تناول منتصر الزيات في الحلقة السابقة الحديث عن التحولات الفكرية لدى زعيم جماعة "الجهاد" الدكتور أيمن الظواهري، ويسهب اليوم في كشف ملابسات مبادرة تنظيم "الجماعة الإسلامية"، وسعي الظواهري الى محاولة إفشالها. ويرد على انتقادات وجهها إليه الظواهري في كتابه "فرسان تحت راية النبي". على رغم أن "المبادرة السلمية" التي أطلقها القادة التاريخيون لتنظيم "الجماعة الإسلامية" الذين يقضون فترات العقوبة في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات أحدثت ضجة كبيرة وردود أفعال واسعة النطاق بين مؤيدين ومعارضين، وأثارت تساؤلات بين فاقدي الثقة في الإسلاميين والمتربصين بهم حول مدى جدية الجماعة في توجهها الجديد ومصداقية من أطلقوا المبادرة، إلا أن رد فعل الدكتور أيمن الظواهري كان الأكثر بروزاً، فهو من ناحية خالف ما اعتاد علىه قادة التنظيمات الإسلامية الأخرى من الحرص على عدم الخوض في ما يخص بعضها بعضاً، ومن ناحية أخرى لم يتوقف عند حد إعلان أن المبادرة لا تخصه وانما هاجم بشكل حاد كل من له علاقة بها وفي مرحلة لاحقة بدأ بالتحريض ضدها. وللأسف فإنه أيضاً استقطب من عارضوا المبادرة من قادة "الجماعة الإسلامية" وسعى إلى تأليبهم وشحنهم ضد إخوانهم في "الجماعة"، وللأسف مرة أخرى فإنه استخدم هؤلاء المعارضين في محاولة ضرب "الجماعة الإسلامية" نفسها حين سعى إلى مسؤول "مجلس شورى الجماعة الإسلامية" في ذلك الوقت الأخ رفاعي أحمد طه، الذي كان من أكبر معارضي المبادرة، ليظهر معه علناً إلى جوار أسامة بن لادن وليوحي لوسائل الإعلام الغربية والأميركية بأنه معهم في الدرب نفسه الذي يسير فيه أسامة بن لادن على رغم أن طه و"الجماعة الإسلامية" وعناصرها وقادتها التاريخيين في السجون والآخرين المقيمين في الخارج لم يكن في أولوياتهم أبداً استهداف الأميركيين أو ضرب مصالحهم. والحقيقة انني لم أخف أبداً أي دور قمت به في أي مبادرات سلمية سابقة، ويملك الظواهري ومساعدوه أرشيفاً سجلوا فيه كل ما ينشر عن الحركة الإسلامية. أما بالنسبة إلى مبادرة "الجماعة الإسلامية" التي صدرت يوم 5 تموز يوليو عام 1997 فإن علاقتي بها جاءت على نحو مغاير لجهودي في مبادرات سابقة. ويهمني في هذا المقام أن أقرر أن دوري في الترويج للمبادرة بدأ بعد إطلاقها في ساحة المحكمة العسكرية، حين تلا الأخ محمد الأمين عبدالعلىم بيان القادة التاريخيين للجماعة الإسلامية أثناء احدى جلسات المحكمة العسكرية التي كانت تنظر في قضية اتهم فيها عناصر من الجماعة. وانتهى دوري بإعلان مجلس شورى "الجماعة الإسلامية" في آذار مارس 1999 قراره التاريخي الذي قضى بوقف العمليات المسلحة داخل مصر وخارجها استجابة لمبادرة شيوخ الجماعة. وبعد الإفراج عن الأخ حمدي عبدالرحمن أوائل عام 2001، وهو أحد الذين أطلقوا المبادرة وجدت أنه لم تعد لي أي صفة في الحديث عن المبادرة كخيار استراتيجي للجماعة الإسلامية، إذ كانت مهمتي موقتة لغياب نفر من قياداتها الذين كان يفترض أن يقوموا بما قمت به، وكان اختياري بالتأكيد نابعاً من مواقفي المتوافقة مع هذه المبادرة وأدبياتي التي كنت طرحتها عام 1993 أثناء المبادرة التي أطلقت في ذلك العام وتسببت في إطاحة وزير الداخلية السابق محمد عبدالحليم موسى. وكذلك المبادرة التي أطلقها خالد ابراهيم في نيسان ابريل 1996. واللافت أن الظواهري لم يتعرض لأعمال الوساطة التي دعا إلىها فريق من العلماء والناشطين الإسلاميين عام 1993 سواء بالتأييد أو الرفض وإنما لزم الصمت حيالها تماماً. وأذكر بعد وصولي إلى لندن في آذار 1997 لإلقاء بعض المحاضرات عن حقوق الإنسان في الإسلام في بعض المراكز والهيئات الإسلامية، استقبلني في المطار الاخوة عادل عبدالمجيد موقوف حالىاً في لندن تحت طلب أميركي لتسلمه ومحاكمته ضمن شبكة بن لادن وهاني السباعي "مدىر مركز المقريزي للدراسات التاريخية"، وكلاهما كانا يعمل معي في مكتب المحاماة في وسط القاهرة وكان يصحبهما في المطار الشيخ محمد المقرئي مدىر "الرابطة الإسلامية للعاملين بالكتاب والسنة" وهو أحد الدعاة البارزين ومن قيادات "الجماعة الإسلامية" وأصروا على اصطحابي معهم وضيافتي. وفي منزل عادل عبدالمجيد جاءني صوت الظواهري عبر الهاتف حامداً على سلامتي ومهنئاً بوصولي إلى لندن، ثم سألني: لماذا تغضب إخوانك منك؟ وعاتبني عتاباً رقيقاً على دوري في الترويج لنداء خالد إبراهيم في نيسان أبريل 1996 وأفهمني أن كثيراً من الإخوة غاضبون مني للسبب ذاته. تناقشت طويلاً مع الدكتور الظواهري عبر الهاتف النقال أثناء وجودي في لندن عن أسباب قناعتي وسعيي إلى وقف العمليات المسلحة داخل مصر، وقلت له أسبابي التي لم تختلف كثيراً عما أعلنته بالصحف ووسائل الإعلام من حاجتنا إلى وقف نزيف الدم لأن السير بسير الأضعف قاعدة أصولية يُعمل بها عند الحاجة خصوصاً أن كثيراً من الشباب يعانون داخل السجون بلا ذنب أو جريمة، وآلافاً أخرى من أسرهم وذويهم يعانون الفقر والحاجة والمشكلات الاجتماعية نتيجة استمرار أسر أبنائهم واعتقالهم. واعتبر الظواهري أن ما أقوم به يعد تخذيلاً للمجاهدين وتثبيطاً للهمم، وقلت له أن قناعتي تقوم على تفضيل العمل الدعوي السلمي وليس بالضرورة أن يكون مهادناً أو رخواً فهذه نظرة قاصرة. وإنما يلزم أن نرفع شعائر الإسلام ظاهرة وأن نصدع بالحق من دون أن نخشى في الله لومة لائم ومن دون النظر إلى ما يمكن أن تسببه هذه المواقف لصاحبها من الأذى والاضطهاد، لكن المناخ الذي سنتحرك خلاله سيكون مناخاً متعاطفاً متفهماً غير قابل لمحاولات الاستئصال التي قد يدعو إلىها بعض دوائر السلطة ومستشارو الحكومة المصرية. وقلت له إن العمل الجهادي لا يعني حصر الوسائل في العمل العسكري. والحقيقة ان الظواهري لم يقتنع في النهاية بحججي، كما لم أقتنع بحججه. كنا وصلنا إلى نقطة وسط هي أن يتفهم كل منا وجهة نظر الآخر وأن أحداً منا لا يرضى الدنية في دينه. وكان من ثمرة هذا الحوار أن ألح عليّّ الظواهري للبقاء والعيش في لندن واستقدام أسرتي ووعدني بتدبير إقامة دائمة لي في لندن كلاجئ سياسي، واعتبر أن بقائي في لندن سيكون مفيداً لي وللحركة التي أنتسب إلىها غير أني اعتذرت عن عدم قبول ذلك وعدت إلى القاهرة. وبعد ذلك بشهور أطلقت مبادرة "الجماعة الإسلامية" وأوكل إليّّ القادة التاريخيون للجماعة مسؤولية الترويج لها وتأكيد صدورها منهم لإخوانهم في الداخل والخارج وذلك على رغم عدم انتسابي تنظيمياً للجماعة الإسلامية، وحرصت في كل مساعيّ أن أكون بعيداً في جهودي لتحقيق ما طلب مني عن الحديث تجاه كوادر جماعة الجهاد أو زعيمها الدكتور الظواهري، والتزمت تماماً خط السير الذي رسمه لي مشايخ الجماعة الإسلامية، الذين أطلقوا المبادرة، والذي حددوه في ورقة أخرجوها من سجن طره بخط يد أحدهم اشاروا فيها إلى ما يمكن أن أصرح به إعلامياً إذا انقطعت وسيلة الاتصال بهم عبر الجلسات أو الزيارات داخل السجن. وقد حوت هذه الورقة ما يأتي في الناحية الإعلامية: 1- تأكيد أن حمل السلاح لم يحدث إلا بعد مصادرة الدعوة ووقف نشاط المساجد. 2- توضيح أن الدولة لا تحاسب على الفكر. 3- و إذا فتح موضوع النصارى يتم الرد من خلال محورين: - أنه لم يحدث قتل نصراني بسبب العقيدة ولكن لأسباب أخرى. - لا يحدث أي تضييق على الكنائس وفي الوقت نفسه لا يستطيع مسلم الخطابة أو اعتلاء المنبر إلا بتصريح من السلطات. وحدد لي القادة التاريخيون في الورقة نفسها نقطتين رأوا ضرورة التركيز علىهما إذا ما سئلت خلال الحديث في المبادرة عن مستقبل "الجماعة الإسلامية" والكيان الذي يمكن أن تمارس من خلاله نشاطها وهما: 1- لا بد من ذكر ضرورة وجود متنفس للجماعات الإسلامية وذلك من خلال كيان سياسي ودعوي يدعو الناس إلى الفضائل وإلى دعوة الإسلام ويناضل القوى الخارجية ويصد عنه الأفكار الهدامة. 