تتواصل عبارات التضامن ورموز الحداد ومبادرات الدعم الأوروبي للخيارات العسكرية التي ستحدد الولاياتالمتحدة حجمها ونطاقها الجغرافي. ويستنفر حلف الأطلسي قواته في أوروبا استعداداً لتأمين العتاد اللوجستي والحربي الذي ستحتاجه القوات الأميركية، بخاصة أسراب المقاتلات وطائرات الاستطلاع والتزود بالوقود، والتي قد تتجه قريباً نحو مياه الخليج وأساطيل المحيط الهندي. وتتجه التحقيقات إلى شبكات "القاعدة" التي يقودها أسامة بن لادن انطلاقاً من أفغانستان، والتي يعتقد أنها ستكون قريباً هدفاً لحملة القصف الأميركي. لكن العمليات الانتقامية قد تطاول بلداناً ومناطق أخرى مثل العراق وشمال باكستان، وينتظر حلف الأطلسي استحقاق إعلان نتائج التحقيقات الجارية في دول عدة ل"تحريك" البند الخامس من معاهدة واشنطن 1949 الذي ينص على تقديم العون لكل بلد عضو في الحلف يتعرض لاعتداء خارجي. ويعتقد أستاذ القانون الدولي في الجامعة الحرة في بروكسيل، اريك ديفيد، أن مفهوم "عمل الحرب" ينطبق على الهجمات التي استهدفت نيويوركوواشنطن، و"يمكن وصفها أيضاً بالجرائم ضد الإنسانية، لأنها أدت إلى إبادة آلاف من المدنيين"، ولا يقلل استخدام الوسائل المدنية في الهجمات من طبيعة "عمل الحرب"، لأن الطائرات المدنية استخدمت وكأنها مقاتلات حربية. ويعد اريك ديفيد من كبار أساتذة القانون الدولي في الجامعات الأوروبية، ويتولى الدفاع عن مصالح ليبيا ضد الولاياتالمتحدة أمام محكمة العدل الدولية، وكان مثّل قطر في نزاعها الحدودي مع البحرين أمام محكمة لاهاي. وهو يرى ان الافتراضات الاستخباراتية ترشح "جماعات ابن لادن" النشطة في شمال باكستانوأفغانستان، بما يؤكد "المصدر الخارجي للاعتداءات التي استهدفت تراب الولاياتالمتحدة، الدولة العضو في حلف الأطلسي". وكان الأمين العام للحلف جورج روبرتسون أعلن أن الهجمات الانتحارية "ستخضع، في حال ثبت أنها موجهة من الخارج، لمقتضيات البند الخامس من معاهدة واشنطن". ويستنتج استاذ القانون الدولي أن العمل الحربي والمصدر الخارجي "سيجعلان الحلف يساند أو يساهم في الحملة التي ستشنها الولاياتالمتحدة ضد أفغانستان وفق مقتضيات المعاهدة". وستكون هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها الحلف إلى استخدام البند الخامس منذ توقيع المعاهدة، ولم يطبق بند الدفاع الجماعي خلال أزمة الصواريخ في كوبا بين الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة عام 1962 أو خلال غزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968 أو حرب الخليج الثانية عام 1990. وكان الحلفاء رفضوا تطبيق البند الخامس في حرب المالوين، بين بريطانيا والأرجنتين، لأن الجزر تقع خارج أوروبا وأميركا الشمالية. ويثير مبدأ استخدام ذلك البند الآن تساؤلات عن استعداد الحلف للمساهمة في حملات عسكرية، على بعد آلاف الكيلومترات عن حدود نطاقه الأوروبي - الأطلسي. وذكر مصدر مطلع في الحلف أن الموافقة على استخدام البند الخامس حددت "من الناحية المبدئية" في انتظار النتائج النهائية للتحقيقات. لكن اللجوء إلى تطبيق البند لن يتم تلقائياً، بل ستعاود البلدان الأعضاء في الحلف الاجتماع لدرسه، بعد إعلان الولاياتالمتحدة الجهات المسؤولة في الداخل والخارج عن تدبير الهجمات الانتحارية. وتقلل مصادر ديبلوماسية في بروكسيل من أهمية التباينات بين وجهات نظر الدول الأوروبية، داخل مجلس سفراء حلف الأطلسي، أو خلال مداولات وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، الأربعاء الماضي. وتتحفظ البلدان المحايدة الصغيرة، مثل السويد عن استخدام القوة لتنفيذ أعمال انتقامية خارج إطار الشرعية الدولية، فيما تحذر فرنسا من خطر الخلط بين الحرب على الارهاب وخلاف الحضارات، وتدعو اسبانيا وايطاليا إلى تفادي الوقوع في "فخ الحرب بين الغرب والإسلام". وقد تواجه الولاياتالمتحدة إلى حد ما الجدل ذاته، السياسي - القانوني، الذي واجهته خلال تشكيلها التحالف الدولي ضد العراق عام 1990. وتقر البلدان الأوروبية بقدرة أميركا على تنظيم حملتها وتنفيذها ضد أفغانستان وربما بلدان أخرى، تكون ساندت النشاطات الارهابية ضد أميركا. وضمنت واشنطن، في الأيام الأولى للأزمة، الغطاء السياسي الدولي، بما يساعدها في التخطيط لشن الحرب المضادة على معاقل مدبري الهجمات. وإذا كانت تملك بمفردها القدرات العسكرية الاستراتيجية الكفيلة بخوض حربها ضد أي بلد، فإنها ستظل تحتاج إلى مساعدة الحلفاء ومساهمتهم في الاسناد والمعلومات واذونات لتحليق مقاتلاتها فوق أراضيهم.