القصف والجوع والشتاء.. ثلاثية الموت على غزة    مغادرة الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    وزير المالية : التضخم في المملكة تحت السيطرة رغم ارتفاعه عالميًا    بدء التسجيل لحجز موقع في المتنزه البري بالمنطقة الشرقية    محافظ الطائف يرأس إجتماعآ لمناقشة خدمات الأوقاف    أمير منطقة تبوك يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    اكتمل العقد    دوري يلو: التعادل السلبي يطغى على لقاء نيوم والباطن    11 ورقة عمل في اليوم الثاني لمؤتمر الابتكار    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    تكريم المشاركين بمبادرة المانجروف    «الخريجي» يشارك في المؤتمر العاشر لتحالف الحضارات في لشبونة    بلاك هات تنطلق في ملهم بمشاركة 59 رئيس قطاع أمن السيبراني    استقبل مدير عام هيئة الهلال الأحمر نائب الرئيس التنفيذي لتجمع نجران الصحي    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من أمير دولة الكويت    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    جمعية «الأسر المنتجة» بجازان تختتم دورة «تصوير الأعراس والمناسبات»    رئيس «اتزان»: 16 جهة مشاركة في ملتقى "التنشئة التربوية بين الواقع والمأمول" في جازان    وزير الشؤون الإسلامية: ميزانية المملكة تعكس حجم نجاحات الإصلاحات الإقتصادية التي نفذتها القيادة الرشيدة    زيارة رسمية لتعزيز التعاون بين رئاسة الإفتاء وتعليم منطقة عسير    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    نائب وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 21 لمجلس الدفاع المشترك لوزراء الدفاع بدول مجلس التعاون    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الصحة الفلسطينية : الاحتلال يرتكب 7160 مجزرة بحق العائلات في غزة    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    ألوان الطيف    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الحياة" تنشر رواية الأفغان اللبنانيين كما عرض لها القرار الاتهامي في قضية حوادث الضنية . قراءات "الجماعة" تدور على الإقامة والتجنس في المهاجر ... وحربهم بين كفرحبو وعيون السمك الحلقة الرابعة الأخيرة
نشر في الحياة يوم 21 - 09 - 2001

} تداعت الحوادث بعد خروج "ابو عائشة" بسام الكنج، وبعض اصحابه، من طرابلس الى جرود الضنية. فهاجموا مبنى اذاعة "إسلامية"، وتورطوا في قتال قوة عسكرية لم تكن في مهمة قتالية، وفي احتجاز عسكريَّيْن ... وعند انسحاب المسلحين الى الجرود، ضلّوا الطريق، ووقعوا على بلدة قاتلهم اهلها دفاعاً عن انفسهم، فقتلوا بعض هؤلاء الأهل.
وتداعي الحوادث على هذا النحو قرينة واضحة على ارتجال "الخروج" وطلب "الخلافة" على ما جاء في تقرير عثر عليه بين أوراق بعض الموقوفين. وتدل المضبوطات العسكرية الى الإعداد لحرب "عدو" مدرّع، على المثال الأفغاني، من جهة، ول"عدو" أهلي وشخصي، من جهة اخرى. ولم يتح الارتجال السياسي للجماعة تعبئة جزء من مواردها القليلة، فانهارت في اليوم الثالث لخروجها.
لم يكد عناصر حاجز الجيش اللبناني يعلمون بأسر المقدم النداف والرقيب اول ملص حتى توقفوا عن اطلاق النار. فاستفاد من الأمر المسلحون وعادوا الى داخل مبنى الاذاعة، ومعهم الضابط والرقيب اول. فحقق جميل حمود معهما بناء على امر "ابو عائشة"، وسألهما عن سبب وجود القوة في المكان فأكد له المقدم النداف ان القوة موجودة لحفظ الأمن في المنطقة، لمناسبة ليلة رأس السنة، ولا علاقة لها بالمسلحين في الاذاعة، او في محيطها.
