بدت «سداسية» مروان نجار «غلطة معلّم» (تلفزيون الجديد) خفيفة وخالية من الإطالة و «الاطناب» السرديّ مع أن الحالة «المكسيكية» التي تجلّت في شخصية الابن المجهول العائد كان في إمكانها أن تمدد «السداسية» الى مزيد من الحلقات، وكان في إمكان مروان نجار الكاتب أن ينطلق من هذه المصادفة ليبني الكثير من العلاقات ويربطها بعضها ببعض. اختصر الكاتب إذاً القصّة في الحلقات الستّ مقترحاً خاتمة سعيدة وغير ميلودرامية لهذه الواقعة غير المنتظرة التي حلّت بعائلة الأستاذ عماد (جوزف بونصّار) وزوجته المربية ربى (رلى حمادة) جراء «غلطة» كان ارتكبها عشية زواجه منها في جريرة ما يُسمى بالعامية «فشة خلق». لكن هذه الغلطة كان ثمنها باهظاً، فالفتاة التي نشآت علاقة بينه وبينها قبل نحو 18 عاماً، أصبحت أماً بلا زوج، ما اضطرها الى السفر إخفاء لغلطتها هي أيضاً وتخلّصاً من التهم القاسية التي ما كانت أسرتها لتقبل بها. جرأة هذه المرأة (كارول عبود) تكمن في إصرارها على الحمل وعلى رفض الإجهاض لكن جرأتها لم تتبدّ بوضوح ولم يظهر سببها أو الحافز عليها وكأن الحمل سفاحاً فعلٌ تمّ بالصدفة التي قبلت بها. طبعاً كانت هذه السيدة أماً حقيقية رغم ان المشاهد لم يعلم اين عاشت هي وابنها وكيف عاشت وكيف تعلّم ابنها الذي ما إن عادت به الى وطنه حتى ألحقته بمدرسة الأستاذ عماد. هل الصدفة هي التي دفعتها الى اختيار تلك المدرسة أم أنها كانت تعلم جيداً ما تخطط له؟ الأستاذ (أو المدير) فوجئ بها وبابنها الذي هو ابنه مثلما فوجئت هي به أيضاً أو تظاهرت بأنها فوجئت به. وكانت مفاجأة المدير كبيرة وقاصمة، فهو اكتشف للحين أن له ابناً نشأ بعيداً عنه وصار له من العمر 18 عاماً... والصدمة الكبيرة حلّت على زوجته المثالية، كمربية وأم وحبيبة. شعرت ربى بخيبة عميقة، خيبة الخيانة عشية الزفاف وخيبة سقوط العائلة التي سعت الى بنائها مع زوجها. وما زاد مأساة هذه الزوجة أن امرأة أخرى ظهرت فجأة في حياتها الزوجية هي بمثابة خصم لها أو «عدوّ». كان من الطبيعي ألا تحتمل ربى هذه الصدمة وأن يكون ردّ فعلها إزاءها غير عقلاني، عفوياً وتلقائياً. فهي امرأة مثالية جداً، تحب زوجها والعائلة ولا تحتمل الكذب أو التلفيق. لم تستطع ربى أن تتصالح بسرعة مع واقعها الجديد فاضطرت مرغمة على قطع علاقتها بزوجها. أما الزوج فكان أشدّ هدوءاً مع أنه فوجئ بهذا الابن المجهول، وسعى الى استيعاب ردّ فعل زوجته وولديه مذعناً ومنتظراً أن تسنح له الفرصة كي يوضح أبعاد الغلطة التي ارتكبها من غير قصد. بدا مروان نجار ككاتب أشبه بالراوي «العليم» بحسب أحد مصطلحات النقد الروائي، فهو رسم معظم الشخصيات والوقائع انطلاقاً من وجهة نظره هو ولم يمنح شخصياته حريّة التعبير والتصرّف ما خلا زوجة المدير التي منحها حريتها كشخصية. ووجهة النظر هذه تهدف الى إحداث مصالحة بين سائر الشخصيات والفضيحة التي حصلت، فجعل مثلاً الابن «العائد» شخصاً إيجابياً بعيداً من أي عقدة نفسية مع أن وضعه نادراً ما ينتهي بسهولة ومكوناته النفسية هي على قدر من التعقيد. أما أمّه فضاعت ملامحها بين أن تكون امرأة حاقدة بحسب ما يقتضي وضعها أو امرأة لا مبالية ومتسامحة. وهذا طبعاً خيار الكاتب مع أن كارول عبود، الممثلة القديرة، حاولت أن تمنح هذه الشخصية الكثير من الأحاسيس الدفينة والمشاعر الملتبسة ونجحت كثيراً في أدائها. الولدان، الفتاة وشقيقها، تصرّفا ضمن الحدود المتاحة لهما أو المهيّأة لهما وبدا ردّ فعلهما كأنه مرسوم ليفضي الى الخاتمة السعيدة، لا سيما من خلال السلوك السلبي للفتاة الذي لم يكن مقنعاً تماماً والذي كان متسرّعاً. لم يأت الإخراج (زياد نجار) بما يفوق قدرات النصّ، فهو بدا عادياً ومحتاجاً الى المزيد من المرونة والخيال والمراس، وبلغ الإخراج اقصى برودته في مشاهد المدرسة - على سبيل المثل - والجوّ الذي لم يكن مقنعاً. وبدت شخصية الأستاذ المتطفل مركّبة وغير مقنعة... لكن ما ساعد الإخراج على النهوض هو حضور ممثلة في قامة رولا حمادة التي أدّت شخصية الزوجة المخدوعة ببراعة وشفافية، دامجة بين وعيها الحاد للشخصية وإحساسها بها، وجامعة بين الرقة والقوّة، بين البساطة والعمق. أما جوزف بونصّار فكان كعادته ممثلاً قادراً على إضفاء لمساته الخاصة على شخصية «المدير» مانحاً إياه بعداً إنسانياًَ عميقاً. والتحية التي يشكر عليها مروان نجار هي تلك التي وجهها الى الممثل الراحل كمال حلو الذي لم يتسنّ له إنهاء الحلقتين الأخيرتين من «السداسية» إذ فاجأه الموت خلال التصوير. وقد أدّى دور والد المدير الذي اختار العزلة على شاطئ البحر، صائداً للسمك، محققاً حلمه. وقد حلّ محلّه الممثل ميشال تابت ناسجاً الشخصية على منوال زميله الراحل.