سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الترابي يكتب من سجنه عن الارهاب السياسي وتقويم الهجمات في اميركا 1 : الدفاع عن الحرية بقوة مكافئة والتزام الشرع ... ورد العدوان لا يتجاوز العذر اللازم لصد المبادرة الباغية
} بعد أيام قليلة يوافى الشيخ حسن الترابي عيد ميلاده السبعين، كما يوافى ذات التاريخ - على الأغلب - أياماً جديدة تضاف إلى نحو 2500 يوم قضاها الترابي في سجون الرئيس السابق جعفر نميري وإلى أكثر من ثلاثمئة يوم ما يزال يقضيها في سجون تلاميذه السابقين. وشهدت السجون الأولى ميلاد مؤلفاته الأولى "الصلاة عماد الدين" و"الايمان أثره في حياة الإنسان"، وتبلور نظرياته التي اشتهرت بعد "تجديد اصول فقه الأحكام"، و"تجديد الدين وتحديث حركة الإسلام" و"اصول الفقه السلطاني أو السياسي". أما التجربة الراهنة في السجن والخلوة والكتابة، فشهدت صدور الرسالة التي قوّم فيها سنوات الحكم والسلطة بعنوان "عبرة المسير لاثنتي عشرة سنة"، وما تنشره "الحياة" اليوم بعنوان "ظاهرة الإرهاب السياسي وتقويم حادثة سبتمبر في أميركا". وإذ لا تخرج هذه الرسالة من السياق الفكري واللغوي المتين الذي يسم كتابات الشيخ حسن الترابي، فإن تجربة الاعتزال والتأمل في الأحداث الجسام التي هزت العالم فجر الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي، وحركت الاساطيل والجيوش، وما أثارت من جدل فكري وسياسي بلغ حد المواجهة - في بعض المستويات - بين الإسلام والغرب، فإن مساهمة اليوم لمفكر من تيارات الصحوة الإسلامية، بل ورائد لحركة إسلامية بلغت السلطة واختلفت عليها في تجربة السودان التي كان يضعها كثير من الإسلاميين في خانة الاسوة والقدوة، ويتأملون اليوم في مآلاتها بكثير من الألم وغير قليل من التفكر والاعتبار تعتبر مساهمة خاصة جديرة بالقراءة المتعمقة والنقاش الجاد. يقارب الترابي موضوعه بثقافته الإسلامية الاصولية خصوصاً لجهة استيعابه وتوظيفه للنص القرآني وبمعرفته للقانون الدولي والدستوري، بوصفه استاذاً مختصاً للفقه المقارن، ثم تجربته في السياسة التي سلخ جل سنوات عمره الواعي ممارساً في ساحاتها. أن مسرح حادثة 11 أيلول هو الغرب في قلعته الحضارية الأولى أميركا، والشيخ الترابي هو من أكثر الإسلاميين تأهيلاً لمحاورة الغرب ومجادلته وتقديم الرؤى والمقترحات لعالم يسوده الحوار والسلام، كما تعبر عن ذلك كلماته في المقال. الارهاب يعني تسبيب الخوف الشظديد من خطر قابل او الفزع والرعب من حاضر. وقد راجت الكلمة اليوم مصطلحاً يعني فعلاً عمداً مذموماً قبيحاً بوقعه وبما يلقيه من عموم منكر. ولكن المصطلح ما انفك مبهم المفهوم. وهو لا يشمل ما يقع من رهب بذكر الجزاء الديني المرهوب غيباً ولا بالتصرف الاجتماعي المحذور أدباً ولا بالعقاب المشروع للجنايات ردعاً، وإنما هو الفعل الوحيد الذي ينذر او يحدث ضراً شديد الوقع غير مشروع في السياق العام لا سيما السياسي للحياة. والكلمة انتشرت وأصبحت معهودة في هذا الزمان، اذ كشفت طبيعة الحياة العصرية حوادث مدلولها وروجت أثرها. فالحياة غالبها حضر يسكن الناس في ازدحام مركب متضاعف وتشتبك المنافع وأسبابها في جوار كثيف، فالحركة المحدودة من جناية ضارة حرقة أو هدمة أو رمية قد تمتد آثارها الى المتجاورين وتصيب كثيراً وتحدث ارهاباً واسعاً للنفوس. ومجتمع الحياة اليوم كله محاشر ومواقع يتنادى فيها جم غفير حشداً على علم او عمل او صحة او رياضة أو لهو، فهم عرضة بأي فعلة عادية مؤذية لأن يتساقط