تُرى هل الجمال اللبناني هو الذي يتراجع أم أن المؤتمنين على مسابقة "ملكة جمال لبنان" باتوا عاجزين عن البحث عن الجمال اللبناني الحقيقي؟ هذا السؤال الذي يطرحه الكثيرون من اللبنانيين على اختلاف فئاتهم واهتماماتهم اصبح من الضروري البحث عن جواب شافٍ له. فالجمال اللبناني الذي استطاع في مطلع السبعينات أن يتبوّأ قمّة الجمال العالمي مع جورجينا رزق لم يعد قادراً على إبهار لجان التحكيم العالمية وأضحى في حال من العزلة مكتفياً ب"محلّيته". علماً أن ما من متبارية في هذه المسابقات تتوانى لحظة عن التذكير بأن رسالتها هي رفع اسم لبنان عالياً في العالم وتعريف الأمم بالجمال اللبناني والحضارة اللبنانية. لعلّ مباراة الجمال التي أجريت قبل أيام وأتت بالآنسة كريستينا صوايا ملكة للجمال اللبناني للعام 2001، هي خير دليل على تراجع آلية الاختيار لئلا أقول الانتخاب وعلى عجز منظمي المباراة الفاضح عن ملاحقة الجمال اللبناني حيثما من المفترض أن يكون. فالفتيات العشرون اللواتي تبارين على اللقب وخضعن لنوع من عملية الفرز التدريجي لا يمثلن حتماً الجمال اللبناني الحقيقي. يكفي أولاً أن نشير الى أن سبعاً منهن من الشمال اللبناني الكورة، زغرتا، عكار، الضنية، بشري وثلاثاً من جبيل وأربعاً من المتن الشمالي، وواحدة من جزين وواحدة من بيروت الأشرفية واثنتين فقط من البقاع... لعل هذا ما يعني أن المباراة محصورة أو شبه محصورة ضمن خريطة صغيرة جداً يحتل جبل لبنان معظمها، فيما تغيب بيروت، عاصمة لبنان، غياباً شبه كلّي. طبعاً ليس من المفروض أن تتمثل في مباراة الجمال المحافظات والأقضية والدوائر ولا الطوائف والمذاهب كلها... فالمباراة ليست "حفلة" انتخابات نيابية. لكن الجميلات اللواتي شاهدهن الجمهور اللبناني والعربي على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال لم يكنّ في معظمهن في حجم المباراة ولم يتمتعن بذلك الجمال الباهر الذي يخلب الانظار ويسحر القلوب. حتى ملكة الجمال نفسها ليست على جمال صارخ، ذاك الذي يشهق له المرء أو يندهش به. جمال عاديّ... لا يختلف عن جمال الوصيفة الأولى بيتي كعدي التي خانها الاختبار الثقافي فتلعثمت في الاجابة ولم تسعفها انكلوفونيتها في أن تجيب كما ينبغي. وقد بدت على خلاف الوصيفة الثانية نسرين عزيزي التي عرفت كيف تجيب وكأنها جهزت نفسها مسبقاً مما جعلها تردّ على السؤال الختامي المشترك قبل أن تسمعه... وإن كان من عادة حفلة انتخاب ملكة الجمال أن يكون لها كواليس كما في كل عام، فإن الكواليس كانت شبه مفضوحة هذه السنة. فبعض النادلين الذين خدموا الساهرين في صالة كازينو لبنان بدوا يملكون النتيجة مسبقاً. وقد أشار بعضهم الى بعض المصورين أن يركّزوا على كريستينا صوايا لأنها هي التي ستفوز. لم يتكلّم هؤلاء من عندهم طبعاً، بل هم سمعوا ورأوا... وأدركوا ان هذه الآنسة التي قد تكون هي الأجمل بين الفتيات لا بد من أن تحلّ ملكة. لكن مَن راقب علامات لجنة التحكيم أدرك أن ثمة "خربطة" ما في التقدير... فآراء لجنة التحكيم لم تكن متجانسة تمام التجانس. وبدا غياب الخبراء الحقيقيين في الجمال واضحاً هذه السنة. الرسام وجيه نحله صاحب التجربة الحروفية في الفن التشكيلي لا علاقة له حتماً بمثل هذه المباريات. ودلّت العلامات التي كان يضعها على كرمه وتساهله... أما الفنان أناشار بصبوص فأى علاقة تربطه بمثل هذه المباراة؟ وكذلك الاعلامية سعاد قاروط العشي والمطربة جوليا وسواهم وسواهم. وهذا لا يعني ان هؤلاء لا يقدّرون الجمال لكنهم حتماً يفتقدون الى الخبرة وربما التخصص في هذا الحقل الصعب الذي يتطلب الكثير من الدقة والملاحظة... ولم ندرِ إن كان دار في "الكواليس" هذه السنة ما كان يدور أحياناً فيها... كأن يتمّ الاعتناء ببعض الجميلات دون الجميلات الأخريات أو كأن يهتم المزينون بماكياج بعض الفتيات دون الأخريات أو بتسريحاتهن... وكذلك يكون الاهتمام باطلالات البعض وأزيائهنّ... كان واضحاً في حفلة انتخاب ملكة الجمال الأخيرة شحوب الجمال اللبناني إذاً. قد يكون الجو القاتم الذي يرين على العالم اليوم من جرّاء المأساة النيويوركية سبباً