يوم كان الاتحاد الأوروبي يراكم مؤاخذاته لسجل المغرب في انتهاكات حقوق الإنسان، ضمن ما يعرف ب «سنوات الرصاص» لم تكن العلاقات الاقتصادية مع الرباط تتأثر إلا بالقدر الذي يتضرر منها هذا الطرف أو ذاك. وشاءت معطيات أن ينزع المغرب عن فرنسا صفة الشريك المحوري الذي كان يحتكر التجارة الخارجية، ويخطو في اتجاه انفتاح أكبر على إسبانيا وإيطاليا والبرتغال. الآن تميل العلاقات الاقتصادية إلى مربع الحذر والعتب، ولم تنقض على إفادة الرباط من «الوضع المتقدم» في علاقاته والاتحاد الأوروبي إلا فترة وجيزة. فقد عاود الجدل حول اتفاق الصيد الساحلي وتيرته إلى درجة تقارب نقطة الصفر. مع أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الأكثر إفادة من اتفاق اقتصادي وتجاري تظلله خلفيات سياسية، أقربها أن الاتفاق يشمل كل السواحل وصولاً إلى آخر نقطة على الحدود الشمالية مع موريتانيا، ولا يستثني المحافظات الصحراوية. في البداية كان الاتفاق ثنائياً بين المغرب وإسبانيا التي تملك أكبر أسطول صيد في المنطقة. لكن تطورات تتعلق بجذب الاهتمام الأوروبي وتوسيع مجالات الشراكة حتمت نقل الاتفاق من الإطار الثنائي إلى الفضاء الأوروبي، بتزامن مع الانفتاح على صادرات المنتوجات الزراعية. ولم يكن غريباً أن بعض المواجهات الاقتصادية بين الطرفين كان يطلق عليها «حروب الطماطم» أو «حروب الأسماك». اذ إن العلاقة ليست متكافئة. فالمنتوجات الزراعية المغربية تخضع لمزيد من الضغوط والسياسات الانتقائية. كلما تعلق الأمر باحتدام المنافسة، فيما واردات الاتحاد الأوروبي من الأسماك المغربية تفرغ حمولتها، بخاصة في الموانئ الإسبانية من دون مشاكل. ما يعني أن الطابع السياسي لأي خلاف اقتصادي وتجاري يتأثر بمنطق المكيالين. وقد أفادت عواصم أوروبية عدة، في مقدمها مدريد، من تباين المواقف بين دول الشمال الإفريقي. إذ تورد الغاز الجزائري وتدفع في اتجاه أن تصبح «القوة الاقتصادية» الأكثر استثماراً في المغرب. وكذلك حال العلاقات الفرنسية التي يعنيها أن تمطر سحابات خلافات بلدان الشمال الإفريقي في العمق الفرنسي. تنبه مرة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى أن شركاء منطقة الشمال الإفريقي مهتمون بضمان مصالحهم، من دون استشعار أي نوع من القلق. فقد كانت الإشارة موحية إلى الروابط الاقتصادية والتجارية التي لم تتأثر بتداعيات نزاع الصحراء. لكن السؤال: لماذا يطرح الآن فرقاء في البرلمان الأوروبي أسئلة حول الوجاهة القانونية لاتفاق الصيد الساحلي المبرم مع المغرب. إذا كان الهدف البعيد المدى واضحاً يطاول تكريس تجديده عبر جولات مفاوضات ترجح كفة الأوروبيين، فإن إطار «الوضع المتقدم» الذي حازه المغرب في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي يبدو بلا معنى. أو في أقل تقدير، لا يحقق للرباط ذلك الطموح الكبير في الانتقال إلى مرحلة أكبر من الشراكة السياسية والاقتصادية، وأقل قليلاً من العضوية الكاملة في النادي الأوروبي. لا حصانة لأي شراكة، ما لم تكن متكافئة ومتوازنة وخالية من الضغوط. غير أن الأصل في حال الضعف الذي يفقد أي مفاوض أوراق ضغط قوية، مصدره أن المنطقة المغاربية غارقة في تناقضاتها. وليس خطأ أن الأوروبيين يفيدون من هذا التناقض لحيازة أكبر قدر ممكن من التغلغل الاقتصادي والتجاري.