} اشارت مصادر غير رسمية الى ان اتصالات جرت بين عدد من دول مجلس التعاون والحكومة اليمنية عشية القمة في مسقط وتم خلالها اطلاع صنعاء على مشروع قرار القمة المتعلق بانضمام اليمن لبعض مؤسسات مجلس التعاون. وأكدت هذه المصادر ان الحكومة اليمنية ابدت تحفظاتها في بادئ الأمر معتبرة ان ذلك اقل مما كانت تتوقع وكانت مصرة على ان يكون قرار القمة الخليجية واضحاً وحاسماً لجهة القبول أو الرفض وإن بصيغة الاعتذار. ووعدت الحكومة اليمنية ان تعلن رسمياً قبولها بأي قرار يؤدي الى حسم الموقف من الجانبين من دون ان يؤثر ذلك على العلاقات القائمة. غير ان صنعاء تراجعت في النهاية وقبلت بما عُرض عليها ووعدت بالترحيب بقرار القمة في صيغته التي أقرّتها بعد ان تلقت وعوداً بأن هذا القرار هو خطوة على طريق الانضمام التدريجي لليمن الى كيان مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تعتبر أوساط يمنية رسمية ان الانتقادات المباشرة التي تعمدت الحكومة اليمنية توجيهها الى دول مجلس التعاون الخليجي عشية عقد القمة الأخيرة في مسقط، تعبير واضح عن رغبة اليمن في الانضمام الى مجلس التعاون. وبالتالي فإن شعور الحكومة اليمنية بعدم تجاوب دوله مع هذه الرغبة التي عبّرت عنها في غير مناسبة كان آخرها منذ بضع سنوات حين طلبت رسمياً الانضمام الى مجلس التعاون، دفع الى مطالبة صنعاء القمة الأخيرة بموقف واضح أكان سلبياً أم إيجابياً بغية اغلاق هذا الملف نهائياً من الجانبين اليمني والخليجي على السواء. وتوضح هذه الأوساط ان الحكومة اليمنية عندما استبقت القمة الخليجية بانتقادات عبر الصحافة الحكومية لم تكن تتوقع ان تتخذ قمة مسقط اي خطوة لجهة انضمام اليمن الى منظومة المجلس أو آلياته المحصورة في دوله الست، في حين لا يزال اليمن يعتبر ان استبعاده كان لأسباب اقتصادية أساساً قبل ان يكون لأسباب سياسية أو ثقافية أو جغرافية لأنه لا يطل على الخليج العربي أو لاختلاف نظام حكمه عن الدول الخليجية الست. وذهبت صحيفة "الثورة" الحكومية في افتتاحيتها عشية قمة مسقط الى القول بأن تجاهل اليمن والنأي به عن مجلس التعاون "لا يعبّر عن موقف سليم ...، وبأنه تجاوز للواقع الذي ينبغي أن يكون على أساس النظرة الواقعية المدركة للتحولات المهمة التي يشهدها عالمنا المعاصر وما يكتنفه من ظروف بالغة التعقيد والحساسية". ورأت الصحيفة في افتتاحيتها التي يبدو انها كتبت بعناية في دوائر صنع القرار السياسي في اليمن ان ذلك المفهوم يشكل قفزاً على حقائق التاريخ والمنطق وتجاهلاً لضرورات المصلحة القومية ومتطلبات الأمن الجماعي العربي. وقالت الصحيفة "ما من شك فإن تجاهل اليمن تحت أي مبرر أو إنكار دوره وقدراته وحضوره الفاعل من قبل اي طرف سواء كان ذلك في اطار اختبار النوايا او التدريج المتصاعد، هو أمر لا ينسجم بأي حال وتلك التطلعات الكبيرة لشعوب المنطقة وما تأمله على صعيد تعزيز الشراكة والتكامل والوحدة وتبادل المصالح والمنافع والعمل معاً من أجل خدمة السلام والازدهار والاستقرار في المنطقة والتطلع بثقة نحو المستقبل". وفي ظل تحرك يمني محدود بعث الرئيس علي عبدالله صالح برسالة الى السلطان قابوس بن سعيد الذي استضاف القمة وترأس دورتها الأخيرة سلّمها وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي قبل اسبوع من موعد القمة، بينما توجه مبعوث آخر للرئيس صالح هو اللواء عبدالله الشبري وزير الدولة الأمين العام لرئاسة الجمهورية الى المملكة العربية السعودية وسلّم رسالة الى وليّ العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود قبل يوم واحد من قمة مسقط. وعلى رغم ان الدوائر الحكومية والديبلوماسية في صنعاءومسقط والرياض لم تكشف عن المضمون الأساسي لرسالتي علي صالح، إلا ان مراقبين في صنعاء لا يستبعدون بأن يكون التحرك اليمني المحدود باتجاه مسقط والرياض في الاتجاه الذي عبّرت عنه "افتتاحية" الصحيفة الحكومية عشية القمة. وتقول مصادر يمنية رسمية ان اليمن كان يتطلع الى الانضمام الى مجلس التعاون منذ عقدين ولم يترك مناسبة إلا وعبّر عن هذه الرغبة كي يتمكن من الحصول على مستوى متميز من العلاقة مع منظومة مجلس التعاون كحد أدنى حتى لا يكون