2- أنه يجب إعطاء أعضاء هذه الجماعات الحقوق والحريات التي كفلها لهم الدستور حتى يقطع الطريق على من يريدون حمل السلاح. وقد حوت الورقة تعلىمات أخرى لا يحتملها هذا المقام، وأحدثت المبادرة ردود فعل مختلفة داخل المجتمع المصري، ومن بين من تأثر بها عناصر وتيارات تنتمي إلى تيار الجهاد ومجموعاته المختلفة وسعى بعض من هؤلاء إلى الاتصال بي وتكليفي أداء الدور الترويجي ذاته لمبادرات أرادوا أن يطلقوها، غير أني أحجمت عن تلبية مطلبهم ولم استخدم بياناتهم أو أوراقهم ورسائلهم في تأكيد صدقية المبادرة ومحاصرة الظواهري. وعلى سبيل المثال فإنني رفضت التجاوب مع مبادرة الأخ أسامة صديق أيوب وهو أحد عناصر تيار الجهاد وإن كان سبق انشقاقه عن تنظيم أيمن الظواهري، ولكن بقي على انتمائه الأصلي لحركة الجهاد التي أطلقها من مقره في ألمانيا حيث حصل على اللجوء السياسي، قبل أن ينضوي تحت لواء الظواهري. كما وصلتني ورقة من الأخ هشام أباظة أحد أبرز قيادات الجهاد في محافظة الشرقية، وكان مسجوناً في سجن شديد الحراسة طلب فيها عرض النقاط الآتية على "الحاج"، يقصد الظواهري: 1- عمل مصالحة كاملة يقصد مع الحكومة على أساس: - السير في خط دعوي سليم بعيد عن تيارات التهييج السياسي. - وضع تصور كامل عن معاملات النصارى واعتبارهم منا وعلىنا فلا نتعرض لهم بشيء وتثقيف الناس بذلك. 2- اعتبار هذه المصالحة كطلب مقدم من أهالي الناس إلى المسؤول في الحزب ربما يقصد الوطن وتفاعل بين الحزب وأهالي المعتقلين. 3- هذا الأمر لا يقوم علىه إلا إذا أحب الرجل التعامل يبدو أنه قصد عدم السير في الأمر إلا بعد موافقة الظواهري. لكنني أيضاً رفضت التجاوب مع أباظة ونصحته بالتريث على أساس أن ما يسعى إلىه مجرد تحصيل حاصل، لكنه مضى في موقفه حتى من دون أن يحصل على موافقة الظواهري، وتلا بنفسه بياناً في المحكمة العسكرية التي كانت تحاكم المتهمين في قضية "العائدون من ألبانيا" ولكن نظراً إلى عدم الترتيب والإعداد لكلمته وتهيئة الأجواء لها لم يشعر بها أحد. ولم تكن هذه الرسالة الوحيدة التي وصلتني من كوادر مهمة داخل تيار "الجهاد"، وإنما سبقتها محاولة أخرى من محمد نصر الدين الغزلاني القيادي في جماعة الجهاد في الجيزة، الذي كان يحاكم عام 1998 في قضية خان الخليلي وحكم علىه بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً، لكنني اعتذرت له بعدم استطاعتي الترويج لندائه على رغم صلتي الوثيقة به. وسعى إلى طرح وجهة نظره المتوافقة مع أطروحاتي في تلك الفترة، والتي واكبت مبادرة "الجماعة الإسلامية". كانت وجهة نظري تقوم على أن الظواهري هو أمير جماعة "الجهاد" ولأنه لم يتخذ قراراً مؤيداً لتوجه سلمي فإنه كان عليّّ ألا أخوض في أمر يخص تنظيمه طالما أنه لم يطلب مني الاضطلاع بدور في ذلك المجال. والمهم في الأمر أنني فوجئت أثناء إحدى جلسات المحكمة العسكرية في قضية خان الخليلي بالغزلاني يلقي كلمة هذا نصها: "بالنسبة إلى الشق العام في هذه القضية فإني انضم إلى كل ما طرحه أستاذي ومثلي الأعلى منتصر الزيات أمام الهيئة الموقرة بجلسة 23/9/1997 واتفق معه في كل كلمة قالها وأدعو الله تعالى أن يكلل جهوده وفريق المخلصين معه بالنجاح والتوفيق، تلك الجهود التي تهدف إلى وأد الفتنة وإخماد لهيبها، تلك الفتنة التي أشعل جذوتها أعداء هذه الأمة بين الدولة وقطاع من أبنائها. إن الصهيونية العالمية وهي أبرز وأنشط أضلاع ثالوث التآمر العالمي ضد أمتنا العربية والإسلامية ليست بعيدة عن الفتنة في مصر، فوراء كل تدمير وخراب أيد صهيونية خبيثة تشعل وتغذي نيران تلك الفتنة وتؤجج لهيبها". وأضاف غزلاني