فأرغم "ابو عائشة" الضابط على الاتصال، بواسطة الهاتف الخلوي النقّال، بالرائد حسن مرقباوي، من فرع مخابرات الشمال في الجيش، والطلب إليه وقف النار، وإرسال سيارتين لنقل المسلحين مع الأسيرين الى منطقة عيون السمك، فيطلق سراح الأسيرين هناك، وإلا أمر هو، "ابو عائشة" بقطع رأسيهما. فوعد الرائد مرقباوي بدراسة الأمر، وتوقف اطلاق النار.
وأدى اعتداء جماعة "ابو عائشة" المسلحة على قوة الجيش حول مبنى اذاعة الهداية والإحسان في عاصون، الى سقوط اربعة عسكريين: الرقيب اول الياس سعد، والرقيب اول يوسف عبود، والجندي اول عامر عبدالله، والجندي غسان فلوطي، من فوج المغاوير. اما الجماعة المسلحة فجرح منها في الاشتباك الاول اربعة: اسماعيل اسماعيل، وأحمد اليوسف، وخالد العمري، عالجهم "ابو عائشة" وأبقاهم معه، اما الرابع، احمد توفيق الرفاعي، فنقله عبدالحكيم الجزار الى المخيم في الجرود حيث عالجه هلال جعفر وبقي الرفاعي في المخيم، وانتشر بعدها مع العناصر التي اخذت مواقعها على التلال حول المخيم وقاتلت الجيش السبت في 1/1/2000.
وبعيد وقوع الاشتباك المسلح حول مبنى الاذاعة، اجتمع في طرابلس احمد ميقاتي وعمر صوالحي وزين العابدين خليل وبسام يونس، من الجماعة المسلحة، في منزل يونس، واتفقوا على التوجه إما الى المخيم، او الى الاذاعة، لدعم "ابو عائشة". فاتصل احمد ميقاتي ب"أميرهم"، وأطلعه على قرارهم. فأرشده "ابو عائشة" الى طريق زغرتا، الأكثر اماناً. ولكن "ابو عائشة" عاد واتصل بميقاتي وطلب منه التريث بسبب وقوع قتلى وأسرى في صفوف قوة الجيش.
وكان "ابو عائشة" اتصل صباح الجمعة في 31، قبل الهجوم على حاجز الجيش القريب من مبنى الاذاعة، بإيهاب البنا في بيروت، وطلب منه إحضار معبئ بطاريات لجهاز ال"أيكوم". فوعده ايهاب بالرد عليه بعد الظهر. واتصل به فعلاً في الموعد الذي ضربه له، فسمع صوت الرصاص، ثم انقطع الاتصال. فعاوده "ابو عائشة"، وأخبر إيهاب أنه ومجموعته اشتبكوا مع الجيش، وأوقعوا في صفوفه قتلى، وأسروا أسرى. وعندها اتصل إيهاب البنا بخليل عكاوي، وأطلعه على ما علم به، واتفقا على التوجه الى طرابلس في اليوم التالي. وفي الطريق اتصل إيهاب ب"ابو عائشة"، وكان هذا صار خارج الإذاعة، واستطلع المستجدات. فوجد "ابو عائشة" مستعجلاً، وأعطاه رقم هاتف زين العابدين خليل، وطلب منه الاتصال به ليطلعه على ما يريد. فاتصل إيهاب البنا بزين العابدين، واتفقا على الالتقاء في منزل بسام يونس. وهنا كان عمر صوالحي وأحمد ميقاتي ينتظران. فتداول الأربعة في سبل مساعدة "ابو عائشة". واتفقوا على ان المساعدة الملحّة تقتضي تأمين الاموال.