منهم جمع ويتسع بهم الفزع. وأدوات الحضر ومرافقة الآلية لمد الطاقة والاتصال او تيسير الانتقال والحماية من داهيات المناخ كلها شباك رقيقة الأسباب، ضربة واحدة جانية تودي فيها الى خراب كبير واضطراب وارتهاب كثير. والناس عبر الأرض اصبحت مداركهم محيطة بالأحداث فالجرم المحدود، لا سيما اذا كان مثير الخبر مروّع المشهد يتداوله الناس يشهدون مناظره ويتسامعون آثاره بوسائل الاتصال الحديثة وحيثما كان وقع فاجعته او ثار سببها امتدت منه الرهبة. ولذلك مهما تكون الفعال العاديات المرهبات من خلق الانسان القديم شاع المصطلح الآن كأنه يعني ظاهرة جديدة. والمعنى الغامض للارهاب اذا غشيه الظل السياسي مما يتيح لأي ذي نفوذ طاغ ان يبسط إعلامه محرفاً الكلمة ومصرفاً لها كيفما شاء ليقذف بها في وجه من يفعل فعلة تزلزله او نحو عدو يريد هو ان يصوب اليه حملة عقاب بذريعة نسبته بوجه مستبهم لنذر الارهاب المبهمة. وينبغي حقاً في العالم الموصول اليوم ان يتواضع بنو الانسان كافة سواء على مفهوم للارهاب قاطع محدود. وهذه في ما يأتي معالم قد تكون بيّنة مناسبة عليها يُصطلح: 1 "الارهاب" فعل عام الوقع يشذ عن الأصل في علاقات بني الانسان. وذلك لأن الأصل في معروف المبادئ الدينية والانسانية هو السلم بين الناس، كل متروك بحسب مشيئته في حرية وأمان، وهو لذلك التعامل بالرضا مع الآخرين لطفاً لا عنفاً، وعفواً او عن عقود وأعراف بالوفاق في ذات البين. والصلة بالله في الدين أساس الابتلاء والتكليف والشرع إنما تقوم على حرية واختيار فالتزام عن تعاقد ومبايعة، لا على قدر الجبر. اما مع الناس فالعلاقة أيضاً عقود حرة في اعراف عفوية او مواثيق قطعية مزاوجة او متاجرة او موالاة على ملة او مذهب واحد او على سلطان مشترك. ويقتضي مبدأ التراضي ألا يشذ أحد عن سلام العلاقات بتهديد او نذير منه بقادم فعل خطير مخوف جداً او بإيقاع فعل ذي أذى وغرم يرهب الآخر كالسلب والهدم او الضرب والقتل. وذلك الفعل في جماعة أشنع وقعاً وأشيع ذكراً من فعل الفرد، والفاعلون لذلك جناية على الحرمات أموالاً او اعراضاً او انفساً يشار اليهم بكلمات شتى في الثقافات: جماعات الإفساد او العثو في الأرض او عصابات الإجرام او التخريب، نبذاً عاماً أو منسوباً الى جناية معينة، اما إذا كان فعلهم ذا وقع سياسي فقد كان يشار اليه بالبغي او الفتنة او تهديد الأمن العام. وذلك هو ما يدعى الآن ارهاباً يفعله الارهابيون صيغة نسبية مثل نسبة الحرامي في اللغة الدارجة الى الحرام. 2 والفعل الارهابي ما هو الشاذ بوقعه العنيف وحسب بل هو أيضاً غير المشروع وفق الاحكام والأعراف المعهودة. والذي يجعله غير مشروع ولا جائز في الدين والعرف والشرع الانساني هو انه يقع مبادأة ضد الآخرين ويفسد مبادرة صلة السلام والحرية والحرمة العامة بغير حق، عدواناً بعنف أو معاملة بقوة باغية تنفر طمأنينة العلاقة. وفي سياق الإجرام الاجتماعي والمالي يقع ابتدار العدوان بدوافع من قضاء شهوة أو نزوة شفاء غيظ أو كسب حرام للفاعل. اما العدو بمثل تلك الدوافع في العلاقات العامة ومن ثم الارهاب، فهو عدوان مبادر عن محض غضب على الآخرين لاختلافهم ديناً او مذهباً سياسياً، او عن بغض لهم وتعبير سخرية عامة للونهم او عرفهم، او عن حسد لهم مما كسبوه في المواقع العامة، او لكبتهم عنوة حتى لا ينالوا ما هو مشروع لهم حقاً من غنم عام يجده الفاعلون غرماً لهم، او نحو ذلك من بواعث الفعل العنيف الواقع على الآخرين ممن لم تصدر منهم سابقة غير مشروعة تبرر الرد عليها. 