مخاطباً رئيس المحكمة: "سيدي الرئيس، على رغم أن الىهود رسمياً في حال سلام مع مصر إلا أنهم لم يكفوا يوماً عن العداء لمصر واستهداف شبابها، الىهود يريدون أن يضربوا مصر في حاضرها ومستقبلها، يريدون أن يضربوا مصر في سر قوتها ونهضتها في شبابها. فالشباب عماد كل حضارة وسر كل تقدم". ثم استعرض الغزلاني في مرافعته أمام المحكمة العسكرية ثلاث حوادث عنف يرى أن الدور الىهودي كان واضحاً فيها، وقال "الحادثة الأولى انفجار مقهى وادي النيل، والحادثة الثانية انفجار نفق الهرم، والحادثة الثالثة محاولة اغتيال الدكتور عمر عبدالعزيز الأستاذ في جامعة الأزهر وتفجير سيارته بمنطقة القللي". وأشار إلى أن عمر عبدالعزيز الذي فجّرت سيارته اتهم في أقواله في التحقيقات الىهود، وبرر ذلك بأنهم يريدون إحداث فتنة بين الشباب في مصر. ومضى الغزلاني في بيانه مخاطباً رئيس المحكمة: "اليهود لهم مصالح ظاهرة للعيان في الفتنة بين مصر وأبنائها فهم من ناحية سيطمئنون إلى أن المسؤولين سينشغلون عن مخططاتهم التآمرية والتوسعىة بالأحداث الداخلية، ومن ناحية ثانية فإنهم كانوا يضخمون الأحداث، خصوصاً تلك التي تحدث للسياح وتنفتح أبواقهم في كل مكان زوراً وبهتاناً بأن مصر بلد غير آمن سياحياً وبالتالي تتحول آلاف الدولارات من دخل السياحة إلى خزائن دول أخرى وهو ما يؤدي إلى ضعف الاقتصاد المصري، وبالطبع فإن الىهود لا يريدون للاقتصاد المصري أن ينتعش فهم طرحوا نظرية السوق الشرقية الأوسطية التي تهيمن فيها الصهيونية على اقتصاد المنطقة بأسرها". وتابع: "سيدي رئيس المحكمة، أتمنى من كل قلبي وأدعو الله مخلصاً أن تكلل الجهود التي يبذلها الأستاذ منتصر الزيات والمخلصون من أبناء مصرنا الحبيبة بالنجاح والتوفيق وأن تثمر تلك الجهود في رص الصفوف الداخلية وتمتين وحدتها لمواجهة الأخطار الجسيمة التي تحدق بنا وبأمتنا العربية والإسلامية من كل جانب". تلك كانت عينة فقط من أوراق ورسائل وصلتني من شخصيات بارزة في تيار الجهاد تتواصل مع جهودنا من أجل وقف العمليات المسلحة في مصر. غير أني لم أحاول استخدامها ولو في سبيل الرد على اتهامات الظواهري وتصريحاته التي تتابعت في ذلك الوقت وتعرّض من خلالها بالنقد لمبادرة الجماعة الإسلامية وبشكل أكثر لشخصي وزعم خلالها عدم تورط أحد من تنظيمه في دعم وتأييد مبادرة وقف العنف واعتبر أن الذين أعلنوا المبادرة كلهم من الجماعة الإسلامية وليس من جماعتنا. وبالجملة اعتبر الظواهري أن المبادرة وليدة إكراه. وحتى عندما توسع الظواهري في نقد مبادرة "الجماعة الإسلامية" ضمن فصول كتابه "فرسان تحت راية النبي" فإنه لم يشر إلى أصحابه من جماعته الذين أيدوا المبادرة، وهو ركز انتقاداته لي في نقطتين أساسيتين كما أوردها في كتابه وهما: 1- إن منتصر كان من فترة طويلة يدفع فكرة التوقف عن جهاد الحكومة وحلفائها الأميركيين والىهود داخل مصر وخارجها، وشارك منذ عهد عبدالحليم موسى في وزارة الداخلية في العديد من الاتصالات حول هذه المسألة. 2- إن منتصر كما يتضح لأي متابع يتمتع بتسهيلات لا يتمتع بها كثير من الوزراء في مصر. فالزيات يستطيع أن ينفذ في نفس يوم طلبه زيارة سجون مصر العتيدة مخترقاً كل حواجز الأمن، ثم يعقد داخلها اجتماعات مع أخطر القيادات المناوئة للحكومة وينقل إلىها رسائل من خارج مصر ويحصل منها على رسائل وبيانات، ويخرج ليعقد مؤتمرات صحافية لينشرها ويوزعها على وسائل الإعلام ويصرح فيها بأنه وكيل القيادات التاريخية والمفوض التحدث باسمها ويجري اللقاءات الفضائية والأحاديث الإذاعية بهذه الصفة، بل إن منتصر يكاد يكون القناة الوحيدة الموصلة بين قيادات الجماعة الإسلامية في السجن والعالم الخارجي، فما يأتيهم من رسائل يمر عبره وما يظهرونه من بيانات يحمله في جيبه أو نسمعه على لسانه. ولم يفت