فتوجه إيهاب البنا الى بيروت وحده، واتصل بقاسم ضاهر في القرعون البقاع، فردّ عليه محيي الدين عميص، وأخبره ان قاسم ضاهر موجود في دبي، منذ خمسة ايام، وذهب اليها بناء لطلب "ابو عائشة" لإحضار المال من "عبدالباري" الخليجي. ولم يتمكن قاسم ضاهر طيلة اقامته في دبي، من مقابلة "عبدالباري". ولكنه قابل "هارون" اليمني. وتلقى، مساء الجمعة في 31، اتصالاً هاتفياً على رقم هاتف هارون هذا من زهير عميص، في لبنان. فأطلعه هذا على حادثة مبنى الاذاعة في عاصون. فأبلغ قاسم ضاهر زهير عميص انه عائد الى لبنان، الأحد في 2/1/2000. وعاد في هذا التاريخ، ومعه من هارون اليمني مبلغ ستة آلاف وخمسمئة دولار اميركي. واستقبله في المطار زهير عميص وأحمد أبو غوش. وأبلغاه فور وصوله ان إيهاب البنا اتصل به اكثر من مرة ويريد مقابلته. ومن المطار اتصل قاسم بإيهاب، واتفقا على اللقاء امام كنيسة مار مخايل في الشياح. وهناك سلّم قاسم إيهاب البنا المبلغ الذي احضره معه من دبي كاملاً، على ان ينفق نصفه على الاعمال العسكرية ونصفه الآخر على عائلات المسلحين المقاتلين.
وفي هذا اللقاء، وفي اللقاء التالي على الطريق الدولية امام مطعم الأمين، طلب إيهاب البنا من قاسم ضاهر ورفاقه في مجموعة البقاع، القيام بعمل عسكري ضد اهداف عسكرية لبنانية في البقاع، من اجل تخفيف الضغط عن "ابو عائشة" ومسلحيه في الشمال. ولكن الطلب لم يلقَ صدى في مجموعة البقاع. وبعد بعض الوقت سلم قاسم ضاهر أحمد ميقاتي بواسطة خليل عكاوي مبلغ ثلاثة آلاف دولار اميركي، اقتطعه من اموال تبرعات كان جمعها لتصرف على عائلات المسلحين الذين قتلوا في اشتباكات الضنية.
وفي الاثناء، توقف اطلاق النار، بعد أسر الضابط والرقيب. فقرر "ابو عائشة" مغادرة المبنى، ومعه الأسيران، الى منطقة جبال الأربعين في جرود الضنية، وأمر انصاره بحمل سلاحهم الحربي وذخيرتهم، وأرغم الضابط والرقيب اول على حمل حقيبة مليئة بأغراض مختلفة وضعت على ظهريهما، وبقيت يدا كل منهما مكبلتين. وخرجوا من المبنى في قطار أحادي يتقدمه عزام غانم وخضر خضر، وأرشد هذان القافلة الى الطريق التي يجب سلوكها. وسار وراء الدليلين "ابو عائشة"، ثم المقدم النداف، ثم الرقيب اول ملص، ثم عبدالمنعم زعرور والآخرون. فوصلوا، بعد مسيرة ست ساعات الى تلة صنوبر، وكان صباح السبت في 1/1/2000 قد طلع. فأمضوا يومهم هذا كله على التلة.
وفيما كان "ابو عائشة" والمسلحون، ومعهم الضابط والرقيب اول الأسيران، على تلك التلة، يوم السبت في 1/1/2000، قام عبدالحكيم الجزار بنشر خالد ميناوي وخالد المحمود وبلال المحمود على تخوم المخيم. ونشر المسلحين الآخرين، في اثناء الليل، في مواقع متقدمة، وعلى التلال المحيطة بالمخيم والمشرفة على مبنى الإذاعة وعلى الطرق المؤدية الى المخيم. وحصل الانتشار على صورة مجموعات مؤلفة من ثلاثة عناصر. فكان على كل تلة مجموعة من ثلاثة مسلحين الى اربعة. وأبلغ الجزار هذه المجموعات ان مهمتها هي منع الجيش من التقدم نحو المخيم بالقوة، وأمرهم بإطلاق النار على القوة المتقدمة حال تقدمها.
