في غمرة الحدث وازاء المذبحة الفظيعة في مركز التجارة الدولي في مدينة نيويورك وفي البنتاغون، أعلن الرئيس بوش بانفعال "حرباً على الارهاب". والارجح انه لم يكن في وسعه ان يفعل أقل من ذلك، فالاميركيون الذين اصيبوا بصدمة كانوا عاجزين فحسب عن استيعاب الدمار والخسارة في الارواح. وانتاب الاميركيين حنين الى ايام بيرل هاربر الأكثر بساطة، عندما كان الهجوم المباغت عسكرياً والهدف عسكرياً، وبدا العدو محدداً بوضوح. لكن ادارة بوش لم تحسن القول عندما اشارت الى "اعمال ارهاب جبانة واعتباطية". فمن الواضح انه عندما تخطط اربع مجموعات منفصلة لاكثر من سنة لعمليات انتحارية، فان هذه الأعمال ليست اعتباطية او جبانة. كما لا ينفع كثيراً التصريح بان هذه الاعتداءات القاتلة هي "اعتداء على كل ما نمثله"، فيما يخذل الاميركيون انفسهم وما يعتبرون انهم يمثلونه في الشرق الاوسط. ليست هذه اسئلة يمكن ان توجّّه في الوقت الحاضر، في جو المشاعر الوطنية الملتهب والسخط العلني، لكنها تدور في اذهان المسؤولين الاميركيين الذين انيطت بهم مهمة بناء ائتلاف عريض ضد الارهاب والتوصل الى تحديد دقيق للعدو المحتمل في هذه الحرب الجديدة. سيكون هناك لاعبون بيرقراطيون كثيرون في مساعي واشنطن لتحديد "الاشرار"، ويتوقع ان تتباين استنتاجاتهم. فهناك داخل وزارة الخارجية الاميركية جماعتان بيروقراطيتان متنافستان وموقفان مختلفان. المهمة الاساسية في مكتب شؤون الشرق الادنى ستكون مساعدة وزير الخارجية كولن باول على بناء اوسع ائتلاف ممكن، يضم بشكل خاص دولاً عربية واسلامية معتدلة. وسيعني هذا تحديد الارهاب على انه ذلك النوع من التطرف الاسلامي الذي يعتنقه اسامة بن لادن وحلفاء متشددون مثل "الجماعة الاسلامية" في مصر و"الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر. في المقابل، يرجح ان يعطي قسم مكافحة الارهاب التابع للوزارة، الذي تربطه صلات بقسم مكافحة الارهاب في مجلس الامن القومي، المتناغم بدرجة اكبر مع الضغوط السياسية الداخلية، تعريفاً اوسع للارهاب، وقد يطرح تساؤلات بشأن تورط سابق لإيران في تفجير مجمع الخبر، على رغم حقيقة ان ايران تطلق اشارات ايجابية بشأن رغبتها في التعاون في الحرب ضد الارهاب، خصوصاً اذا كان هذا يعني احتمال التخلص من حركة "طالبان" المكروهة وتوجيه ضربة جدية الى الاصولية السنية المتطرفة. كما سيكون لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي أي" دور في تحديد العدو، لكن ليس قبل ان يجري تحول جذري داخل "مركز مكافحة الارهاب" الذي يجري تعزيزه بانشاء مجموعتين كبيرتين على الارض. وكانت "سي آي أي" ركزت الاهتمام بشكل حصري مفرط على بن لادن خلال السنوات الاخيرة وغاب عن بالها حقيقة ان ابن لادن هو في الواقع رئيس صوري وممول احياناً لشبكة ضخمة تضم خلايا غير مترابطة ومستقلة ذاتياً الى حد كبير، تسترشد كلها بالايديولوجية العدائية ذاتها. وسيسعى البنتاغون ايضاً الى دور في تحديد الخطر. لكن اهتمام وزارة الدفاع التي يديرها دونالد رامسفيلد يتركز على العراق، وستسعى الى اغتنام هذه الفرصة لتشخيص العراق باعتباره الدولة الاساسية الراعية لتنظيم "القاعدة" التابع لابن لادن. وهو ما سيمهّد لتبني موقف اكثر فاعلية مما كان ممكناً في السابق لاطاحة صدام، على رغم عدم وجود ادلة على دور عراقي في اعتداءات 11 ايلول سبتمبر او خطة محددة بوضوح لكيفية انهاء النظام في بغداد. بالإضافة الى ذلك، يميل كبار مسؤولي وزارة الدفاع الى ابداء تجاوب اكبر مع مخاوف اسرائيل بالمقارنة مع وزارة الخارجية وال "سي آي أي". وقد يصر البنتاغون على ادراج جماعات فلسطينية، مثل "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، ضمن الاعداء على رغم أنها لم تهاجم ابداً الولاياتالمتحدة، وعلى رغم ان أي محاولة لربط العنف الفلسطيني - الاسرائيلي بالحرب ضد الارهاب قد ينفّر شركاء مسلمين وعرب في الائتلاف. في النهاية، سيقع عبء اتخاذ القرار على الرئيس بوش الذي لا يملك خبرة تذكر في الشرق الاوسط وأبدى تعاطفاً صريحاً مع ارييل شارون، لكن ذلك لن يكون سهلاً. على سبيل المثال، لم يتورط "حزب الله" في نشاط ارهابي مناهض للولايات المتحدة منذ اطلاق آخر رهينة في 1989. فهل ينبغي لادارة بوش ان تثير ضجة بشأن "حزب الله"، على رغم ان الزعيم الروحي حسين فضل الله اصدر تصريحاً واضحاً في وقت مبكر عبّر فيه عن التعاطف مع الولاياتالمتحدة؟ هل ينبغي لواشنطن ان تثير ضجة بشأن حقيقة ان عماد مغنية هو أحد مستشاري حسن نصرالله زعيم "حزب الله؟". كيف ينبغي لواشنطن ان تتعامل مع "الاخوان المسلمين؟". في الاردن، استنكرت الكتلة الاسلامية المدعومة من "الاخوان" أي مشاركة اردنية في الائتلاف، وهو ما سيحصل بالطبع. فهل ستؤدي حملة قمع ضد الاسلاميين في الاردن الى تحويلهم مؤيدين أنشط لشبكة "القاعدة"؟ وماذا عن "الاخوان المسلمين" المصريين؟ ماذا عن العناصر الاصولية الساخطة في دول الخليج؟ هل ستتمكن واشنطن من الحصول على دعم كامل من هذه الدول اذا بدا أنها تتدخل في شؤونها الداخلية؟ باختصار، لقد تعجّل بوش الدخول في "حرب" هي في الواقع اقرب الى تعبئة، مثل "الحرب" على المخدرات، من دون التوقف قليلاً لتحديد من هو العدو، ما عدا شخصية غامضة ومتمرسة اعلامياً في افغانستان قد يتبيّن، وهو امر ممكن تماماً، انها ليست سوى طُعم.