عند الحديث عن دولة كايران تقفز الى ذهني صورة مجازية تمتزج فيها الاراضي الخضراء بالملايات السوداء التي تغطي رؤوس النساء، فهذان اللونان مرتبطان جذرياً بألوان العلم الايراني ارتباطهما بمخيلتي عن هذا البلد. وعندما تنفصل الصورة يتوارد للفكر ما طبعته كتب التاريخ في مناهجنا عن بلاد فارس والتي كانت في قرن من الزمان الدولة العظمى واحدى كفتي الميزان، ومسمى "كسرى" الذي ما ان يذكر حتى أجيب تلقائياً بأنه ملك الفرس. وهناك الكثير من كتبنا التاريخية التي اشارت الى تأثر الثقافة العربية بالثقافة الفارسية، وقد كان هناك عدد من صحابة الرسول من الفرس، اي ان الفارسيين خالطونا دماً وفكراً، كما هي حالنا مع باقي الشعوب. وتقترب الصورة التي اتخيلها في الثمانينات وتظهر ايران كعدو لدول الخليج، وعدو للسلام عندما خرج صدام حسين مستنجداً مستغيثاً طالباً الدعم من ان تنتهك ارضه على يد الايرانيين وبالتضليل الاعلامي صور صدام الايرانيين بأبشع الصور، مما جعلنا جميعاً ندعمه مالياً ومعنوياً جاهلين بما يدور في رأس هذا الطاغية. وتكررت المناوشات بين الايرانيين ودول الخليج، إضافة الى تأزم العلاقات بين ايران والولايات المتحدة ما فاقم من صورة ايران وأصبحت مسألة الجلوس الى مائدة التفاوض صعبة المنال. ولكن بعد ازمة الخليج والاجتياح العراقي لدولة الكويت استيقظت العقول وفتحت العيون على الحقيقة المؤسفة لصدام العراق ما ساعد على التفكير في جدوى تحسين العلاقات بين دول الخليج والدولة الايرانية، ولأن ليس هناك من مستحيل فتحت الابواب وفتحت القلوب وليس صعباً على من ينظر الى التاريخ ان يجد فيه علاقات وروابط تربط الشعوب بغض النظر عن الخلافات والتداعيات التي سببتها الظروف والحكومات. ولكي تكتمل الصورة في مخيلتي، فالشعب الايراني شعب كافح من اجل ان يؤمن لنفسه دولة مستقلة عن الحكم البريطاني وبيئة خالية من الفساد الامبراطوري، ففضل ان تسقط الامبراطورية الايرانية على ان تحل محلها الثورة الاسلامية والتي قبل بها المجتمع الايراني. الصورة السياسية في ذهني عن بلد لم أزره وربما فعلت قريباً لا تزيد على تشكل حزب المحافظين وهم الغالبية وحزب الاصلاحيين وهم المغلوب على امرهم، دائماً، إضافة الى احزاب اخرى تشكلت ابان فترة حكم خاتمي ومنها الليبرالية والتجديدية وغيرها وهي صور بلورتها وسائل الاعلام او ما يتاح لي منها . وعلى رغم انني اؤمن بأن الفكر هو حق ذاتي وملك خاص للشعوب، الا ان المجتمع الايراني مليء بالمفارقات، فعلى رغم ان هذا البلد يعج بالخيرات والثروات على المستوى المادي والبشري الا انه يعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية، إضافة الى المشكلات السياسية حتى الآن. وعلى رغم ما تناقلته وسائل الاعلام من محاولات خاتمي لانتشال البلاد من غرقها في مشاكل اجتماعية وانشقاقات دينية كبرى الا ان هذه الجهود لا تزال تكافح بقوة، واشتهرت ايران على مر العصور بثروتها الحيوانية التي تنتج اجود انواع خيوط الصوف في العالم حيث اشتهر السجاد الايراني على كل المستويات، إضافة الى الثروة النفطية والزراعية وغيرها وبالطبع لن اقتني نفطاً اذا سافرت اليها لكن سجادة ايرانية صغيرة تحمل اغراء كبيراً. وفي جانب آخر من الصورة، هناك النصف الاخر من المجتمع الايراني الا وهو المرأة الايرانية. صحيح ان هناك حق للمرأة في التصويت والانتخاب السياسي في ايران الا انها تعاني اجتماعياً وانسانياً، فمن المفارقات العجيبة ان تغلق مجلة زان المرأة وصاحبتها الامبراطورة فرح ديبا لمجرد انها تحمل هذا الاسم، إضافة الى عمليات القمع والاعتقال لأي صحيفة تشير في شكل او بآخر الى حقوق المرأة في المجتمع الايراني. وسبق ان جاورت عدداً من العائلات الايرانية عندما عشت فترة في الكويت الشقيقة فقد كانت فترة كافية لأن اتعرف على دواخل مجتمعهم وطريقة تفكيرهم، ولا انسى انه سبق ان احدهم ويدعى عبدالله انقذني من موت محقق عندما اخترقت احدى الشاحنات الشارع الفرعي باتجاهي وأنا لم ابلغ السادسة من العمر بعد عندما اسرع وأبعدني عنها. تجدهم في الأفراح كما في الاحزان، وتجدهم أيضاً على درجة عالية من الثقافة والتعليم ومواكبين لشتى انواع الحضارة، واكثر ما يلفت انتباهي في هذا الشعب ذلك السواد الذي يشكل لوناً رسمياً في كل المناسبات، وشدة السواد تمتزج ببياض اجسادهم فتجعل منها مزيجاً مميزاً. وانطواء هذا الشعب على نفسه يجعل من الصعب الحكم عليه من قبل الآخرين والتكهن بمكنوناته التي تحتاج لسفر طويل في الارض والتاريخ. حقيقة اني لم ازر ايران قبلاً ولا اعرف كيف هي المباني او الاراضي ولكني سأستعين بخيالي الذي تغذيه الصور الاعلامية والفضائيات لأتوقع ان طهران عبارة عن مبان صغيرة متقاربة وريفية الطابع مع وجود بعض المباني الكبيرة التابعة للدولة والبعيدة من مباني المواطنين. تكثر المزارع والحيوانات والكثير من الشوارع والازقة الضيقة، وبما انها من دول الاكتفاء الذاتي فهذا يعني ان جميع الصناعات من اجهزة وسيارات والبسة وغيرها كتب عليها صنع في ايران. السيارات غالباً ما تكون بسيطة الشكل والصنع وعددها قليل كما ان الأسواق بسيطة ومعظم ما يباع فيها الصناعات اليدوية كالفضيات والالبسة والفخاريات وغيرها.