وعمد هلال جعفر وعبدالحكيم الجزار وبلال المحمود وخالد المحمود وخالد ميناوي الى نقل ما بقي في المخيم من اسلحة وذخائر وكتب وغيرها، الى منزل قريب مهجور، كانوا نقلوا اليه اشياء مثلها في الليل السابق. وبينما هم في المنزل، في صباح السبت، في 1/1، قام الجيش اللبناني بعملية انزال في منطقة الجرود، قرب المخيم والتلال المحيطة به. وبدأت القوى العسكرية تتقدم نحو المخيم. وكانت مواقع الجيش بعيدة منهم، ولكنهم كانوا يشاهدون القوة تتقدم. فمكثوا في المنزل يوم السبت كله. فلما حل الليل نقلوا الاغراض والأسلحة الى مغارة قريبة، أغلقوا بابها بالحجارة وقطع الأشجار. ثم افترقوا هناك. فتوجه خالد ميناوي وخالد المحمود وبلال المحمود الى طرابلس وألقي القبض عليهم في الطريق اليها. وتوجه عبدالحكيم الجزار الى الضنية، او الى عكار وتوارى، ولم يزل متوارياً ويرجح انه انتقل من مخيم عين الحلوة، حيث فرّ، الى مخيم نهر البارد، "الحياة" في 19/9/2001، وربما ورد اسمه في لائحة مطلوبين اميركية بعد 11/9. أما هلال جعفر فتوجه اولاً، الى منزله، حيث حلق لحيته وبدل ثيابه، ثم توجه الى طرابلس حيث التقى فواز النابلسي وأطلعه على ما حصل، وعاد الى منزله في بيروت حيث ألقي القبض عليه.
وكان رضوان جباخنجي وعمر الرفاعي ولؤي السعيد في مجموعة واحدة على احدى التلال. ولدى مشاهدتهم احدى مروحيات الجيش تحوم فوق رؤوسهم، وبدأ انزال العسكريين منها، تركوا اسلحتهم الفردية مع توفيق الرفاعي، وكان في موقع قريب منهم، وغادروا الموقع الى طرابلس مروراً بنبع القسّام وبقاعصفرين. وألقي القبض على رضوان جباخنجي وعمر الرفاعي، فيما بقي لؤي السعيد متوارياً.
وبقيت مجموعة اخيرة من ممتاز ميناوي وسعيد ميناوي وعبيدة شريف ومحمد المحمود وعبدالرحمن جمال وأحمد توفيق الرفاعي وصلاح اللاذقاني، فلما شاهد عناصرها قوة الجيش، وصارت على بعد حوالى خمسة عشر متراً منهم، فتحوا النار عليها بغزارة من كل الجهات. فقتل الجندي حافظ الحدشيتي، من الفوج المجوقل، على الفور، وجرح زملاء له. وردّت القوة على مصادر النار، فقتلت عبدالرحمن جمال وأحمد توفيق الرفاعي وصلاح اللاذقاني، وجرحت ممتاز ميناوي وأسرته. وهرب سعيد ميناوي وعبيدة شريف ومحمد المحمود في احد الوديان. ووصل محمد المحمود الى بيروت وتوارى. واختبأ سعيد مناوي وعبيدة شريف في منزل مهجور، في احدى القرى القريبة، اسبوعين، ثم فرّا صوب الحدود الشمالية السورية، قبل ان يُقبض على سعيد ميناوي.