3 والفعل الذي يأخذ الآخرين بالقوة خروجاً على أصل السلام تسمح به تعاليم الدين وأعراف العدالة الانسانية اذا كان تسوية للحقوق المشروعة دفاعاً ذاتياً لصد عدوان حرام مهاجم بالضر البالغ بادر على الفاعل المدافع من آخر بغير حق. ومثل ما في العلاقات الخاصة بين الاشخاص من حق الدفاع عن النفس والمال هو في السياسة حق المدافعة والمجاهدة الدفاع والجهاد لرد القوة الباغية بقوة حافظة، وإن كان العفو هنا أولى الا عند خطر الفتنة والفساد العظيم. وفي المدافعة بالحق تلزم مراعاة كونها ضرورة وتقديرها بقدرها لاتقاء حدودها وضبط وسائل اجرائها والوقوف عند مدى انقضائها وتحري مغزاها والرجوع من بعد الى أصل السلام. وتلك القواعد الحاكمة لاستصحاب المسالمة بين بني الانسان ولضرورة المدافعة وحدودها، هي الهوادي الشاملة لكل الحياة. ولكن من الأوفق ان يقتصر هذا المقال على الارهاب السياسي، لأن السياسة هي اليوم المجال الأخصب لذكر الظاهرة، ولأن قضايا صراع القوى السياسية الرهيب هي اليوم الهموم الأشغل للعالمين. وغالب أولئك خصوم يطرح القضية كل في ما يعنيه بوجه مختلف، بين قوم مستكبرين يريدون ان يتخذوا من دعوى الارهاب حجة وحقاً ان يميلوا على من يروعهم بمقاومته ميلة بقوة طاغية، وقوم مستضعفين او مظلومين في ما يرون يريدون ان يعيّروا رهبوت المستكبرين الظالمين وألا تضيع ظلامتهم التي ينصرونها هم بقوة مرهبة. ولذلك لا بد من بيان على وجه الخصوص لميزان الحق في قضايا التفاعل بالقوة بين سلطان الدولة والجماعات السياسية التي تليها او بين الجماعات أو بين الدول المختلفة. فالمشاقة السياسية قد تؤدي الى عدوان بالفعل العنيف بغياً من جماعة سياسية على جماعة خاصة أخرى او على السلطان الرسمي الحاكم المشروع. ويحق عندئذ الرد بالدفاع القوي سيئة بسيئة. ولكن ليس للمختصم المدافع ان يتجاوز العذر اللازم لصد المبادرة الباغية، فلو افرط ببسط قوة مرتدة تتجاوز حد الكفاية فذلك غير مشروع، فعل "ارهاب" وكذلك لو اتخذ اسلوباً عنيفاً للقصاص الخاص اهمالاً عمداً للسبل النظامية المشروعة المتاحة، او انتهك الاجراءات المرسومة عرفاً وشرعاً لأداء فعل الضرورة، او نزل بالقوة السلطانية زاعماً معاقبة عمل لم يسبق فيه نذير قانون يعينه جناية ويعين له تلك العقوبة. كل ذلك تعد وبغي وراء حد ضرورة المدافعة و"إرهاب" لأنه جاء ترعيباً عاماً بأذى غير مشروع. والتحذيرات العامة الرادعة المشروعة او انقاذات فعلها انما تقصد حفظ مصلحة عامة، فمن أداها لغرض خاص غير مشروع وقع في جناية الارهاب. فالسلطة العامة القائمة بحق مشروع مكلفة أيضاً بتأمين المجتمع وما هي بإرهابية في معاقبة الجناة والعداة من بين رعيتها او من خارجها وأخذهم بالقوة وفق النهج والحد المشروع، ولكنها تتورط في "الارهاب" ان كانت تسخر القوة وتبسطها لاستلاب السلطة وتوليها بغير شرعية او تعنف وتبغي لتردع المعارضة المشروعة لمحض الحفاظ على سيطرتها. والجماعة الخاصة اذا كانت تقاوم بالفعل العنيف مدافعة ومعادلة بالقوة قوة الجبروت والعدوان والظلم الواقع عليها من حملة السلطة العامة الذين لا سبيل للمصالحة والمسايسة معهم لبلوغ الحرية والسلامة والعدل، فذلك فعل مشروع في هدي الدين والسياسة الانسانية، ما دامت تلك المجاهدة والثورة من اجل الصالح العام سعياً لتغيير واقع متسلطن بالقوة الحرام ولقيام خلف مشروع للحرية والمساواة والتشاور والسلام بين كل المتواطنين وجوداً في أرض السلطان المختلفين مذهباً المتنافسين لولاية