الظواهري أن يتلاسن ليوحي بأن أدواري نجمت عبر مواقف انتهازية ولم تكن لوجه الله، فقال: "فإذا أضفت إلى كل هذا أن المسؤولين في مباحث أمن الدولة كانوا قد أبلغوا منتصراً قبل الإفراج عنه في نهاية اعتقاله بسبب اعتصام نقابة المحامين عام 1994: انك لو تخطيت الخطوط الحمراء، فإنك لن تكلفنا إلا رصاصة بقروش معدودة ليتضح لك بعد جديد في صورة المبادرة، ويتمتع منتصر في حركته بتأييد وتفويض قادة "الجماعة الإسلامية" في السجن وتكرر هذا التأييد والتفويض في مناسبات عدة". كذلك حاول الدكتور الظواهري في مواقع أخرى من كتابه أن يوقع بيني وبين قيادات "الجماعة الإسلامية"، فبعدما أسبغ علىهم وصف الإكراه راح يصور تحركاتي بأنها مفروضة علىهم وهو نسي أو تناسى أن قيادات "الجماعة الإسلامية" السجناء يملكون شجاعة كبيرة في إبداء الرأي وتحملوا تبعات شجاعتهم في الحرب والسلم على حد سواء، فإذا لم ينحنوا لمطارق السلطة ووعيدها وتهديدها باتهامات تصل إلى احتمال توقيع عقوبة الإعدام، وصدعوا داخل قاعة محكمة أمن الدولة العلىا بمعتقداتهم ورؤاهم الفكرية المناهضة للحكومة، وأودعوا مضبطة المحكمة أبحاثهم الشرعية ثم بلغت قمة تحديهم لمقاصل الإعدام التي تنتظرهم ذروتها حين جاؤوا إلى جلسة النطق بالحكم مرتدين ملابس حمراء دلالة إلى تحديهم واستعلائهم وحرصهم على الموت، فلم ينحنوا لوعد أو عطية وقد عرفوا من تجارب من سبقهم أنها لا تتحقق، وقضوا في السجن سبعة عشر عاماً قبل أن يطلقوا مبادرتهم فما بقي لا يتساوى أبداً مع ما راح، وأنهم يملكون قنوات اتصال متعددة لتوصيل وجهة نظرهم، ثم ان لديهم خارج البلاد قيادات تدين لهم بالولاء تراقب وتدرس وتمحص وتوثق معلوماتها أيضاً عبر دوائر مختلفة لكنه الهوى يعمي ويعم. وقع الظواهري في تناقضات عدة في تقويمه لدوري في مبادرة "الجماعة الإسلامية"، وهو حين أشار إلى تحركاتي في إطار الترويج للمبادرة بأنها وليدة إكراه وقع عليّ أيضاً نتيجة التهديدات التي أشار إلىها من مباحث أمن الدولة بتصفيتي إذا تجاوزت خطوطاً حمراً، فاته أنه أشار في السياق نفسه إلى قناعتي القديمة بضرورة وقف العنف منذ عام 1993 بمناسبة جهود العلماء القيام بوساطة مع وزارة الداخلية في عهد الوزير محمد عبدالحليم موسى. إنني أقدر الظروف الصعبة التي مر بها الدكتور أيمن الظواهري والأجواء القاسية التي ربما تكون ألقت بظلالها على ما كتبه، وهي ظروف قاسية غير طبيعية بين جبال وكهوف ومناخ حرب وقتال، غير أن رصيد الدكتور أيمن في قلبي يسمح بأن أتقبل منه هذا النقد وانني لعلى يقين أني سأغفر له أيضاً بين يدي ربي يوم القيامة يوم الزلزلة يوم التغابن يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ولا يغير ما كتبه الظواهري من تقديري له، وأحتسب كل أذى ألاقيه في الله وإني لأرجو أن أكون أنا وهو ممن قال الله عنهم "ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين". لكن الأمانة تقتضي عرض ما جرى بعينه من دون تحريف أو تزييف حتى لو كان ذلك سيظهر الظواهري بمظهر المتسرع أو أن التوفيق قد جانبه. فاته أيضاً أن المبادرة التي أنيط لي شرف الترويج لها كانت خيار "الجماعة الإسلامية"، وعلى هذا فالمبادرة لها أصحابها وإن توافقت مع قناعتي ولي مقولات أو تصريحات في هذا الشأن ابتسرها الظواهري ولم يوردها ضمن ما ساقه من مقولات نسبت إليّ، فقد قلت مراراً "انني فوجئت مثل غيري بنص المبادرة، يتلوه الأخ محمد الأمين عبدالعلىم أثناء جلسة المحكمة العسكرية في القاعة التي كنت أجلس فيها مع غيري من المحامين انتظاراً لأداء دورنا في الدفاع عن المتهمين في القضية، ولم أشارك في صنع المبادرة" ولا أقول هذا في مقام التبرؤ منها ولكن في سياق قول الحق بدون إدعاء. ولقد أوضحت سبب اعراضي عن التعاطي مع محاولات مماثلة لشخصيات جهادية