وأمضى ابو عائشة ومن بقي معه من المسلحين السبت في 1/1 على التلة التي كانوا احتموا بها بعد تركهم مبنى الاذاعة في عاصون. وعند السابعة مساء سلكوا طريقاً اوصلتهم الى بلدة إيزال ليلاً. وذهب عزام غانم وخضر خضر من المجموعة لإحضار بعض المأكل والمشرب، وعاد خضر خضر وحده، اما عزام غانم فترك المجموعة والتجأ الى احد المنازل، وفي اليوم التالي اتصل بزوجته فأحضرت له هويته، فتوجه الى طرابلس، وألقي القبض عليه بينما كان يحاول السفر الى الكويت عبر مطار بيروت الدولي.
"الأمير" الضلّيل
وأكمل المسلحون سيرهم ليلاً، فوصلوا في الساعة الرابعة من صباح يوم الأحد، في 2/1 الى وادٍ يقع بين مرياطة وعشاش. فتوقفوا على احدى التلال وناموا حتى الساعة العاشرة ليلاً. ومن هناك اتصل "ابو عائشة" بعبدالحكيم الجزار. واتفق معه على لقائه في موضع هناك. لكن "ابو عائشة" ضلّ طريقه، فسأل احد الاولاد عن الموضع، فأرشده الولد الى الطريق، فسلكوها، فإذا بهم على مشارف بلدة كفرحبو. وكانت الساعة بلغت الحادية عشرة والنصف من ليل الأحد 2/1. فتوقفوا امام كسّارة هناك، وسأل ابو عائشة احدهم عن الطريق المؤدية الى منطقة عيون السمك، فدلّه عليها.
وما هي إلا لحظات حتى انهمر الرصاص على "ابو عائشة" ومسلحيه، والأسيرين، ومصدره اهالي بلدة كفرحبو الذين خافوا المسلحين وأرادوا صدهم عن بلدتهم. فحاصرت النار الجماعة في البلدة فقرر "ابو عائشة" دخول احد المنازل للاحتماء فيه، واحتجز رهائن يفاوض عليهم الجيش، ويقايض بهم هربه. فصادف منزل المعاون في الشرطة العسكرية في الجيش، جان يزبك، وتقدم نحوه يرافقه رضوان رستم واسماعيل اسماعيل ومصطفى حيدر. وطرق باب المنزل، وطلب من صاحبه، بصوت خافت، ان يفتح له، زاعماً انه من الجيش. ولكن جان يزبك، وهو عاد الى منزله قبل ذلك بقليل ترافقه زوجته الحامل سارة، ووالدتها سلوى رعد، كان سمع صوت الرصاص المنهمر على المسلحين، وشاهدهم يمرّون قرب منزله. فاحتاط للأمر، وتناول بندقية صيد عنده، وذخّرها، وأعطى زوجته بعض الذخيرة، وتمترس بمكان في منزله يمكنه منه مشاهدة الداخل الى المنزل قبل ان يشاهده هذا الأخير.
ولما طرق "ابو عائشة" الباب مرة اخرى لم يفتح له جان يزبك. فأطلق "ابو عائشة"، ومن معه، النار على باب المنزل، ورفسوه فانفتح، ولما انفتح رموا قنبلة يدوية فيه ودخل اسماعيل ورضوان رستم ومصطفى حيدر، وراحوا يطلقون النار في الاتجاهات كلها. فقتلت سلوى رعد الحماة، وأصيبت سارة الزوجة اصابة بالغة وفارقت الحياة بعد ذلك بقليل. وأصيب جان يزبك، ولكنه تمكن من اطلاق النار على المسلحين فأردى اثنين منهم وجرح الثالث. ودخل باقي المسلحين المنزل، بينما هرب جان يزبك من منزله الى المستشفى، للمعالجة من اصابته.
