العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، التي كانت حتى الآن أشبه بعملة افتراضية للأوروبيين تحولت امس الى حقيقة بالنسبة الى الفرنسيين والايرلنديين والهولنديين. راجع ص12 فمنذ ساعات الصباح الأولى تهافت الفرنسيون على المقاهي والمصارف ومراكز البريد لشراء النماذج الأولى من القطع المعدنية لعملتهم الجديدة. العديد من أصحاب المقاهي الباريسية فوجئوا قبيل فتحهم أبوابهم، باصطفاف المواطنين أمامها بأعداد كبيرة لشراء اليورو، فيما اكتظت المصارف ومراكز البريد بالراغبين في شراء هذه القطع المعدنية. الكثيرون أرادوا شراء هذه القطع بدافع الفضول، لمقارنتها مع الفرنك، فوجدوا انها أكثر وزناً وبريقاً وانما أقل سماكة. وعدد كبير من المواطنين أقبل ايضاً عليها بدافع التآلف معها، واعداد انفسهم للتداول بها، فيما رأى آخرون انها تشكل هدايا لطيفة يمكن تقديمها لمناسبة الأعياد. وفي الوقت الذي يفترض ان تستمر عملية بيع هذه النماذج لمدة 15 يوماً وفقاً لما أعلنته وزارة المال الفرنسية، فإنها بدأت تنفق من غالبية مراكز التوزيع بحلول منتصف يوم امس. واعرب وزير المال الفرنسي لوران فابيوس عن سروره البالغ للاستقبال الذي أعده الفرنسيون للعملة الأوروبية الموحدة، مشيراً الى انه يعكس حماسهم حيال هذه العملية التاريخية. وبلغ عدد المجموعات من نماذج اليورو، التي وزعتها وزارة المال 50 مليون مجموعة، تضم كل منها 40 قطعة معدنية من العملة الجديدة، وتعادل قيمتها مئة فرنك فرنسي. لكن استخدام هذه القطع لن يكون ممكناً قبل أول كانون الثاني يناير المقبل وهو موعد وضع اليورو قيد التداول في منطقة اليورو تضم 12 دولة الآن، بحيث تحل تدريجاً محل الفرنك الذي يتوقف التداول به في 17 شباط فبراير المقبل. معلوم ان اليورو سيحل محل العملات المحلية في 12 دولة من أصل 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، بعد امتناع بريطانيا والسويد والدنمارك عن الانضمام الى العملة الموحدة. وروعي في اطار تصميم العملة الجديدة، الحرص على الوحدة والخصوصية بحيث تحمل كل من قطعها المختلفة وجهاً موحداً، فيما يحمل الوجه الآخر الرموز الوطنية المختارة من قبل كل من الدول ال12. والواضح عبر يوم امس، ان الفرنسيين مستعدون لتوديع الفرنك، بعيداً عن مشاعر الأسى التي كان يمكن توقعها، وانهم خلافاً لآراء البعض لا يعتبرون انهم باعتمادهم اليورو يتخلون عن جزء من سيادتهم، وبالتالي فإنهم يبدون واثقين من المستقبل الاقتصادي لأوروبا الموحدة، على رغم العثرات التي لا تزال تعترض الوحدة السياسية والعسكرية. لكن من باب الذكرى لا يخفي بعض الفرنسيين انهم يعتزمون الاحتفاظ بعدد من قطع الفرنك وبدفاتر الشيكات التي كانت تتيح لهم تسديد مدفوعاتهم به. يبقى ان كلمة فرنك لها وقع خاص لدى الفرنسيين، أولاً لأنها تعني "حر"، ولأنها صادرة من صميم تاريخ فرنسا. فالفرنك رأى النور في القرن الرابع عشر عندما اضطرت فرنسا ان تدفع فدية لبريطانيا من أجل تحرير الملك جان لوبون الذي أُسر في معركة بواتييه. وهذا المعنى هو الذي حمل الامبراطور نابوليون على اطلاق اسم الفرنك على العملة التي اعتمدها لتحل محل الليرة التي كانت متداولة في العهد الذي سبقه.