شعوره بأن تجاهله هو نتيجة الفوارق الاقتصادية باعتباره بلداً فقيراً لا تتوافر لديه الموارد الاقتصادية. وتضيف المصادر نفسها ان اليمن وجد نفسه مدفوعاً في عام 1989 الى الانضمام الى "مجلس التعاون العربي" الى جانب مصر والعراق والأردن ثم الى اتخاذ مواقف سياسية لا تتفق مع دول "مجلس التعاون الخليجي" حيال قيام التحالف الدولي ضد العراق لإخراجه من الكويت، على رغم إدانة اليمن رسمياً الغزو العراقي مطلع آب اغسطس عام 1990، وهو ما جعل اليمن ضمن "دول الضد" بالنسبة الى دول الخليج وعكس ظلاله السلبية على علاقاته بدول الخليج العربي تحديداً ونتج عنه فتور الى درجة القطيعة وتسبب ذلك في صعوبات اقتصادية مؤثرة وكادت تهدد وحدته الوليدة التي تحققت في منتصف عام 1990. وترى المصادر نفسها: "ان شعور اليمن بأن التجاهل الذي يشعر به حيال انضمامه الى مجلس التعاون لم تتغير أسبابه، دفعه الى المطالبة إما بالقبول وإما بالرفض انطلاقاً من قناعة اكيدة لدى الحكومة اليمنية ولدى الرئيس علي عبدالله صالح بأن اليمن أوفى باستحقاقاته كاملة لجهة علاقته بدول الخليج. فإلى جانب نجاح اليمن في إعادة علاقاته مع الكويت الى سابق عهدها وإعادة فتح السفارة اليمنية في الكويت قبل نحو ثلاثة اعوام، تم التوصل الى توقيع معاهدة ترسيم الحدود الدولية مع المملكة العربية السعودية في جدة في 12 حزيران يونيو 2000". وقالت هذه المصادر ان الموقف اليمني اختلف تماماً بعد قرار قمة مسقط ضم اليمن الى بعض المؤسسات كخطوة على طريق ربط اليمن بمنظومة مجلس التعاون. ووجدت صنعاء نفسها امام متغير جديد لا بد من التعامل معه بخطاب جديد، فبادرت الحكومة الى الترحيب بقرار القمة واعتبرت انضمام اليمن الى بعض مؤسسات المجلس خطوة على الطريق الصحيح، آملة في مزيد من هذه الخطوات الكفيلة بتحقيق الانسجام والشراكة والمصالح المشتركة. في حين ذهب المجلس المشترك لمجلسي النواب والشورى الى أبعد من ذلك في ترحيبه بقرار قمة مسقط فاعتبره خطوة على طريق الانضمام الكامل لليمن الى مجلس التعاون. وعبّرت الأوساط الشعبية في اليمن عن ارتياحها الى هذه الخطوة واعتبرتها مبادرة أخوية من قادة الدول الخليجية تجاه اليمن ومنحه امتيازات تشعره بالقرب من هذه الدول. بينما اعتبرت احزاب المعارضة موضوع الانضمام الى بعض مؤسسات مجلس التعاون مجرد مبادرة "للترضية" نتيجة إلحاح الحكومة اليمنية. وانتقدت الصحف الناطقة باسم بعض أحزاب المعارضة الحكومة معتبرة أنها "تلهث وراء سراب وتركت العنان لأحلامها لتذهب بعيداً اكثر مما ينبغي من دون ادراك لحقائق المتغيرات الاقتصادية والسياسية في اليمن وفي محيطه العربي والاقليمي والدولي". وطالبت هذه الأحزاب الحكومة "ان تعمل على تجاوز الاختلالات القائمة بدلاً من البحث عن سراب". واللافت ان صحيفة "الثورة" الحكومية وبقية صحف الحكومة غيّرت من خطابها ورحبت بقرار قمة مسقط واعتبرت في صدر افتتاحياتها بأنه القرار السليم الذي ينبغي ان يمتد الى قرارات مماثلة على طريق التكامل والشراكة بين منظومة دول الخليج والجزيرة العربية. وكررت الإشادة بالروح الأخوية والمبادرة الكريمة والعلاقات المتميزة في سياق حديثها عن دول الخليج العربية وكأنها تعتذر تدريجاً عن وصفها هذه الدول "بالكبرياء والغرور والمكابرة" في سياق تطلعاتها للانضمام تدريجاً الى مجلس التعاون بعد قمة مسقط الأخيرة. وذكرت المصادر ان دوراً مهماً وإيجابياً لعبه ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في تحريك المسألة الى جانب بقية الدول الأعضاء وهو ما دفع صنعاء الى الترحيب الكامل بما جاء في قرار قمة مسقط وتأكيد تطلعها الى مزيد من الخطوات على طريق الانضمام الكامل، خصوصاً ان الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العمانية يوسف بن علوي بن عبدالله الذي زار صنعاءوعدن بعد يومين من قمة مسقط، أكد خلال محادثاته التي اجراها بأن انضمام اليمن الى بعض مؤسسات مجلس التعاون خطوة على الطريق الصحيح وإضافة قوية لمجلس التعاون على مختلف المستويات، معتبراً انضمام اليمن عنصراً فعّالاً من المنظور الاستراتيجي. وهو ما أكدت عليه رسالة السلطان قابوس للرئىس صالح التي سلمها بن علوي في عدن.