محسوبة على الدكتور أيمن وعلى جماعة الجهاد بل على حركة الجهاد بشكل عام مثل أسامة أيوب ونبيل المغربي وأحمد يوسف حمد الله الذين أطلقوا نداءات مماثلة من أجل وقف العمليات المسلحة. غير أن الظواهري كان ظالماً لي ظلماً شديداً حين زعم أنني دعوت إلى وقف الجهاد ضد الىهود لأنني لم أدع يوماً إلى ما زعمه، وكل أدبياتي تقطع بمناهضة التطبيع وانضمامي إلى كثير من مراكز مقاومة التطبيع والغزو الصهيوني يدحض ما زعمه، بل لم تكن المبادرة السلمية في تموز يوليو 1997 وقبلها نداء نيسان ابريل 1996 إلا من أجل توجيه الجهود والطاقات لجهاد الىهود وقضية تحرير القدسوفلسطين من دنس الصهاينة. إن الجهاد الذي نهيئ له الأمة ضد أعدائها من الىهود وأوليائهم يحتاج إلى صبر وإعداد واستنهاض أسباب النصر وأدواته وليس لمجرد إلحاق أذى بالولاياتالمتحدة. الجهاد يحتاج إلى تبصير الأمة بمخاطر التطبيع الثقافي والفكري والعقائدي مع الكيان الصهيوني ودعوة قطاعات الشعب إلى فهم أبعاد المعركة الحقيقية وتوابعها الاقتصادية التي تستوجب المقاطعة الاقتصادية للسلع والمنتجات الإسرائيلية والأميركية وصولاً إلى تقديم الدعم اللازم للشعب الفلسطيني وفق مؤسساته وهيئاته التي تكون في طليعته إنتظاراً لوقت معلوم تتوفر فيه الفرصة للمنازلة العسكرية التي تشترك من خلالها الأمة مجتمعة موحدة ليكون النصر الذي بشر به المصطفى صلوات الله وسلامه علىه في الصحيح من أقواله وأحاديثه وسيرته. وفي المسار ذاته تنبغي مراعاة عوامل شرعية وواقعية من أجل مواصلة الجهاد في معركة تطبيق الشريعة، وهذا توخيناه أيضاً في أهداف المبادرة، فلم يصدر مطلقاً مني شخصياً كما لم يفهم من بيانات قيادات "الجماعة الإسلامية" التي أطلقوها أننا تنازلنا عن هدفنا الاستراتيجي وهو تطبيق الشريعة الإسلامية نصاً وروحاً، ولم نقل أبداً بقبولنا ما يخالف الشريعة ولم نسوّغ غيرها من الشرائع كما لم نسوّق أفكاراً تخالفها وان كانت تخالف أفكار الظواهري ومنطلقاته. وهذا اختلاف في الفهم حول تفسير الجهاد بين قطاعات كبيرة من الحركة الإسلامية من جهة والظواهري من جهة أخرى. بل أزعم أن جهودنا هذه في عامي 1996-1997 سابقة لإعلان الظواهري الدخول في جبهة بن لادن التي عملت على تهديد المصالح الأميركية والإسرائيلية وارتفع من خلالها سقف الخطاب السياسي لهما حول قضية فلسطين، لذلك جاء ما اقتبسه دائماً من كلامي مبتسراً مقطوعاً عن أصله منقطعاً عن سياقه حتى يجد ما يرد به عليّ0 أما قول الظواهري انني كنت القناة الوحيدة بين القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية في مصر وإخوانهم في الخارج فهو قول - لو صح لكان شرفاً أفاخر به - جانبه الصواب لأنه كان هناك آخرون من زملائي وإخواني من المحامين الإسلاميين البارزين الذين قاموا بمثل هذه الزيارات ونقلوا أيضاً كثيراً من تلك البيانات، بل إن بعضهم توجه لمقابلة القيادات في سجن طره بناء على طلب من بعض الاخوة من الخارج ليتأكدوا من صحة ما أنقل وحجة القيادات التاريخية في مبادرتهم، لكن زياراتي للقادة السجناء حملت بيانات أو توجهات أدت إلى ردود فعل واسعة استمرت أياماً أو أسابيع بين كل زيارة ومثيلتها، ولم تتجاوز زياراتي خلال ثلاث سنوات سوى بضع زيارات ومضى حالىاً أكثر من عام من دون أن أتمكن من زيارتهم. وعلى رغم أنني كنت حريصاً على أن تكون زياراتي بتصريح من مكتب النائب العام، إلا أن هذا لا يمنع أيضاً من التسليم أن نبل الغاية التي كانت وراء المبادرة ومن ثم جهودنا من أجل نجاحها كان باعثاً على إتمام مثل هذه المقابلات. فالعقل يفرض عدم إمكان إتاحة مثل هذه الزيارات لو انطوت على غير ذلك. وهناك كثيرون من شباب المحامين الذين يرتادون سجن طره ويقابلون شيوخ الجماعة الإسلامية حتى وقتنا هذا من دون أن أتمكن من زيارتهم بمثل