وبعد السيطرة على منزل جان يزبك نشر "ابو عائشة" رجاله، باستثناء علي العبود الذي فرّ الى جهة لم تعرف. فبقي في كفرحبو سبعة عشر مسلحاً. فأمر "ابو عائشة" عبدالله هزيم وأحمد اليوسف بالتمركز على سطح المنزل، وكانا مسلحين برشاش "ب.ك.س" وصاروخ "لاو" وقذائف "إنيرغا". وأمر عبدالمنعم زعرور بالتمركز على الدرج. ونشر المسلحين الباقين داخل المنزل امام النوافذ والأبواب. ووضع المقدم النداف في الصالون، وأوقف جميل حمود حارساً عليه، وحبس الرقيب اول محمد ملص في غرفة اخرى، ثم في الحمام، وعهد الى عبدالمنعم زعرور بحراسته.
وأراد "ابو عائشة" توسيع انتشاره مع مسلحيه. فأمر عبدالمنعم زعرور وخضر خضر باحتلال المنزل القريب من منزل جان يزبك، وهو منزل جورج يزبك، شقيق جان يزبك. فلما توجه المسلحان الى المنزل، وكان صاحبه علم ان المسلحين احتلوا منزل شقيقه وسمع اصوات الرصاص والقذائف، أطفأ الأنوار، ووضع زوجته وأولاده في غرفة آمنة، وأخذ بندقيته وذخّرها، واختبأ في مكان مواجه لمدخل المنزل. ووصل عبدالمنعم زعرور وخضر خضر امام منزل جورج يزبك، وأطلقا قذيفة "إنيرغا" اصابت حجرة استقبال المنزل، وأتبعوها برشقات نارية، وتقدما وطرقا الباب من غير جواب. فأطلقا النار على الباب ورمياه بقذيفة ثانية فانفتح. وما ان همّا بالدخول حتى عاجلهما جورج برشق ناري. فقتل خضر خضر، وأصيب عبدالمنعم زعرور في رأسه ورجله ويده اليمنى. وقبل عودته الى منزل جان يزبك، رمى عبدالمنعم زعرور قنبلة هجومية على منزل جورج. وفي المنزل الأول عالج "ابو عائشة" الجريح، وأقام طلال كيلاناكي مكانه على سفرة الدرج، وأمر احمد اليوسف بالالتحاق بعبدالله هزيم على السطح.
وفي اثناء وجود المسلحين في منزل جان يزبك، قبل قدوم الجيش، كان المسلحون يتبادلون النار مع بعض الاهالي، فيما "ابو عائشة" يفاوض الجيش بواسطة هاتف المنزل. واشترط على مفاوضيه الوصول مع عناصره والأسيرين الى عيون السمك، وهناك يطلق سراح الأسيرين، والتصرف بسيارتين تنقلان المسلحين الى عيون السمك. واشترط ان يضمن الاتفاق وتنفيذه الشيخ اكرم خضر، والشيخ بلال شعبان نجل الشيخ سعيد شعبان، "أمير" حركة التوحيد الاسلامي والنائب خالد ضاهر. فأجابه المفاوض العسكري طالباً وقف النار الى حين وصول الملالات قرب المنزل. ولكن "ابو عائشة" رفض رفضاً قاطعاً، وأجاب محدثه انه يعتبر قدوم الملالات مداهمة له، وهدد بفتح النار على الجيش وقتل الرهينتين. فانهالت الاتصالات الهاتفية على "ابو عائشة"، ومصدرها بعض الفاعليات الاسلامية في الشمال. وطالبه المتصلون بتسليم نفسه وأصحابه، واطلاق سراح الضابط والرقيب اول، ولكن جوابه كان الرفض، لأن "الشرع لا يسمح بذلك"، وبقي مصرّاً على شروطه وتهديداته.
وفي ساعات الصباح الاولى من الاثنين، في 3/1، بدأت طلائع ملالات الجيش تتقدم باتجاه المنزل الذي يحتله المسلحون. فأمر "ابو عائشة" بسام الكنج عناصره باتخاذ وضع القتال امام النوافذ والمداخل. وحمل كل منهم سلاحه وذخيرته، ويقضي امر "أمير" الجماعة باطلاق النار، من كل الاسلحة على قوة الجيش المتقدمة حين اقترابها من المنزل المحاصر. وعندما بدأت القوة تتقدم راح المسلحون يرمونها بنيران اسلحتهم. وكان عبدالمنعم زعرور ورضوان البستاني يناولان القنابل اليدوية الى جهاد خليل، وينزع هذا صمام الأمان منها ويسلمها الى "ابو عائشة"، فيرميها على قوة الجيش.
