قمة النفاق والوقاحة معاً ان الدولة التي تعتبر نفسها "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط"، تسعى اليوم، وبدعم من "زعيمة العالم الحر"، الى اطاحة رئيس عربي وصل الى السلطة عن طريق انتخابات رئاسية قد تكون، رغم نواقصها، الاكثر نزاهة وتمثيلاً بين نظيراتها في العالم العربي. وتبعث هذه الرغبة الاسرائيلية الحمقاء بإطاحة الرئيس الفلسطيني المنتخب، والسكوت الاميركي - الاوروبي المشين عن هذه الرغبة، رسائل عدة: فهي، من جهة، تمثل رغبة في إطاحة وقتل الارادة الوطنية الفلسطينية التي عبرت عنها الانتخابات الرئاسية، من دون اي اعتبار لأبسط مبادىء الديموقراطية وحقوق الانسان التي تتبجح بها اسرائيل وحليفاتها في الغرب. وعلى نطاق اوسع، تقول رسالة تل ابيب وواشنطن لدول المنطقة بأنهما ستحاربان اي اصلاحات او توجهات ديموقراطية يمكن ان تقود الى سياسات مناوئة لمصالحها في المنطقة. وليذهب الى الجحيم كل الكلام عن الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان... فالمطلوب اليوم، فلسطينياً وعربياً، هو قمع كل "ارهاب" صغير يسعى الى مواجهة الارهاب الاكبر - صاحب الشرعية الاولى والاخيرة! ليست هذه المرة الاولى ولن تكون الاخيرة التي تضغط فيها واشنطن على دول المنطقة لتقف ضد ارادة شعوبها. فتجربة حرب الخليج الثانية ما زالت ماثلة، وهي مرشحة للعودة مجدداً عبر بوابة التعامل مع التهديد العراقي الذي اعيد اكتشافه اخيراً. ماذا لو اعلن ياسر عرفات قراراً بالتنحي عن الرئاسة والدعوة الى انتخابات رئاسية ستجدد له، على الاغلب، التفويض الشعبي الذي يتمتع به؟ هل تسمح له اسرائيل، التي تقول إنه يعمل ضد مصلحة شعبه، بأن يجري انتخابات؟ ام انها ستعمد الى تصفية المرشح الابرز في الانتخابات؟ الأكيد ان هذه الدولة، التي لم تقرر بعد حدودها الجغرافية، لن تسمح للفلسطينيين بأن يقرروا حدودهم من جانبهم، حتى ولو كانت تلك الحدود في إطار قرار لمجلس الامن يحظى بإجماع دولي. ليس هناك من شك، بأن الاحداث الاخيرة في فلسطين اسقطت قناع النفاق الاميركي الذي لبسته واشنطن من اجل المحافظة على التحالف الدولي ضد الارهاب وضمان عدم تعرض مصالحها للتهديد في المنطقة. إلا ان النجاح المدوي في افغانستان وعدم تحرك "الشارع" العربي والاسلامي رغم المجازر الاميركية في افغانستان والمجازر الاسرائيلية في فلسطين، شجع الادارة الاميركية على التخلي عن التظاهر بالتوازن في فلسطين من اجل الحصول على دعم عربي لحملتها العسكرية المقبلة ضد العراق. فواشنطن لم تعد تصدق بأن هناك شارعاً عربياً او مسلماً سيثور وينتفض، خصوصاً ان الدول "الحليفة" في المنطقة طمأنتها الى ذلك، من حيث تدري أو لا تدري، بعدما أحكمت قبضتها مسبقاً على مختلف وسائل التعبير الشعبي! وبما ان الانظمة الحليفة "مستقرة"، فليس هناك ما تخشاه ادارة جورج دبليو من مواصلة حربها العالمية الثالثة بعدما تبين لها ايضاً فشل بن لادن وجماعته في تنفيذ اي من تهديداتهم بالانتقام رداً على المرحلة الاولى من الحرب، بعدما اصبحت قواتهم فلولاً مطاردة لا مأوى لها... الاكيد هو ان ادارة جورج دبليو، التي تعرف تماماً كلفة دخولها في حرب مع جماعات الضغط الصهيونية في واشنطن، ليست مقتنعة بوجود كلفة مقابلة لمواصلتها نهجها الحالي في المنطقة.