كانت جميلة جداً تلك "العيدية" التي فاجأت بها المحطة اللبنانية للإرسال ال بي سي جمهورها عبر برنامج "وقّف تقلّك" الذي اصبح سنوياً أو بالأحرى مقتصراً على ليلة رأس السنة. "عيدية" هذا العام حصدها شاب مقعد يُدعى جوزف جعارة من قرية "هابيل" قضاء جبيل وهي معروفة بثروتها الكبيرة من المتحجرات السمكية الراقدة في صخورها. إلا ان الحلقة التلفزيونية التي يعدها طوني خوري ويخرجها بيتر خوري لم تخلُ من الجو الميلودرامي المبالغ فيه احياناً، تماماً مثل الحلقة التي بثّت السنة الماضية ونجحت فيها "أل بي سي" في رأب صدع إحدى العائلات اللبنانية وجمع شتاتها. وإن بكى الكثر من المشاهدين ليلة رأس السنة الماضية تأثراً ب"مأساة" تلك العائلة التي انفصل فيها الأب مع ابنه عن الأم مع ابنتها فإن الكثر بكوا هذه السنة ايضاً تأثراً ب"مأساة" هذا الشاب المقعد الذي فقد رجليه إثر حادثة حصلت وأدى تفاقهما ايضاً الى حال من الخراب العائلي. فالشاب الذي كان يعمل لدى أخيه الأكبر صاحب الجرافة التي تسببت في قطع رجليه ما لبث ان تخاصم مع ذلك الأخ وقامت بينهما دعوى قضائية مشفوعة بجو من التوتر والكراهية. طبعاً لم يُتح للجمهور ان يميّز بين الضحية والجزّار ولا أن يحمّل التبعة أياً من الأخوين. فالهدف هو المصالحة اولاً ثم علاج المأساة الجسدية او الإعاقة التي حلت بالأخ الصغير ثم ايجاد حل للمأساة الاجتماعية التي نجمت عن الإعاقة. بدت الحلقة درامية منذ مطلعها ثم سرعان ما اصبحت ميلودرامية وكأن غايتها اسالة دموع المشاهدين وإثارة مشاعرهم أو شفقتهم. فمشهد الشاب الكسيح والعذاب الذي تحمّله وخصوصاً عندما كان يقع ارضاً في المستشفى، كان أليماً جداً، وزادت الكاميرا من مأسويته جاعلة من ذلك الشاب "ممثلاً" من غير ان يدري وجعلت من مأساته مأساة تلفزيونية. وإن كان من الصعب على "ال بي سي" ان تنتهج منهجاً آخر في معالجة مأساة هذا الشاب نظراً الى "جماهيرية" الحلقة وما تدرّه هذه "الجماهيرية" من إعلانات، فإنها كانت قادرة على تشذيب المشاهد الأليمة التي بدت الكاميرا خلالها وكأنها آلة جراحية تمعن تشريحاً في عواطف ذلك الشاب ومشاعر خطيبته. وكان ممكناً أيضاً عدم ابراز وداعة تلك العائلة او عفويتها وبراءتها ورؤيتها البسيطة الى الحياة وأمورها. كان من الممكن إلغاء تلك اللقطات التي كان يقاسي فيها الشاب عذابه الجسدي مرتمياً على الأرض أو مخبطاً بيديه او تلك اللقطات التي يبكي فيها بشدة أو يخفي عينيه خجلاً. فالكاميرا تصبح مؤلمة حين تفضح تلك اللحظات الشخصية والخاصة جداً والعفوية جداً والتي لا يحق لأحد ان يراها. لا شك في ان "الهدية" كانت مهمة وإنسانية جداً وغير منتظرة. فالمؤسسة استطاعت ان تنقذ هذا الشاب من أزمته المادية عبر ايجاد وظيفة له وبيت تقدم بهما بنك عودة وعبر المضي في معالجة اعاقته في احد مستشفيات باريس قامت بها شركة سنا للتأمين علاوة على تأثيث المنزل قدّمت الأثاث مؤسسات اخرى وعلى الزواج الذي تحقق كالحلم في منتجع سياحي مغطى بالثلج... ولعل من اجمل ما تحقق ايضاً المصالحة التي تمت بين الشقيقين اللذين وقع الشقاق بينهما. ولم يتوان الأول والثاني عن تبادل المسامحة علماً أن القضية وصلت الى المحكمة في كل ما يعني هذا "الوصول" من تهم متبادلة. صحيح ان المبادرة بدت مفعمة بالعطاء والإحسان والخير، لكنها لم تخل من "الشفقة" ايضاً وخصوصاً تحت اضواء الكاميرا الباهرة، والشفقة كما يعلم الجميع هي عدو العطاء ونقيض الإحسان... وكيف إذا كانت مشهديّة ومفضوحة في المعنى الإعلامي. كان يمكن تخفيف حال "الشفقة" التي كانت نافرة وجعلها مجرّد فعل انساني. فإسالة الدموع وإثارة مشاعر الجماهير لا تحتاجان الى مثل هذه المواقف التي تبالغ كثيراً في ميلودراميتها. وكان من الممكن ان تبثّ هذه الحلقة ليلة عيد الميلاد ما دام هدفها مساعدة الآخرين وإشاعة اعمال الخير... على أي حال يستحق جوزف جعارة هذه "العيدية" الجميلة التي انقذته من مأساته الجسدية والمادية والاجتماعية. وتستحق "ال بي سي" والمصرف وشركة الضمان وبقية المؤسسات التي ساهمت في "العيدية" الشكر ايضاً. وعسى مثل هذه "المبادرات" الخيرية تتكرر دوماً فهي قادرة فعلاً على أن تجمّل بعض "المظاهر" القبيحة التي تطل بها الشاشات الصغيرة على جمهورها الكبير في احيان غير قليلة.