بعد مرور عام تقريباً على تولي ارييل شارون رئاسة الحكومة في إسرائيل، تثور اسئلة حول تقويم سياسته التي اتبعها وأشرف على تنفيذها طوال الاثني عشر شهراً الماضية، والنتائج التي تمخضت عنها. هل استطاع شارون بتطبيقه استراتيجية "البطش العسكري"، واستخدام أنواع الاسلحة كافة ضد الفلسطينيين من دون تمييز بين المدنيين والمقاومين، أن يقضي على الانتفاضة المستمرة منذ ستة عشر شهراً؟ وما هو مصير الاتفاقات التي أبرمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ سنة 1993، ووافقت عليها الحكومات الإسرائيلية بدءاً من حكومة اسحق رابين وحتى حكومة ايهود باراك؟ وماذا بقي من عملية السلام التي بدأت في مدريد سنة 1991؟ للاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها، وللتقويم الموضوعي لسياسة شارون خلال عام مضى، ومحاولة استشراف آفاق المستقبل، فإن الحقائق على الأرض والوثائق الرسمية الإسرائيلية، هي الوسيلة الناجعة لبلوغ ذلك. إن حقائق الاوضاع المأسوية السائدة في الاراضي المحتلة، التي تمخضت عن سياسة شارون تؤكد بأنه يقود هيئة اركان حرب ولا يترأس حكومة مدنية مؤهلة لأن تكون شريكاً في مفاوضات السلام. فشارون عسكري محترف، وصهيوني متطرف، وسياسي من أقصى اليمين، يستخدم الدبابة والمدفع والطائرة في المفاوضات، إن جاز التعبير، بدلاً من الحوار بالوثائق والقوانين والحجج. وهذا السلوك ليس غريباً أو جديداً على شارون، بل ينسجم مع عقليته العسكرية، وعقيدته السياسية، فالوثائق السياسية الإسرائيلية تفيد انه افصح عن نياته المعادية للسلام مع العرب والفلسطينيين قبل أن يتولى الحكم بسنوات، وأعلن مراراً وتكراراً وفي أكثر من مناسبة رفضه اتفاقات أوسلو وما تبعها من اتفاقات، كما هو واضح في محاضر جلسات الكنيست الإسرائيلية، وفي نتائج التصويت على تلك الاتفاقات. وبعد أن أصبح رئيساً للوزراء شرع في تنفيذ مخططه لتدمير عملية السلام، الذي وضعه رفيقه في السلام الجنرال احتياط مائير داغان، ونشرت "الحياة" هذا المخطط في عددها الصادر بتاريخ 15/2/2001. واستخدم شارون في سبيل بلوغ هذا الهدف الذي هو في الحقيقة هدف اليمين المتطرف في إسرائيل كل الاسلحة والأساليب التي حرمتها الشرائع الدولية وفي مقدمها: ميثاق الاممالمتحدة، والوثيقة الدولية لحقوق الانسان واتفاقات جنيف للعام 1949. ولا شك أنه نجح في خلق أوضاع جديدة في الاراضي الفلسطينية، نشأت عنها مشكلات كثيرة اصبحت تمثل بدورها عقبات كأداء على طريق المفاوضات، كما حققت نجاحاً نوعياً في تغيير المعادلة السياسة لمصلحته ولو الى حين، فبدلاً من أن توجه اليه الاتهامات بالعدوان على الفلسطينيين وخرق الاتفاقات الموقعة معهم، أصبحت الاتهامات توجه الى السلطة الفلسطينية من قبل اطراف دولية لا سيما الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الاوروبي وروسيا الاتحادية. استغل شارون التغيرات الدولية التي اعقبت احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001، لتنفيذ مخططه السابق ضد السلام وضد الشعب الفلسطيني، واستطاع ان يدفع الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الاوروبي الى ممارسة الضغط المكثف على السلطة الفلسطينية لتعمل على وقف الانتفاضة، ومنع المنظمات الوطنية من مقاومة الاحتلال او حتى السماح لها بممارسة حق الدفاع عن النفس، في الوقت الذي لم تتوقف القوات الإسرائيلية عن اغتيال الفلسطينيين، وتدمير مساكنهم واحتلال اجزاء واسعة من الاراضي التابعة للسلطة، وجرف الاراضي الزراعية. وللحقيقة، فإن شارون حقق بعض اهداف خطته، وساعدته في ذلك عوامل عدة ابرزها: 1- عدم تحقق الوحدة الوطنية بين السلطة الفلسطينية وغالبية المنظمات، ما ادى الى وجود فراغ سياسي بين العمل الميداني للانتفاضة، والجهد الذي تقوم به السلطة على الصعيد الدولي. وكان ينبغي على الفلسطينيين ألا يقعوا في مثل هذا الخطأ، بعد التجارب المريرة والقاسية التي عانوا منها تحت الاحتلال، وفشل المفاوضات مراراً وتكراراً، وأن يعوا الدرس، ويكونوا صفاً واحداً في مواجهة خطة شارون، ويتحدثوا بصوت واحد امام العالم. 2- تفكك الموقف العربي، بعد النجاح الذي تحقق في مؤتمري القمة اللذين عُقدا في القاهرة وعمان، وظهر هذا التفكك في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عقد في شهر كانون الاول ديسمبر 2001. 3- الانحياز شبه التام من جانب الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الى إسرائيل، وتأييد سياسة شارون وشروطه التي وضعها لوقف الانتفاضة من دون شروط أو ضمانات، قبل العودة الى المفاوضات، والبحث في تطبيق توصيات لجنة ميتشيل. 4- غياب دور الاممالمتحدة وعدم قيامها بما يفرضه عليها ميثاقها من المحافظة على الأمن والسلام ومقاومة العدوان وإدانة الاعمال الوحشية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين، تمثل ذلك في عجز مجلس الأمن أكثر من مرة عن اتخاذ قرار يدين إسرائيل وإرسال مراقبين دوليين الى الاراضي الفلسطينية وذلك بسبب إصرار الولاياتالمتحدة على استخدام حق النقض "الفيتو" ضد مثل هذا القرار. ولا نتجاوز الحقيقة، إذ قلنا، إن شارون استطاع في اقل من عام أن يدمر معظم الانجازات التي تمت على طريق السلام طوال السنوات العشر الماضية. * كاتب فلسطيني مقيم في القاهرة.