أثار عرض مسلسلين سوريين عن القائد صلاح الدين الأيوبي، خلال رمضان المنصرم، اسئلة عدة. لكنني اذا نظرت الى ذلك من زاوية رؤية إيجابية، وجدتها - في جانب واحد على الأقل - في مصلحة المشاهد الذي ستتوافر له مع العرضين فرصة اكتساب معرفة اوسع وأعمق بالتاريخ من خلال وجهتي نظر، وربما فكرين مختلفين. أما ما لفت نظري حقاً فهو الجانب الفني، اي المعالجة الاخراجية للعملين، وهما ينتميان الى ما بات يعرف ب"الانتاج الضخم" وهي ميزة تجعل المسؤولية عن تحقيقهما اكبر، إذ لا مجال هنا للتذرع بضيق ذات اليد او صعوبة تنفيذ هذا المشهد او ذاك. في "البحث عن صلاح الدين"، الذي أخرجه نجدت اسماعيل أنزور، نجد أنفسنا فجأة، امام عمل يعتمد في درجة اساسية على الحوار. ومن شاهد العمل خلال الأيام الماضية سوف تدهشه عودة أنزور الى الأسلوب الذي طالما صب عليه جام غضبه، أي ما كان يسمّيه المسلسلات الإذاعية المصوّرة التي نرى فيها مشاهد طويلة لإثنين او اكثر من شخصيات المسلسل وهم يتحدثون في اطار صورة ثابتة، او شبه ثابتة، ويزيد من حدة هذه المسألة ان المخرج قلل الى حد كبير من المشاهد الخارجية، وحتى من التصوير في اماكن ملائمة القلاع والقصور الحقيقية، ما جعلنا نتذكر الدراما التاريخية العربية قبل عقدين من الزمان. نضيف الى ذلك كله، ما نراه على الشاشة من كرنفال مضحك من الأزياء خصوصاً ازياء الفرنجة التي تسهم هي الاخرى، في إفقاد العمل مصداقيته، وتكسر حال الانسجام بينه وبين المشاهد الراغب حقاً في المعرفة التاريخية، ولكن الراغب ايضاً في المتعة الفنية، التي نؤمن انها حجر الزاوية في اي عمل ابداعي، وخصوصاً الدراما التلفزيونية. في مقابل ذلك، نشاهد في "صلاح الدين" المسلسل الذي اخرجه حاتم علي، جهداً فنياً كبيراً في القبض على درامية الدراما إذا جاز التعبير، فالمخرج ابتعد الى حد كبير عن السردية المألوفة والمملّة، وقدّم حلولاً إخراجية جعلت من مسلسله اقرب الى "الرواية التلفزيونية"، بما تحمله من مواصفات عمق المعالجة ومنح الشخصيات ابعادها، وأيضاً الوصول مع المشاهد الى حال تفاعل من خلال دقة اختيار اماكن التصوير وزوايا التصوير وحركة المشهد، وأيضاً من خلال التقطيع والانتقال من مشهد الى آخر، لكسر أي رتابة. نسجل للمخرج حاتم علي هذا الادراك العميق لأهمية العمل الدرامي التلفزيوني، وخصوصاً حين يتعلق بقضايانا المصيرية الكبرى، وتاريخنا في محطاته الأهم. ولا ننسى هنا الإشارة الى الدقة اللافتة في اختيار الممثلين، وأيضاً في الأزياء، وفي الديكور بالذات. أعتقد ان عرض هذين العملين على الشاشة الصغيرة في وقت واحد، هو فرصة كبرى للمشاهد للرؤية والمقارنة.