هذه السهولة التي يتمتع بها بعض شباب المحامين الإسلاميين حالىاً في زيارتهم، كان في وسعي أن أملأ الدنيا ضجيجاً عن التجاوزات الأمنية ضدي، فما أسهل العزف على أوتار صاخبة قد ترضي طموحات بعض المحبين وربما زادت من وضعيتي التنظيمية في دوائر الجماعات الإسلامية. وفي المقابل كان في وسعي أن أنفض يديّ تماماً من كل ما يربطني بها، لكني لم أدخل إلى ساحة العمل الإسلامي من باب مهنة المحاماة فما أكثر الذين دخلوا من هذا الباب وسرعان ما انفضوا، وما أكثر الذين دخلوا من هذا الباب وعزفوا ما يرضي بعض قادة التنظيمات الإسلامية سعىاً وراء امتيازات يحصلون علىها. انني ابن بار من أبناء الصحوة الإسلامية المعاصرة انضويت تحت لوائها منذ نعومة أظفاري، وحين أوقفت نشاطاتي التنظيمية - ذلك القرار الذي انتقده الظواهري بعدما قبله لأكثر من عشرين عاماً من اتخاذه - كان بمثابة اعتراف مني بعدم صلاحيتي لأداء دور تنظيمي سري بعد محاكمتي في قضية الجهاد، لكني دافعت عن هويتي وخياراتي وعقيدتي الإسلامية وتحركت داخل ذات المساحة واخترت وسائل أخرى لتنفيذ الأهداف ذاتها، أدافع عن مشروعي الإسلامي الذي أؤمن به مع وجود المخاطر ذاتها، وكثيرون جداً هم الذين يعرف الظواهري انهم انتحوا جانباً منذ خروجهم من السجن ولم يعد يسمع بهم أحد وربما اختار بعضهم طريقاً مختلفا تماماً. لكن اللافت أن الدكتور الظواهري لم يتعرض بشيء من النقد لأي من الزملاء الذين تولّوا نقل بيانات أو تصريحات قيادات جماعة الجهاد المسجونين والتي أكدوا فيها دعمهم لمبادرة الجماعة الإسلامية، على رغم أن الظواهري كان حريصاً على أن يؤكد في نقده للمبادرة، في حواره الذي أجرته معه وكالة الأنباء الفرنسية عام 1997، أن أحداً من أبناء جماعة الجهاد ليس طرفاً في هذه المبادرة وذلك قبل صدور مثل هذه البيانات، ثمّ سكت ولم يعلق وهو يرصد انتقاداته للمبادرة وضمها كتابه "فرسان تحت راية النبي". وتبقى الإشارة إلى أنه إذا كان الظواهري حاول أكثر من مرة الوقيعة بيني وبين قيادات "الجماعة الإسلامية" السجناء فإنه أيضاً حاول ذلك مع الدكتور عمر عبدالرحمن والأخ رفاعي طه بل ومع قيادات الجماعة الإسلامية في الخارج. فهو لم يكتف بانتقادي وانما سخر من نشاطي، وقال: "في الحقيقة فإن منتصر الزيات لا يعتبر نفسه وكيلاً لقادة "الجماعة الإسلامية" فقط، بل أنه يعطي لنفسه الحق في الرد على رفاعي طه والشيخ عمر عبدالرحمن والتصريح بأن أقوالهما لا تعبر بالضرورة عن موقف الجماعة". لقد لوى الظواهري عنق الحقيقة بمثل هذا التفسير واستخدمه في مقام الإيعاز ضدي لمنزلة الدكتور عمر عبدالرحمن والأخ رفاعي طه لدى أبناء الجماعة الإسلامية واستخدامه عبارات حمّالة وألفاظاً توحي بتطفلي وانتحالي صفة الوكيل، وهو قبل غيره يعرف تماماً أنني أحترم نفسي ومنذ أنهيت علاقاتي التنظيمية في عام 1984، كما أسلفنا، لم أتحدث باسم أحد وهو يعلم أنه لا يمكن لأحد أن يدعي علاقة مع قيادة فكرية أو حزبية أو إسلامية وأن يمر هذا الادعاء مرور الكرام، فالأمر متاح لنفي الصلة المدّعى بها خلافاً للحقيقة عبر الصحف التي تنشر مثل هذه التصريحات التي تحمل الادعاء، ولكنه أورد مثل هذه الايحاءات وتصور أنها يمكن أن تفتح الباب لقيادات "الجماعة الإسلامية" للتنصل من المبادرة والتبرؤ منها باعلان عدم صحة علاقة الوكالة بيني وبينها. وخاب ظنّ الظواهري وسيخيب لأن المبادرة هي خيار "الجماعة الإسلامية". ولقد أبلغني الأخ مصطفى حمزة غير مرة عن ضغوط يمارسها علىهم الظواهري للتنصل من علاقتهم بي، لكنه تناسى عدم استجابة قيادات الجماعة الإسلامية سواء شيوخها الأسرى داخل سجن طره أو قياداتها خارج البلاد حتى رفاعي طه الذي ارتبط بعلاقة وثيقة به، ومع ذلك حاول الظواهري في كتابه هذا أن يؤثر في المبادرة السلمية من خلال