بيعة الموت
وكان على "ابو عائشة" وعناصره اختيار احد امرين: إما القبول بشروط الجيش وتسليم انفسهم، أو قتال الجيش حتى الموت. فاختاروا الأمر الثاني. وبايعوا "ابو عائشة" على الموت. وراحوا يتصلون بأهلهم وذويهم، بواسطة هواتفهم النقالة، ويودعونهم. واستأنفوا اطلاق النار على قوة الجيش بعد ان طلب ابو عائشة من كل مسلح ان يحمل قنبلة يدوية ليفجرها في نفسه حين يُدهم المنزل. وفي اثناء تبادل النار بين الجيش والمسلحين اغتنم الرقيب اول ملص فترة هدوء قصيرة، فخرج من المنزل سالماً. وخرج كذلك يحيى ميقاتي وعبدالمنعم زعرور من المسلحين. وفي الساعة الثامنة والنصف صباحاً، وكان انهار قسم من جدار المنزل لاصابته بقذيفة، خرج من فجوة الجدار "ابو عائشة" وأحمد اليوسف، وبيد كل منهما رشاش "ب.ك.س" يطلقان منه النار على قوة الجيش القريبة. فبادلهما عناصر القوة النار، فقتلا.
ولما دخلت قوة الجيش منزل جان يزبك في كفرحبو، وجدت المقدم ميلاد النداف مقتولاً. وتبين للطبيب الشرعي، الدكتور فاروق السمّان، وهو كشف على الجثة، ان المقدم مصاب بطلق ناري في الصدر دخل الجهة اليمنى منه وخرج من الظهر، وأن اصابة لحقت برأسه، ويعود سبب الوفاة، بحسب الطبيب، الى الاصابتين معاً، ولم يُعرف اي منهما وقعت قبل الاخرى، وإصابة واحدة من الاثنتين كانت تؤدي الى الوفاة. ولاحظ الطبيب الشرعي ان المقدم النداف تعرض، قبل مقتله، للتعذيب الجسدي، وشاهد آثار حروق في انحاء مختلفة من الجسد ناتجة عن اطفاء اعقاب السجائر وكانت يداه مكبلتين بالأربطة البلاستيك.
وسقط من قوة الجيش في كفرحبو الرقيب اول دافيد فاخوري، والرقيب اول جوزف الحاج، والعريف اول مخايل خزامي، والعريف ياسر قدور والجندي اول سايد الصباغ. وتبين للطبيب الشرعي الدكتور فاروق السمّان ان بعض هؤلاء اصيب بالرصاص اما في رأسه او في ظهره او في صدره، ومن كان مصاباً برأسه اصيب برصاصة واحدة، ومن كان مصاباً في ظهره او في صدره أصيب برصاصتين او ثلاث.
وبلغ عدد قتلى الجيش احد عشر عسكرياً، وعدد الجرحى اثنين وعشرين. وسقط من جماعة المسلحين بسام الكنج، وعبدالله هزيم، وأحمد اليوسف، واسماعيل اسماعيل، ومصطفى حيدر، وخالد العمري، وخضر خضر. وهؤلاء، ثبتت هوياتهم. اما جهاد خليل وطلال كيلاناكي، ورضوان رستم، ورضوان بستاني، وعامر عثمان، وقاسم خضور، فلم يتعرف احد عليهم في الجثث التي عثر عليها على ارض الاشتباكات، وتعذرت معرفة اصحابها، بسبب احتراقها. فدُفنت ولم يتسلمها احد. وبقي مجهولاً مصير علي العبود، ولم يعرف اذا كان مع المسلحين في منزل جان يزبك.
