عزمي بشارة النائب العربي في الكنيست الاسرائيلية يقول عن حق ان رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون يريد، من خلال سياسته الغاشمة إزاء الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات "تغيير أجندة المفاوضات وأجندة العالم، من أجندة أوسلو لإزالة المستوطنات وحل مشكلتي اللاجئين والقدس الى اجندة اسمها العنف من أجل كيان فلسطيني بالشروط الاسرائيلية". كانت الادارة الاميركية منعت شارون من قتل عرفات، ولكن لم يعد لديها مانع من عزله. ولا تعارض واشنطن تدمير المنازل في المدن الفلسطينية أو تدمير مبنى الاذاعة والتلفزيون الفلسطيني أو جرف مطار غزة، بل تبارك قتل المناضلين الفلسطينيين يوماً بعد يوم وتضع مصير الزعيم الفلسطيني على كف عفريت اسمه شارون. حجة الاميركيين ان رئيس الوزراء الاسرائيلي هذا منتخب، لكنهم لا يرون انه يقوم بممارسات يفترض ألا يقوم بها مسؤول منتخب، ويدعي انه في نظام ديموقراطي، أي انه يقاسم زعماء الدول الديموقراطية الحقة قيمهم ومفاهيمهم. ثم ان شارون انتخب مثلما انتخب عزمي بشارة، في الدولة نفسها، في الانتخابات نفسها. لكن هذه الدولة ومؤسساتها تدفع ممثلاً للشعب منتخباً الى ان يكون مجرم حرب دولياً، وتطارد ممثلاً آخر للشعب منتخباً ايضاً ليصبح تحت الاستجوابات والمحاكمات لمجرد انه قال رأيه وعبر عن طموحات شعبه الذي انتخبه. ومنذ تولى شارون رئاسة الحكومة وهو يتعمد تفجير العنف والاستخدام المفرط للقوة ضد الشعب الفلسطيني بمدنييه أولاً وأخيراً، وباقتصاده وأرضه وبساتينه ومحاصيله، فضلاً عن البيوت والمصالح والأرزاق. ومنذ تولى شارون منصبه وهو يجهر بسعيه الى إنهاء السلطة الفلسطينية وكأنها لا تحظى بأي شرعية دولية، أو كأنها يمكن ان تكون دمية في يد اسرائيل. تمكن شارون وعسكره من اقناع رأيه العام بأن هذه هي السياسة الوحيدة التي ستأتي له بالأمن والعيش في سلام. تماماً كما أقنع جورج دبليو بوش شعبه بأن حملته العالمية ضد الارهاب والقنابل على افغانستان واعتقال جماعة "طالبان" وارسالهم الى كوبا لسجنهم فيها، من دون أي احترام لحقوق الانسان التي كانت الولاياتالمتحدة تعظ العالم بها، سيكونان وقاية للشعب الاميركي من أي عمل عنف أو ارهاب ضده. فليتذكر الاسرائيليون تجربة جنوبلبنان، وليتذكروا خصوصاً ان ما حصل من مآس من جراء احتلال جنوبلبنان انما جاء من اخطاء رجل اسمه شارون. ويخطئ الاسرائيليون اذ يتجاهلون اليوم ان سياسة شارون بدأت "انتحارية" لاسرائيل وستكمل انتحارية لاسرائيل وشعبها لأن نتائج ما يحصل اليوم ستظهر لاحقاً بشكل كارثي. فالمسألة ليست مسألة شخص عرفات وانما هي قمع الشعب الفلسطيني وتدمير منازله واحتلال مدنه واذلاله يوماً بعد يوم. مثل هذه السياسة سيولد المزيد من العنف، ولا يشكل أي وقاية للمجتمع الاسرائيلي ضد العمليات الارهابية، بل بالعكس يفاقم الاخطار لأن الأساليب ستتغير. ماذا يتوقع من شعب تهان قيادته، وتدمر السلطة التي ترمز الى سيادته، وتدمر منازله ومطاره و"صوته" عبر الاذاعة والتلفزيون؟ بل ماذا يتوقع من عالم عربي قد يبقى ساكتاً الآن لكنه سيؤجل أي سلام مع اسرائيل الى ما لا نهاية؟ يمكن لشارون ان يعيد احتلال الأراضي الفلسطينية، ولكن لا يمكنه الادعاء بأنه جاء بالأمن للاسرائيليين. ولا شك ان المجتمع الاسرائيلي لا يزال يراهن على جنون شارون، إلا انه يراكم الاخطاء في حق مصالحه، لأن السلام واحترام حقوق الفلسطينيين وحدهما الوقاية الأفضل للأمن.