الاسقاط على علاقتي بالجماعة الإسلامية أمام الرأي العام. وبدوري أرد بالآتي: 1- ان تقديري للدكتور عمر عبدالرحمن لا حدود له والمودة متبادلة بيننا حتى هذه اللحظة، ولقد أسبغ الشيخ على شخصي الضعيف مشاعر دافئة في مناسبات مختلفة. فبعد القبض عليّ عام 1982 شملني بثقتة وعزز مكانتي آنذاك بتصرف قائد حكيم عرف كيف يداوي جراحات أبنائه، وهو حتى الآن يعتبرني واحداً من أبنائه. وأذكر أني دعوت في حوار صحافي إثر الإعلان عن تأسيس "الجبهة الإسلامية لجهاد الىهود والصليبيين" إلى تشكيل جبهة إسلامية عالمية تعمل على نشر الإسلام بالوسائل السلمية. ولم أتوقع أن تلك الدعوة، التي لم تأتِ إلا في حدود سطور قليلة ضمن حوار طويل، ستلقى اهتمام الدكتور عبدالرحمن في سجنه في الولاياتالمتحدة، إذ بعث برسالة خاصة إليّّ يؤيد فيها دعوتي تلك. 2- إن ما أوردته في مؤتمر صحافي عقدته في مكتبي عقب الإعلان عن سحب الدكتور عمر عبدالرحمن تأييده للمبادرة السلمية كان تأكيداً على أنه لم يلغ المبادرة وإنما علّق تأييده لها وأنه فوّض القيادات التاريخية للجماعة الإسلامية اتخاذ ما يرونه بشأنها من حيث ضرورات واقعهم، وهذه حنكة كبيرة لزعيم يتمتع بالمرونة وبعد النظر وسلامة البصيرة. ولا شك أن إلغاء المبادرة من جانب الشيخ عمر عبدالرحمن كانت ستترتب علىه جروح وتسبب حرجاً للقيادات التاريخية للجماعة الإسلامية وستلزمهم لا محالة بالإلغاء، ولهذا حرصنا على تبصير الناس عبر وسائل الإعلام بأن ما أورده الدكتور عمر عبدالرحمن هو سحب لتأييده مع الإبقاء على المبادرة تحت التقويم والدراسة. وإذا كان الظواهري استغل في كتابه إفشاء البعض لأمر لا يخص العامة، وهو أني حجبت عن الصحافيين ووسائل الإعلام جزءاً من نص رسالة الدكتور عمر لمحاولة الاساءة لي، فإنني أشير إلى أن ما حجب أمر لا يخص العامة من الناس بمقدار ما يخص أصحاب الشأن. فهي حوت أموراً أخرى خاصة بأسرته وأولاده اضافة إلى مسائل خاصة بقيادات الجماعة التاريخية في سجن طره، لقد تحركت بسرعة لا تستوعبها اجراءات روتينية لأدافع عن خيارات أؤمن بها شاء من شاء وأبى من أبى، ولأنني شعرت برغبة لدى البعض في الغاء المبادرة والعودة من جديد إلى حال التوتر التي لا تنصفنا حتى في اختيار أولوياتنا بروية، وتقويم أدائنا بهدوء، لكني في تحركي لم أتجاوز أبداً أصحاب الشأن وهم قيادات "الجماعة الإسلامية"، وأعلنت في المؤتمر الصحافي الذي أشار إلىه الظواهري لسند أقوالي عن اتصال مصطفى حمزة بي، لكن الظواهري لم يشر إلى شيء من ذلك غفر الله له. 3- أغفل الدكتور أيمن الظواهري تماماً سواء في بياناته ونشراته القديمة أو في تقويمه للمبادرة في كتابه الأخير، موقف الدكتور عمر عبدالرحمن من تأييد مطلق لمبادرة الجماعة الإسلامية في 5 تموز يوليو 1997 وما أصدره الشيخ من بيانات من داخل سجنه في الولاياتالمتحدة من دون أن يطلب أحد منه ذلك. والمؤكد أن الظواهري أقدم على ذلك متعمداً، فهو كان يعرف أن اعلان موقف الشيخ عبدالرحمن كفيل بضرب كل أطروحاته وانتقاداته للمبادرة. 4- أغفل الظواهري أيضاً الاشارة إلى رسالة بعث بها الدكتور عمر عبدالرحمن إلى ابنه الأخ عبدالله، قبل شهور قليلة، وأعاد فيها تأكيد سريان المبادرة وعدم إلغائها وأنه أناط إلى شخصي الضعيف التكليف بإذاعتها وبثها وقد نشرت صحيفة "الحياة" نص الرسالة. 5- إنني ارتبط بعلاقة وثيقة ومتميزة بالأخ رفاعي طه قيادي الجماعة الإسلامية، إذ جمعنا تاريخ عميق من الصلة والمحبة، ولقد حرص رفاعي طه على التواصل معي في كل الفترات والأحوال حتى في الأوقات التي كان يرفع فيها راية المعارضة للمبادرة، وكان يناقشني في كل صغيرة وكبيرة ويتفهم وجهة نظري الداعمة للمبادرة ولم ينقطع عني مطلقاً حتى اختفى أثناء وجوده في سورية، واسأل الله أن يفرج كربه وأن يكون في نعمة.