السلطة بالرضا الغالب والسياسة الحرة السمحة. وإنما يعد من "الإرهاب" الضرب على السلطة تشفياً وحمية لا مقصد ولا سبيل وراءه لهدف مشروع. والعلاقات الدولية سلاماً أو صراعاً بين سلطان وسلطان محكومة بكل ما سبق من القواعد المشروعة، فمن بادر بالعدوان أو تجاوز وبغى في الدفاع فذلك ظلم و"إرهاب". الحد بين المدافعة والإرهاب آيات القرآن تتكاثر متواترة في إقرار أصل السلام والحرية والتعامل المرضي بين بني الإنسان وفي شرع هاد لذلك في دعوة كل الأنبياء في واقع سنة المدينة التي قام عليها النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك يرد تحريم العدوان وأخذ الآخرين بالقوة إكراهاً لهم على دين أو ضراً عمداً، تحريماً على خاصة المسلمين وعلى ذوي السلطة والأمر العام. وكذلك يشرع القرآن جواز المعاقبة والمدافعة والمجاهدة لرد العدوان، لكنه يرسم الحد لذلك الرد ويضبطه بالتقوى ويوصي بالانفتاح - من دون الصراع وبعد - للعفو والمصالحة والجنوح للسلم حالما يتهيأ الأمر. والجماعة المؤمنة بالحق إذا قامت في ظل سلطان سمح عفو إنما تنتشر بالدعوة وتجادل بالحق ولا تبادر إبداً لإكراه المجتمع أو سلب سلطانه بالقوة. وهكذا فتح النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على عهد مع اهلها واستقبلته بسلام وترحاب لا فتحاً بالعنوة والإرهاب، والقرآن يوصي الجماعة المؤمنة دعوة الآخرين للإسلام على أن يعمل كل على شاكلته وصبراً لا جبراً لينتظروا لمن تكون العاقبة حين يهتدي السواد الأعظم أو يتذكروا ليحكموا شريعة الدين او هم يتعصبون على وضيعة ضلالهم السابق. أما إذا احاطت قوى القديم بتلك الجماعة، استكباراً وطغياناً وعدواناً بالقوة، فلئن جاز الدفاع عن الحرية والحق بقوة مكافئة فإنما ذلك لحد تقي ولقصد صادق، وما دام من جمعتهم الجماعة لم يراضوا السواد الأعظم من قاعدة الجمهور المستضعف المكبوت ولم يتهيأوا لبديل التعايش بالسلم والتعافي بالحرية والتحاكم بالشورى، فعليهم الصبر يكفون ايديهم لا يقاومون ويقيمون امرهم الخاص في عبادة الله صلاة متوالية وفي ذات بينهم نفقة متكافلة، حتى إذا استوى الأمر فينحازون بالهجرة لأرض اخرى يقوم فيها مثالهم مجتمعاً متكاملاً متناصراً، او يظهرون في وطنهم جبهة منظومة وقدوة مقبولة، حينئذ يؤذن لهم الجهاد يدافعون الظلم من اجل الحرية العادلة سواء للآخرين ولهم إلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله الذي خير العباد وآتاهم هدى وليتمكن نظام لا تهدم فيه معابد العابدين وتخلى لهم السلطة يأتمرون هم بالحق ويتناهون عن المنكر. وتلك ثورة جهاد ودفاع لا سورة مغالبة عادية صادرة بل دورة ترد الناس باختلافهم الى اصل السلام والرضوان. وكذلك كان الأمر في سير الذين خلوا من البشر كافة، حيثما طغى سلطان بالقوة ينزل على الرعية التي تليه أو يبسط يده الى أخرى يرهبها بغير امان ويسلبها اصل الحرية بالجبروت وأصل العدل بالاستبداد ويحتكر دونهم السلطان والمال العام، كثيراً ما تثور دفوع شعوب من اجل الحرية والعزة والديموقراطية، إما لتطرد بغاة واردين من الخارج او متسلطين عليها من الداخل. ومعروفة الثورات على الملوك والأباطرة الجبابرة في الشمال الغربي من العالم، وأشهرها في فرنسا. ومشهودة دفوعات الكفاح الوطني للاستقلال من الطغاة الغزاة الظالمين الغانمين وقد توالت متكاثرة في العالم الجنوبي المستضعف وآخرها وأشهرها اليوم في فلسطين. والعالم غالبه اليوم معجب بتلك المجاهدات القيمة يعدها من وقائع