا صلة له بأحداث 11 ايلول ورغم انه لا يشكل تهديداً جدياً او شبه جدي للمصالح الاميركية، بل تريد تغيير نظام الحكم فيه، بما يتضارب مع دستورها وميثاق الاممالمتحدة والقانون الدولي. فلماذا تصر ادارة الرئيس جورج بوش على تحقيق هذا الهدف؟ اولاً، السيطرة على احتياطيات النفط العراقية الضخمة والتحكم في اسعار النفط مستقبلاً والحصول على عقود ل"اعادةاعمار" العراق بعد أن تكمل هدم ما تبقى له من بنيات تحتية بعد حرب "عاصفة الصحراء" عام 1991. ثانياً، سيتيح هذا لاميركا فرض عزلة كاملة على ايران التي ستصبح مطوقة تماما بالنفوذ الاميركي الى ان تذعن وتتعاون مع السيناريو الاميركي الجديد الاوسع نطاقاً للمنطقة، مثلما اذعنت بقبولها بنظام حامد كارزاي الذي نصبته الولاياتالمتحدة في كابول. ثالثاً، تلبية مطالب اسرائيل واللوبي الموالي لها في اميركا بضرب العراق وتجريده من اي قوة عسكرية فاعلة، وبالتالي ترهيب الدول العربية المجاورة وحملها على عدم معارضة مخطط اليمين الصهيوني لتهجير الفلسطينيين من ديارهم عنوة. لقد مرت احدى عشرة سنة على مؤتمر مدريد للسلام الذي رتبت واشنطن عقده بعد حرب تحرير الكويت ولم يحل السلام في المنطقة لسبب واضح للجميع هو الانحياز الاميركي الكامل الى جانب اسرائيل. وقبل ايام، عندما دعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وهو من اوثق حلفاء اميركا، الى استئناف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية النهائية قبل نهاية العام الجاري اعترض بوش على ذلك رغم ان اقتراح بلير لا يتعارض و"رؤية"الرئيس الاميركي لحل يقوم على دولتين، فلسطين الى جانب اسرائيل. هكذا، وبحرب واحدة، سيصبح بلد عربي آخر محمية اميركية، ويتمكن الاسرائيليون من تحقيق الحلم الصهيوني بالسيطرة التامة على فلسطين.