وغداة الاشتباكات قام جمال ياسين، بمساعدة العريف حسام هزيم، بنقل اسلحة وذخائر كان يخبئها عبدالله هزيم في منزله، وخبأها في مستودع، يملكه مصطفى عواد، وضبطها الجيش في المستودع. ودهمت القوات المسلحة اللبنانية من يشتبه في علاقتهم بالجماعة المسلحة. فأوقفت منهم: حسين الشهال، الذي تبين انه يقتني سلاحاً حربياً غير مرّخص، وسعدالله الرفاعي، وكان مسؤول تسليم وتسلّم السلاح في حركة التوحيد الاسلامي، وخالد زعرور شقيق عبدالمنعم زعرور احد العاملين في اذاعة جمعية الهداية والاحسان، وعامر خضور، ومحمد خزندار، وخالد عبدالقادر، وسعيد اللبابيدي، وهؤلاء اشتبه في توفيرهم الدعم للمسلحين.
وتوجه إيهاب البنا الى طرابلس، في 6/1 ومعه خليل عكاوي للاطلاع على الوضع عن كثب، بعد ثبات مقتل "ابو عائشة". فاجتمع البنا وعكاوي بأحمد ميقاتي وزين العابدين خليل، وتدارس الأربعة إخراج ميقاتي وزين العابدين من طرابلس الى مخيم عين الحلوة حيث "عصبة الانصار"، ومنير المقدح. فزوّرت بطاقتا هوية فلسطينية من نوع البطاقات التي تمنحها الدولة اللبنانية الى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واحدة باسم احمد ميقاتي والثانية باسم زين العابدين خليل. وتولى "ابو عبيدة"، في مخيم عين الحلوة، تزوير بطاقة هوية فلسطينية باسم زين العابدين، وألصق عليها رسمه الشمسي، وسلمها الى إيهاب البنا. وسلمه بطاقتي هوية فارغتين على ان تستعمل واحدة لأحمد ميقاتي. وسلّمه خاتماً خاصاً بمديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في وسعه استعماله في ختم البطاقة بعد تعبئتها.
وفي اثناء اقامة قاسم ضاهر في كندا ارسل الى صديقه محمد زغلول، المقيم في كولومبيا، يطلب منه تزويده بطاقة هوية وجواز سفر كولومبيين مزورين. ولبّى محمد زغلول طلب صديقه، وأرسل له بالبريد المستندين المطلوبين. وكان ضاهر مزمعاً استعمالهما للهرب بعد حوادث الضنية. فضبطا قبل الاستعمال. ولم يجد التحقيق هويات 26 مشتركاً محلياً في حوادث الجماعة المسلحة، بعضهم من تابعيات خليجية، وبعضهم فلسطينيون.
وضبطت من الجماعة المسلحة، على ارض الاشتباكات وفي ملاجئ دُهمت بعد الاشتباكات، اسلحة مختلفة، ابرزها 18 قاذفاً مضاداً للدروع، و 23 بندقية "فال"، وأربعة مدافع هاون عيار 60 ملم، و184 رمانة يدوية، و19 قاذف "ر.ب.ج"، وألغام ضد الأشخاص، و20 جهاز تفخيخ، وهواتف حقلية، الى خرائط عسكرية.
وضبطت منشورات وكتيّبات من منزل إيهاب البنا، منها "الإقامة والتجنّس في دار الكفر"، و"تقرير عن القصف الاميركي الاخير على افغانستان والسودان" غداة تفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، واتُهم ابن لادن بالتفجير، ومقالة في "اعلان الحرب على المجالس النيابية"، ورسالة موجزة في عمليات عسكرية في الشيشان، ومقالة في حوادث خليجية أمنية. وعثر على "الجهاد - الفريضة الغائبة" للإسلامي المصري عبدالسلام فرج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.