أستاذ سابق في الجامعة أذاعت فضائية "بي.بي.سي. وورلد" برنامج Dateline London عن الحوادث الدامية في فلسطينالمحتلة، استضاف جافين إسلر، وهو مسؤول أميركي سابق، ونائبة في البرلمان الاوروبي، وصحافياً بريطانياً، وصحافياً إسرائيلياً من "هآرتس". واستحوذ الاخير على معظم وقت البرنامج ولم يحاول أي من الحاضرين تفنيد مزاعمه. هذا التجاهل للحضور العربي أو تغليب الحضور الإسرائيلي عليه من جانب ال"بي.بي.سي" هو أمر معتاد منذ سنوات طويلة ففي اليوم الذي نشرت "الغارديان" خطاباً لي، في عددها الصادر في 20 أيلول سبتمبر 2001، وصلني بالبريد الالكتروني خطاب من ستيف بالمر، منتج برنامج London Live Breakfast Show يقول فيه إنه قرأ خطابي في "الغارديان"، و"اننا مهتمون بأن تتفضل بالتعبير عن آرائك تلك في برنامجنا. فإن كنت تود أن تتحدث الى مستمعي البرنامج على الهواء عبر الهاتف صباح الغد، وفي أي مناسبة مقبلة، فنرجو ارسال رقم هاتفك". وعلى رغم ارسالي رقم الهاتف، لم اسمع منه ثانية، ولم يعتذر أو يبرر نكوصه عن عرضه استضافتي. فاستنتجتُ ان الرجل على الأرجح تعجل في الكتابة إليَّ، وتوجيه دعوته من دون استشارة رؤسائه في هيئة الاذاعة البريطانية الذين لا يقبلون صوتاً عربياً يربط السياسة الأميركية في الشرق الاوسط بأحداث 11 أيلول سبتمبر هذا التضييق على حرية التعبير العربية هو سياسة الصحافة الاميركية، كما انه سياسة ال"بي.بي.سي". ولذا فإنني أرى أن "الحياة" - وهي واحدة من أكبر الصحف العربية وأوسعها انتشاراً - اخطأت بنشر مقال السفير الأميركي السابق، إدوارد ووكر، في صفحة "رأي" في 6/12. والخطأ لم يكن ليقع لو أن ووكر عبّر عن رأي موضوعي ومتوازن في ما يجري. غير ان ما كتبه كان أبعد ما يكون عن الموضوعية، وأقرب ما يكون الى الإهانة. وهو ما جعلني اشعر بعد قراءة المقال بأن الغريب يسبّني كعربي في بيتي "الحياة" بجرأة يحسد عليها. انهم يقيدون حريتنا في التعبير عن آرائنا، وإبراز حقوقنا في منابرهم الإعلامية، فلا أقل من أن نرد عليهم، ليس بالحجر على آرائهم كما يفعلون هم، وإنما بفرض احترامنا عليهم، وعدم إفساح المجال لهم لترويج أباطيلهم ونشر افتراءاتهم عبر منابرنا الإعلامية. والإهانة واضحة، أولاً، في ازدراء ووكر حقاً إنسانياً أساسياً للعرب هو حق مقاومة الاحتلال الأجنبي، فيصفها ب "الهمجية". وهي واضحة. ثانياً، في تحريضه ياسر عرفات على سحق المقاومة الفلسطينية وضرب وحدة الشعب الفلسطيني في مقتل، وتقوية احتمالات إشعال حرب أهلية. ثالثاً، جعل التطرف والوحشية حكراً على الفلسطينيين. أما القصف العشوائي للمدنيين، وتدمير المنازل، وتجريف الاشجار، وتفجير احشاء الأطفال بصواريخ "الأباتشي"، فهي أمور شارون "مجبر عليها كي يوصل بقوة الرسالة بأن اسرائيل لن تتسامح ابداً مع العنف". يقول ووكر إنه "مستعد للاستماع" الى أصوات من عينة سري نسيبة الذي يطالب الفلسطينيين بالتخلي عن حق العودة، ويزعم ان لليهود حقوقاً في القدس، أي حقوقاً في حرم الأقصى. يعني ذلك كما يبدو أنه غير مستعد للاستماع الى من ينطق بما لا يتفق مع هواه. وهو، كما بينت من قبل، منطق صحافة البلد الذي ينتمي اليه. وهو الأمر الذي أرجو ألا تحققه له "الحياة"، فيتسع صدرها لهذا التعبير عن استيائي من نشر مقال ووكر. صلاح عز أستاذ في كلية الهندسة في جامعة القاهرة.