من أسباب هذا الشحوب. لكنه حتماً ليس وحده. المدعوون كانوا قلّة هذا العام والاعلانات التلفزيونية كانت قليلة. أما الحفلة فخلت من الطابع الاستعراضي الذي كانت ترسّخه اللوحات الراقصة وغالباً ما كانت تحييها فرقة "رماح". حاول المخرج شارل صوايا انقاذ الحفلة عبر الاعتماد على الجميلات المتباريات أنفسهنّ، بقاماتهنّ وبعض الاستعراض اللواتي قمن به. لكن هذا لم يكن كافياً لينقذ الحفلة من الملل والفراغ. وحده العرض الضوئي الذي رافق الاطلالات المصوّرة للمتباريات كان جميلاً وطريفاً. أما الاستعانة بملكة الجمال التي أصبحت ممثلة وأقصد دينا عازار فلم تكن موفقة أبداً. فملكة الجمال التي فشلت فشلاً ذريعاً في التمثيل مسلسل "رماد وملح" فشلت أيضاً في تقديم الحفلة والمتباريات وفي ربط الفقرات بعضها ببعض. صحيح ان دينا عازار بدت جميلة بين الجميلات لكن جمالها غير كاف ليجعل منها اعلامية أو مقدمة ناجحة. فهي لا تجيد اللفظ بالعربية أو باللبنانية بالأحرى وغالباً ما تتلعثم أو تتكلم ببطء مع لكنةٍ تذكر كثيراً بلكنة اللبنانيين العائدين لتوّهم من أميركا وقد نسوا كيف يلفظون الحروف. إضافة الى فطريتها الواضحة التي حالت دون استيعابها أحياناً ما يجب أن تقول مما كتبوه لها على الأوراق الصغيرة التي تحملها أو مما حفّظوها إياه غيباً. القمة الفرنكوفونية التي تحدثت عنها سمّتها "الأُمّة" الفرنكوفونية، وقد فاتها طبعاً أن القُمّة بالضم هي نقيض القِمّة بالكسر. ومن زلاتها المضحكة انها طلبت من المتباريات سؤالاً عن الجواب عوض أن تطلب منهن جواباً على السؤال. وأطرف اللقطات حين استضافت ملكة الجمال ساندرا رزق التي ستسلّم تاج الجمال الى الملكة الجديدة. بدت ملكتا الجمال السابقتان في وضع مضحك حين راحتا تتحادثان ب"براءة" فائقة ومفضوحة جداً. ولا ندري إن كانت ساندرا رزق ستتحوّل بدورها الى التمثيل والبرامج التلفزيونية ما دام حبل الجمال على الجرار، وما دامت هذه "الصرعة" رائجة... ولعلها فرصة مهمة لملكات الجمال بعد خلعهنّ التاج، كي يطللن على الجمهور ويصبحن "نجمات" في زمن رخصت فيه أسعار النجومية في الغناء والرقص "والطقش" و"الفقش"... وخلال الانتخاب بدت الفتيات المتباريات في معظمهنّ متحضّرات جيداً للامتحان الثقافي. وبدوْنَ أيضاً كأنهنّ "مستنفرات" وطنياً. فلم يفت أي جميلة أن تذكر لبنان وأن تذكّر اللجنة والجمهور بأن الرسالة المنوطة بها هي أن تعمل لمجد لبنان... إنه الكلام "الوطني" الجاهز والذي بات مستهلكاً ومضجراً وخالياً من المعنى. وهو كلام نسمعه دوماً وفي أكثر من مناسبة ومنبر. وبدت الفتيات كأنهن يتمسكن بالقمة الفرنكوفونية التي ستعقد في بيروت الشهر المقبل، إلا أن واحدة منهنّ أصرّت على أنكلوفونيتها التي لم تساعدها أبداً. وبدت أسئلة بعض اعضاء لجنة التحكيم مضحكة ومفتعلة ولم يتمالك بعضهم عن عرض عضلاته الثقافية والوطنية... في اليوم التالي من حفلة الانتخاب اتصل أحد الصحافيين بالملكة الفائزة سائلاً إياها عن انطباعها بفوزها فأجابت في شكل قاطع: "ممنوع أن أحكي الآن". لكن الصحافي استدرجها الى بعض الكلام ليدرك ان اللجنة فرضت عليها عدم الادلاء بأي كلام للصحافة والحجة انها ستلتقي أهل الصحافة والاعلام في مؤتمر صحافي خاص. والأرجح أن المنظمين يمنعون ملكات الجمال المنتخبات من الكلام مع الصحافة خوفاً من فضيحة تتعلّق بخفايا الانتخاب أو كواليسه أو خشية من أن "تخبّص" الملكة الجميلة في كلامها فتحكي"طالعاً ونازلاً" كما يُقال. وإن بدت مباريات الجمال في لبنان تتراجع عاماً تلو عام فإن التراجع الفاضح هو الذي يشهده الجمال اللبناني في المباريات العالمية. ولعل هذا الأمر المسيء الى الجمال اللبناني يطرح الكثير من الأسئلة: لماذا تنحصر المباراة في مناطق معينة؟ لماذا لا يبحث المسؤولون عن المباراة هم بأنفسهم عن الجميلات اللبنانيات عوض أن ينتظروا ترشيح الفتيات انفسهن الى المسابقة؟ بل لماذا ينتظرون أيضاً من بعض الشركات التي تُعنى بالأزياء وتصميمها وبالعارضات و"بورصتهن" أن تقدّم الفتيات الى المسابقة؟ هل في الأمر تقصير وإهمال ولا مبالاة أم أن فيه تواطؤاً ما؟