التاريخ الحسنى ولا يستقبحها ليسميها في اصلها ارهاباً ولو أرعبت الطغاة، وإنما الإرهاب الشنيع فعل المستعمرين والمستكبرين في اصله ونهجه المعهود. وسلطان الحكومة قد تتولاه فئة متغلبة بقوتها متعصبة لاوية بعرقها وثقافتها تستسخر وتستكبر علواً على فئة مستضعفة وتذلها وتستأثر دونها بالسلطة والثروة ولا تساويها بل تظلمها عنوة. والدين لا يوصي المستضعفين بالذل والمسكنة بل بالمقاومة او المهاجرة. وإذا ذكر الإرهاب فالمستكبرون المتجبرون أولى به لا الذين يقومون بدعوتهم ودفعتهم ليغالبوا أولئك في سبيل العدل والمساواة في السلم. وكذلك القوميات التي ابتليت بوضع الأقلية المظلومة قهراً لا يستقيم بالنصح فقاومت، فعالها مشروع وما هو بإرهاب وبغي. ومن ذلك المثل، من يكافح اليوم ظلم الغلب في ايرلندا تحت انكلترا، والباسك في إسبانيا، أو المسلمون تحت الصرب والشيشان تحت الصرب الروس والألبان في مقدونيا والكشمير تحت الهند، أو السود قديماً في جنوب افريقيا والآن في السودان أو أقليات قومية شتى في بلاد آسيا. كلها مقاومات بحق في اصلها ولو عدت ببعض شعابها. والمشروع ديناً وعرفاً إنسانياً أن تستقيم المدافعة او المجاهدة المشروعة الأصل مضبوطة الوقع في حد أفعالها الضرورية ومداها وقصدها، وإلا أصبحت في بغي وعدو وإرهاب. ومن ذلك الجنوح في الدفع ما تفجر اصله من شكوى بحق من ظلم الواقع والسبل كانت للشاكين مفتوحة ليدعوا للعدل سلماً وينصلح الواقع عفواً، لكن ما طرأ التظلم إلا قاموا لتوهم قانطين من المحاولة والمجادلة السلمية للإصلاح مبادرين بضربات عنف تشفي غيظهم ولو لم تجد شيئاً. وذلك مثل حركات الإرهاب الأوروبية المستيئسة من رواج قضاياها في سوح الديموقراطية فالنازعة للعنف والإرهاب المحدود الوقع. وذلك ايضاً مثل القوميين المتنطعين وما يفعلون احياناً بالهدف الغائظ لهم في إنكلترا وفرنساوألمانيا، وذوي العقائد المشتدة تطرفاً حاداً طاعناً كما وقع لعصابات وراء الاتجاه اليمين او اليسار في ألمانيا وإيطاليا وأميركا واليابان. ومن ذلك ايضاً الثورات التي تنطلق مشروعة لكنها في وسائل المدافعة تفرط او بعد النصر تظل تدفعها روح الانتقام لاستئصال آثار العدو الهالك أو تمضي منهومة بشهوة الصراع منقلبة على نفسها بعد غياب هدفها الأول. وذلك مثل الإرهاب الذي امتد عهداً بالثورة الفرنسية، وما ثقلت في ثورات التحرر الوطني أو السياسي كثيراً من اطراف تفرط في الغضب حتى تتوغل طيشاً وإرهاباً، كالضربات العمية عن الهدف الواسع المتركزة على رمز فرد للعدو الحاكم بالاغتيال السياسي لشخصه لينفس احتقاناً ولا يفرج عن مشروع اصلاح، وكالحملات الجائشة بالقتال المتجاوزة عن قوات العدو المقصودة حتى تنال غير المقاتلين من الأبرياء والمعتزلة وتبلغ الضعاف الذين لا تصلهم بالعدو إلا نسبة وطن او ثقافة، وكالردّات الباطشة التي لا تكافئ قوة العدو لتدفعها بل تريد ان تضاغطه حتى بعد بدو استسلامه لتهلكه وتبيده تماماً، وكالخبطات العشواء التي تتعدى حدود الحرمات والأعراف المرعية بين بني الإنسان في الحرب وفي معاملة الأسرى والرعايا المهزومة حين تضع الحرب اوزارها، وكالاندفاعات المتمادية بعد الانتصار إذا سقط طاغوت استبداد أخلفه الثائرون عليه مثله فتنة بشهوة السلطة ممن شهدوا في عدوهم سوء استغلالها فنشدوا وراء مجاهدته حسن استعمالها لكنهم تناولوها وهم في سكرة بحمة النصر وعزة الجدة لم يتفقهوا أو يجربوا ممارستها بنهج قويم وسلوك منضبط يجاهد النفس الممتحنة بأهواء السلطة وشياطينها.