أبدى طلاب سعوديون عادوا إلى بلادهم من سجون في الولاياتالمتحدة بعد تجارب قاسية تلت أحداث 11 أيلول سبتمبر، خيبة أمل من دولة كانوا يعتبرونها ملاذاً للديموقراطية والباحثين عنها. "الحياة" التقت اثنين منهما وبينهما الطالب السعودي عادل الذيابي الذي اعتقل في أميركا لأكثر من شهرين من دون تهمة، سوى أنه أحد الدارسين للطيران هناك. واطلق لبراءته ولكن مع تأكيد "خطره على الأمن الأميركي"، بالتالي منع من دخول الولاياتالمتحدة لعشر سنين. وفي بريطانيا نال نزال الشمري بعض ما نال رفاقه هناك، فمن الشتائم وازدراء الإسلام إلى الضرب، الأمر الذي أرغمه على العودة إلى بلاده، بعدما حاول الاستمرار على أمل تحقيق ما ذهب ليبحث عنه. وفيما يؤكد الطالب عبدالله بن طوالة أنه باق في أميركا ولا يكترث بتجربة اعتقاله، وأنه عازم على اكمال مشواره الدراسي يقول عادل الذيابي: "كنت أدرس الطيران في ولاية فلوريدا وكان كل شيء جيداً حتى التفجيرات التي تبدلت بعدها المعاملة والقبول الأميركي لما هو عربي أو مسلم". ويوضح أن التحقيقات معه بدأت بعد ثلاثة أيام من الأحداث عندما فتش شقته ثلاثة من رجال "اف بي آي"، وطرحوا عليه أسئلة مثل مكان دراسته ولماذا اختار الطيران، ثم خرجوا معتذرين وموضحين أن استجوابه ليس من باب الإدانة بل للتحقيق والبحث عن مزيد من المعلومات. ويضيف: "صباح اليوم التالي دهموا شقتي وعلى طريقة الأفلام، شاهرين مسدساتهم وقيدوني وقادوني بعدما فتشوا الشقة، إلى سجن الجوازات، وعندما ادخلوني إلى غرفة التوقيف طلبت فك القيود، لكنهم تركوني يوماً كاملاً مقيداً من دون أكل أو شرب، أو حتى اعطائي فرصة لقضاء الحاجة. في اليوم التالي نقلوني إلى سجن في اورلاندو، وهناك طلبوا تجريدي من كل ملابسي لاغتسل مع مجموعة من المساجين الأميركيين، ولما رفضت لأن ديني يحرّم كشف العورة، قالوا: "رغماً عنك ستخضع لما نطلبه منك". ويروي أنه بقي في سجن أورلاندو 11 يوماً "بعدها نقلوني إلى سجن في جنوب تامبا في ولاية فلوريدا، حيث بقيت أكثر من شهر ونصف شهر من دون تهمة سوى انني سعودي يتعلم الطيران، وعدم اكتمال أوراقي في الأكاديمية، الأمر الذي طلبته من الأكاديمية عبر المحامية لأثبت لهم بطلان مزاعمهم، لكن إدارة الأكاديمية رفضت بحجة سحب "اف بي آي" كل أوراقي". وعن المضايقات في السجن، قال: "كثيرة، فلا يوجد احترام وعندما ينادونني يطلقون عليّ بن لادن، إضافة إلى التعذيب الذي تمثل في رفع درجة برودة مكيفات السجن، وعدم تزويدنا أغطية تمنع البرد القارس. وعندما طلبنا خفض درجة البرودة رفضوا، فلم نجد حلاً سوى تقطيع ورق الكرتون الملقى في السجن لسد فتحات المكيف. وعندما زارنا مشرف السجن غضب وطالب بزيادة درجة البرودة عقاباً لنا". ويشير الذيابي إلى أن عدد العرب والمسلمين في السجن كان كبيراً، بخاصة بعدما أصدر الرئيس جورج بوش قراراً باعتقال كل من يشتبه فيه، فأوقف سعودي اتهم بالتجسس على أحد المطارات، حين كان يمارس هوايته وهي تصوير لحظات الغروب في منطقة حول المطار. ويصف القاضي بأنه كان متحاملاً على السعوديين، فعندما أكدت المحامية أنها مكلفة من السفارة السعودية الدفاع عن الذيابي "ولا أظن أن السفارة السعودية تهتم بإرهابي"، قال القاضي: "السعوديون والكويتيون إرهابيون". كما يروي عادل بعض المضايقات أثناء دراسته في الأكاديمية بعد الأحداث، ويقول: "لم يسمحوا لي بالطيران بمفردي، وبأن أتدرب إلا في منطقة بعيدة عن الأبنية". ويتذكر أنه في إحدى المرات كان يرافقه مدربه وفوق أحد المباني طلب منه الأخير أن يقود هو بنفسه الطائرة في إشارة إلى عدم الثقة، وعندما رفض غضب المدرب وأبلغ الشرطة التي حققت معه وكانت بانتظاره. ويتحدث عن مهاجمة أميركيين إحدى العربيات المحجبات لدى خروجها من أحد المحلات، وتجريدها من ملابسها. وينوي الذيابي اللجوء إلى القضاء نتيجة لما تعرض إليه. أما عبدالله بن طوالة، فيقلل من المضايقات التي يتعرض لها السعوديون والعرب في أميركا، ويقول إنه لم يعتقل "بالمعنى المعروف للاعتقال"، بل اوقف بسبب "مخالفة مرورية، ولكن لسوء حظي تزامنت مع الأحداث والحملة الأمنية التي تشنها السلطات الأميركية على العرب والمسلمين". ويعزو مغادرة بعض الطلاب العرب والسعوديين إلى عدم رغبة بعضهم في مواصلة دراسته أو فشله، ويرى أن هناك "من استغل الظروف وعاد إلى بلاده ليقول إن الاقامة في أميركا لا تطاق بسبب المضايقات الأمنية، لكن الحقيقة انه وجد الظروف مناسبة لتغطية فشله الدراسي". تجربة من بريطانيا تجربة أخرى يرويها نزال ياسين الشمري، ولكن من بريطانيا، حيث كان يدرس في معهد اللغة الانكليزية، استعداداً لالتحاقه بإحدى كليات إدارة الأعمال. ويقول الشمري: "بعد أحداث 11 أيلول تغيرت النظرة إلينا نحن العرب، فبدأت المضايقات ومنها أن مدرسي المعهد لم يعودوا يهتمون بايصال المعلومة إلينا، وهناك التجاهل والشتم في بعض الأحيان من دون أي مبرر سوى اننا عرب ومسلمون". ويلفت إلى أن العائلة التي أقام معها كانت تكن له المودة والتقدير حتى جاءت الأحداث التي "اختلفت معها النظرة، من تجاهل رد التحية إلى الاساءة للإسلام". ويروي أنه تعرض لاعتداء، ويقول: "ثلاثة بريطانيين اعترضوا طريقي وأمسكوا بيّ بعدما قيدوني وبدأوا بتوجيه اللكمات المصحوبة بالتهديد، وقال أحدهم: هنا سيكون موتك ولن تعود إلى وطنك حياً". ويضيف انه نجا حين تدخل ثلاثة شبان من ليبيا ساعدوه عندما استنجد بهم. ولا يخفي الشمري مرارة، حين يؤكد أنه عاد إلى السعودية نهاية رمضان، ولا يفكر في العودة إلى بريطانيا بعد "الاساءات والحقد على كل ما هو عربي ومسلم".