من السذاجة ان تعتقد الادارة الاميركية بأنها تستطيع مكافحة "الارهاب" في العالم من خلال بناء تحالف دولي ضده، من دون التوصل، قبل ذلك، الى اجماع دولي على تعريف الارهاب، والسعي الى ازالة اسبابه. فإن كان معيار "الارهاب" بالنسبة الى واشنطن هو اي اعتداء يستهدف حياة المدنيين الابرياء، فإن ذلك المعيار سينطبق بالضرورة على كثير الدول الحليفة وغير الحليفة للولايات المتحدة، وعلى رأسهم اسرائيل، وربما على الولاياتالمتحدة نفسها. يتفق العالم مع الرئيس الاميركي على ان الاعتداء الرهيب الذي تعرضت له نيويوركوواشنطن هو بمثابة "حرب" تشن على بلاده. إلا ان وحهات النظر تختلف حول كيفية التعامل مع هذه الحرب غير التقليدية التي كرست عولمة "الارهاب" الى جانب عولمة انتقائية لقيم الاقتصاد والثقافة الغربية، بمعزل عن عولمة مبادىء العدالة والديموقراطية وحقوق الانسان. ففي مقابل عشرات المنظمات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية وإتفاقات التجارة الحرة، والضغوط السياسية التي تمارسها دول مجموعة الثمانية على الدول النامية لعولمة اقتصاداتها، ليست هناك ضغوط مماثلة لتحقيق الحد الادنى المقبول من العدالة واحترام حقوق الانسان لدى الدول الحليفة قبل غيرها. لعل واشنطن تعي تماماً أن محاولة "تصدير" قيم العدالة والحرية واحترام حقوق الانسان الى حلفائها المتصارعين في الشرق الاوسط هو ضرب من العبث السياسي الذي يضر بالمصالح الحيوية الاميركية في المنطقة. إذ ان مبادىء العدالة والحرية واحترام حقوق الانسان في الشرق الاوسط تتطلب من واشنطن، الى جانب امور اخرى، الضغط على حليفتها الاولى اسرائيل للإنسحاب من الاراضي الفلسطينية، ومعاقبتها على خرقها قرارات مجلس الامن ونصوص اتفاقية جنيف ومختلف المواثيق والاعراف الدولية وغيرها من القيم، التي لا تتمسك بها واشنطن ،إلا عندما تريد ضرب دول غير داعمة لمصالحها. لا بد لواشنطن ان تعترف في نهاية المطاف بأن دعمها اللامحدود لسياسات اسرائيل العدوانية في المنطقة هو اكبر تهديد لمصالحها الحيوية في المنطقة التي ستظل مهددة طالما استمرت واشنطن في سياسة ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيق القانون الدولي. وفي غياب اي توجه اميركي لعولمة قيم العدالة واحترام حقوق الانسان، الى جانب عولمة الاقتصاد، تبقى عولمة "الارهاب"، بأبشع صورها، خطراً ماثلاً طالما ان القهر السياسي والاقتصادي يتحالف مع اليأس والحقد الاعمى، ليولد افراداً مستعدين لأن يقتلوا انفسهم وان يقتلوا ابرياء معهم لا لشيء إلا للإنتقام ممن يعتبرونهم مسؤولين عن معاناتهم. الخيار الأمثل امام واشنطن هو مراجعة سياساتها الشرق اوسطية في شكل يؤدي الى عولمة العدالة التي وحدها توحد العالم ضد كل من ينتهك حقوق الانسان ومن اهمها حقه في الحياة الحرة الكريمة.